«جبل الحديد» الأمريكي... لماذا لا يكفي لردع إيران؟

«جبل الحديد» الأمريكي... لماذا لا يكفي لردع إيران؟


حذّر الباحث المقيم في معهد المشروع الأمريكي فريديريك كايغان من التضحية بالوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، لمواجهة الصين وروسيا.
دحض كايغان هذه النظرية التي يؤمن بها البعض، موضحاً عدم تناسقها لا مع المصالح الأمريكية من جهة، ولا مع طريقة تفكير النظام الإيراني من جهة أخرى. كتب الباحث في صحيفة “ذا هيل” أن تلك النظرية جذابة لكن خطيرة. يجب أولاً على الاستراتيجية الأمريكية أن توازن ما بين التنافس بين القوى العظمى وحاجتها إلى حماية مصالحها حول العالم.

بناء “جبل من حديد».. ليس بإمكان الولايات المتحدة أن تصحح سياستها تجاه الصين وروسيا عبر حرمان الشرق الأوسط الحيوي للمصالح الأمريكية من الموارد العسكرية الأساسية. يجادل مؤيدو تخفيض الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط بأن القادة الإيرانيين يدركون التفوق العسكري الأمريكي، ويُدخلون هذا الأمر بشكل راسخ في حساباتهم الاستراتيجية. ويقولون إنه بإمكان الولايات المتحدة أن تأخذ وقتها في بناء “جبل حديد” من القوى لتحقيق “أفضلية حاسمة” على إيران. وهذا يجعل نشر حاملات الطائرات وقاذفات القنابل غير ضروري وفقاً لرأيهم.

يرد كايغان بالإشارة إلى أن الوجود المتقدم للقوات الأمريكية التقليدية لردع روسيا والصين غير قابل للنقاش، لكن المنفعة من وجود حاملات طائرات لردع موسكو في دول البلطيق هي أقل بداهة. كذلك، إن الزعم بأنه يمكن الاستغناء عن هذه الأصول، وفي الوقت نفسه، تأمين الردع أو الرد على الاعتداء الإيراني، يفتقر لدعامة صلبة.

لا يشك القادة الإيرانيون في التفوق العسكري الأمريكي بصرف النظر عن التصريحات المعاكسة والمضخمة لمسؤوليهم العسكريين. لكن إيران تعير اهتماماً عن كثب لحضور أو غياب حاملات الطائرات والغواصات ومنصات عسكرية أخرى. وهذا راسخ أيضاً في حسابات طهران الاستراتيجية.

كيف تراقب إيران تحرك واشنطن؟ .. حين تهاجم إيران أو وكلاؤها القوات الأمريكية أو حلفاء واشنطن في المنطقة، تنتظر طهران رد فعل الولايات المتحدة. إذا استجابت بهجوم مضاد، فعادة ما تتوقف إيران عن التصعيد. وإذا ردت واشنطن بزيادة الوجود العسكري المرئي، فغالباً ما توقف أو تقلّص إيران التصعيد. إذا لم تتحرك الولايات المتحدة، فغالباً ما تواصل طهران تصعيدها. إن التخلي عن وسيلة التواصل هذه سينشئ خطراً أعلى بكثير لانتشار التصعيد في الخليج العربي. يبدو دوماً أن واشنطن غير محتاجة لمنصات عسكرية تقليدية متطورة في المنطقة، لأن وجود المنصات الأساسية بشكل دوري يساعد في إدارة هذا التصعيد.

واشنطن والوقت المتاح .. من جهة أخرى، يتابع الباحث، أنه ليس واضحاً إذا كانت واشنطن ستتمتع دوماً بالوقت لبناء قواتها رداً على هجوم من إيران أو وكلائها. تتخذ هذه الاعتداءات عادة شكل إطلاق وابل من القذائف الصاروخية أو عمليات الخطف والاغتيال ومحاولة اقتحام المجمعات الأمريكية.
ورد الفعل في أوقات كهذه عالي الحساسية بالنسبة إلى التوقيت. إذا لاح خطر اقتحام منشآت أمريكية، فسيشكل استقدام التعزيزات أولوية قصوى. في السيناريو الأسوأ، يجب على واشنطن أن تكون مستعدة لتنفيذ عملية إخلاء غير قتالية.

السيناريو الأسوأ؟..  في ظل وجود حياة كثيرين على المحك، يجب أن تكون القوات الأمريكية حاضرة وقادرة على الوصول إلى المجمعات المعرضة للخطر في غضون ساعات لا أسابيع. المجموعات البرمائية في مشاة البحرية، ووحدات الاستطلاع هي القوات الأولى التي تتولى مهام قيادة عمليات الإخلاء غير القتالية.

وعلى الأقل، يجب أن تكون هنالك واحدة من هذه المجموعات في الشرق الأوسط حين تتعرض المنشآت الأمريكية للخطر.
أسباب مهمة أخرى.. نبّه كايغان إلى أن تطور إيران في إنتاج واستخدام المسيّرات المسلحة والصواريخ الدقيقة يعقد مهمة بناء وحماية أي “جبال حديد” في الخليج العربي.

إن إظهار الإرادة والتمتع بإمكان الرد سريعاً من حاملات الطائرات والغواصات المجهزة بصواريخ كروز قد تكون أساسية في وقف أو عرقلة الهجمات طوال ما يكفي من الوقت لوصول أصول عسكرية أخرى إلى المسرح. يرجع ذلك إلى أن هذه القاذفات والغواصات هي خارج نطاق الهجمات الصاروخية الإيرانية على عكس القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في الخليج العربي.

أين الحل؟..أوضح كايغان أن تلك النظرية تتجاهل الأهمية التي يوليها القادة الإيرانيون لوجود أو غياب الإمكانات العسكرية الأمريكية المتطورة، ليس بسبب قدراتها المتأصلة فيها وحسب، لكن أيضاً بسبب الإشارات إلى وجود إرادة لدى واشنطن بالرد. وطالما كان للأخيرة وجود ديبلوماسي في المنطقة، فضلاً عن الوجود العسكري، يجب على الولايات المتحدة مواصلة ردع التصعيد والاستعداد لحماية مواطنيها. إذا كانت هناك حاجة إلى المزيد من القدرات في آسيا وأوروبا، وهذا أمر شبه مؤكد، حسب الباحث، فعندئذ يجب على واشنطن إيجاد أساليب أخرى لتوفيرها بما فيها زيادة الإنفاق الدفاعي الذي قد يفضل البعض تحويله إلى أولويات أخرى.