رئيس الدولة ورئيس تشاد يؤكدان العمل على تعزيز السلام والاستقرار والتنمية لدول المنطقة
«حق الليلة» في مهرجان الظفرة البحري.. ليلة من الفرح تعانق روحانيات رمضان
ساحل المغيرة يضيء تحت سماء مهرجان الظفرة البحري، محتضنًا ليلةً استثنائية من الفرح والدفء، حيث عادت الأجواء القديمة بأصالتها، تعانق الحاضر في احتفالية "حق الليلة"، تلك العادة الإماراتية العريقة التي تحمل في طياتها معاني البهجة، والتواصل، والتكاتف المجتمعي.
في منتصف شعبان، تتزين البيوت، وتُفتح الأبواب، وتُضاء المصابيح، وتصدح أصوات الأطفال بفرح، مرددين أهازيج ورثوها عن أجدادهم، فيما تمتلئ أكياسهم بالحلوى والمكسرات، في مشهد يعكس كرم الضيافة الإماراتي، وروح الألفة، والمحبة التي تميز المجتمع. واليوم، في مهرجان الظفرة البحري، تجسدت هذه اللحظات بروحٍ جديدة، تجمع بين الاحتفال والوعي التراثي، وبين الترفيه والتثقيف، ليرى الأطفال تراثهم كجزء حي من يومهم.
مع غروب الشمس، بدأت الساحات تنبض بالحياة، إذ ارتدى الأطفال ملابسهم التراثية المطرزة، وحملوا أكياسًا من القماش المطرز، مزينة بزخارف مستوحاة من البيئة الإماراتية، وبدؤوا جولاتهم بين أركان المهرجان، مرددين بصوت واحد:"عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم"
وقف الأهالي متأملين المشهد بابتسامة يملؤها الحنين، بينما كانت الأكشاك المصطفة تقدم للصغار المكسرات والحلوى التقليدية النخي (الحمص) والفول السوداني والحلويات المصنوعة من التمر والسكر والفواكه المجففة والمخبوزات الإماراتية التقليدية كل لقمة لم تكن مجرد حلوى، بل قطعة من تاريخ مجتمع يقدّس العطاء ويزرع البهجة في قلوب أطفاله.
لم يكن "حق الليلة" مجرد احتفال بتراث جميل، بل لحظة روحانية تبعث في النفوس شعورًا بالسكينة والتأمل، حيث تعالت الأناشيد الرمضانية التي تذكر بقرب حلول شهر الخير والمغفرة. في إحدى زوايا المهرجان، جلس الحكواتي العجوز، تحيط به مجموعة من الأطفال الذين أصغوا بانتباه، وهو يروي لهم قصصًا عن الأجداد، وكيف كانوا يحتفلون بهذه الليلة كجزء من التهيئة الروحية لرمضان، حيث كان الجميع يجتمع في الفريج (الحي)، يتبادلون التمر والماء، ويتهيؤون لبدء أيام الصيام بقلوب ملؤها الإيمان والتسامح والمحبة. أما في الجهة الأخرى، فقد شارك كبار السن في نقل الخبرات والحكم التراثية إلى الجيل الجديد، حيث استعادوا ذكريات طفولتهم، وكيف كانوا يطوفون الأحياء حاملين أكياسهم، ويطرقون الأبواب بأدب، وينشدون الأهازيج، بينما كانت الأمهات يجدن متعة في تحضير الحلويات وتوزيعها بكرم ومحبة.
ومن جهة أخرى أكد القائمون على المهرجان أن إحياء "حق الليلة" ليس مجرد احتفال، بل مسؤولية في نقل القيم والتقاليد للأجيال الجديدة، وتعزيز الوعي بأهمية العادات التراثية التي تعكس هوية المجتمع الإماراتي. وفي هذا السياق، قال راشد خادم قائد فريق التوعية والمعرفة أن "الاحتفاء بـ"حق الليلة" في مهرجان الظفرة البحري ليس مجرد إعادة لإحياء عادة قديمة، بل هو رسالة تربوية ، تزرع في نفوس الأطفال حب التراث وقيم الكرم والتآخي المجتمعي. نريد أن يشعر الصغار أن هذا التراث ملك لهم، وأنهم ليسوا فقط متلقين له، بل جزء منه، وأن مسؤوليتهم الحفاظ عليه ونقله للأجيال القادمة."
وأضاف: نحن في هيئة أبوظبي للتراث ، نؤمن بأن الفعاليات التراثية ليست مجرد ترفيه، بل وسيلة لترسيخ الهوية الوطنية في نفوس الجيل الجديد. عندما يرى الأطفال أنفسهم وهم يرتدون الملابس التقليدية، ويرددون الأهازيج القديمة، ويتذوقون حلوى الأجداد، فإنهم يعيشون تجربة تربطهم بعمق بتاريخهم، وهو ما نطمح إليه من خلال هذا المهرجان.".
كما أشار إلى أن المهرجان يسعى إلى خلق بيئة تجمع بين الترفيه والتثقيف، ليكون لكل احتفال رسالة، ولكل لحظة مغزى، ليظل التراث الإماراتي حاضرًا في كل تفاصيل الحياة اليومية. مع اقتراب منتصف الليل، بدأ الأطفال بالعودة إلى منازلهم، وأكياسهم ممتلئة بالحلوى، وقلوبهم غارقة في السعادة، لكن أكثر ما حملوه معهم لم يكن مجرد مكسرات وحلوى، بل ذكريات محفورة في قلوبهم سترافقهم طوال حياتهم. أما مهرجان الظفرة البحري، فقد أثبت مرة أخرى أنه ليس مجرد مهرجان، بل جسرا يربط الأجيال بالتراث، وزرع حب العادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة في نفوس الصغار، ليحملوها معهم إلى المستقبل بفخر واعتزاز.