غابت وحدة مواقف دولها:

أمريكا اللاتينية والحرب في أوكرانيا

أمريكا اللاتينية والحرب في أوكرانيا

-- تترجم مواقف الدول عقيدة السياسة الخارجية الوطنية ومنطـق التقـارب مـــع - أو ضــــد الولايـات المتحدة وروســيا
-- ستكون هذه المنطقة معنية بشكل جماعي وستتأثر بعواقب هذا الصراع خاصة على الصعيد الاقتصادي


 تقع على بعد آلاف الكيلومترات من الهجوم الحربي الذي شنه فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا في انتهاك للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ومع ذلك تشعر دول أمريكا اللاتينية بالقلق المباشر من الأحداث التي تؤثر على القارة القديمة.

   في الأسابيع الأخيرة، سافر رئيسا دولتين رئيسيتين في أمريكا الجنوبية -البرازيل (جايير بولسونارو) والأرجنتين (ألبرتو فرنانديز) -بالتناوب إلى موسكو لمقابلة رئيس الاتحاد الروسي، وشكره على مساعدة اللقاح الحاسمة التي قدمتها هذه الأخيرة لأمريكا اللاتينية “كانت روسيا أول دولة تقدم لقاحات سبوتنيك Vضد كوفيد-19 للعديد من دول أمريكا اللاتينية التي كانت تفتقر إليها عام 2021” وأعادا تأكيد علاقاتهما الجيدة معها.
   وكان جايير بولسونارو “16-02-2022” قد أعرب، قبل أيام قليلة من اعتراف روسيا، في 21 فبراير 2022، باستقلال أراضي دونباس الانفصالية من قبل -جمهوريتي دونيتسك ولودانسك الشعبيتين، عن “تضامنه” معها، في حين أكد ألبرتو فرنانديز “03-02-2022” أنه يريد أن يجعل من بوينس آيرس “بوابة روسيا إلى أمريكا اللاتينية».

   بالتوازي، أفادت عديد وسائل الإعلام في أمريكا اللاتينية عن محادثات هاتفية بين فلاديمير بوتين ودانييل أورتيغا في نيكاراغوا وتصريحات مسؤولين روس آخرين، تثير احتمال تعزيز الوجود العسكري للبلاد في منطقة البحر الكاريبي (كوبا) وفي أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية (نيكاراغوا، فنزويلا) ... على بضع مئات من الكيلومترات من الحدود مع الولايات المتحدة ... مثل مرآة مقلوبة للوضع في أوكرانيا وأوروبا الشرقية ...
   في الأثناء، مندهشًا، دخل العالم في شتاء الحرب، ودخل عصرًا جيوسياسيًا جديدًا خطيرًا بشكل خاص. كيف تتموقع دول أمريكا اللاتينية اليوم امام العدوان الروسي؟ وما الذي يخشونه من عواقب الصراع؟

   يضغط الوضع في أوكرانيا على ائتلافات التحالفات الاستراتيجية في أمريكا اللاتينية. وتلاحظ معظم دول شبه القارة في مواقفها –للتعبير عن اسفها -فشل الغرب في مراعاة المتطلبات الأمنية الروسية بشكل كافٍ منذ سنوات عديدة. ولكن، من هناك، تظهر عدة مواقف.
    الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة -و “الشريك الشامل” الوحيد لمنظمة الحلف الأطلسي في أمريكا اللاتينية -تدين كولومبيا بشدة وبالاسم روسيا، وكذلك تشيلي والإكوادور وباراغواي وأوروغواي وإلى بنسبة أقل بيرو.

   وتدين دول أخرى استخدام القوة في حل النزاعات وتدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، وكذلك إلى حل سياسي بين الأطراف في إطار الأمم المتحدة. وفي هذه الفئة توجد الأرجنتين “التي تطلب من روسيا وقف “أعمالها الحربية””، وبوليفيا، والمكسيك أو البرازيل.

    في هذه الدولة الأخيرة -وهي عضو غير دائم في مجلس الأمن للعام 2022-2023، وأيضًا في دول البريكس -هناك تعدد الأصوات في الخطاب الرسمي. يتم التعبير عن موقف البلاد خاصة من وزارة الخارجية والدبلوماسية البرازيلية متعددة الأطراف. وقد اكتفى جايير بولسونارو بتناول مسالة حماية المواطنين البرازيليين في منطقة الحرب. أما الجنرال هاميلتون موراو، نائب رئيس الدولة، فقد أكد أن “البرازيل لا توافق على غزو الأراضي الأوكرانية”، وعبّر عن تأييده لـ “دعم أوكرانيا” ... قبل أن يتنصل الرئيس من موقفه، ويصرح منتقدا موقف الجنرال: الشخص الذي يتحدث عن هذه القضايا يدعى جايير ميسياس بولسونارو».

    أخيرًا، إلى جانب الحلفاء التقليديين لروسيا في الصراع مع الولايات المتحدة، تتخذ نيكاراغوا موقفًا لصالح فلاديمير بوتين، وتعتبر كوبا وفنزويلا أن التوسع الدائم لحلف شمال الأطلسي على حدود روسيا وفشل اتفاقيات مينسك -المنسوب للولايات المتحدة ودول الناتو -هي أسباب الأزمة التي انتهى بها الأمر إلى إنتاج “تهديدات قوية ضد الاتحاد الروسي وسلامته الإقليمية وسيادته (بيان رسمي فنزويلي). وتدعو كاراكاس إلى “العودة إلى مسار (...) الحوار (...) لتجنب التصعيد (...) وبما “يؤدي” إلى حل سلمي لهذا الصراع” بينما تدين “العقوبات غير القانونية والهجمات الاقتصادية ضد الشعب الروسي».

    إذن، إن أمريكا اللاتينية تُقارب الغزو الروسي لأوكرانيا بترتيب مبعثر، على اساس الخطوط التي تتوافق مع عقيدة السياسة الخارجية الوطنية، ومنطق التقارب مع - أو ضد الولايات المتحدة وروسيا. لكن هذه المنطقة، مثل غيرها من المناطق، ستكون معنية بشكل جماعي وستتأثر بعواقب هذا الصراع، وخصوصا على الصعيد الاقتصادي في البداية. ستغذي الزيادة في أسعار النفط أو الغاز في الأسواق العالمية الديناميكيات التضخمية المرتفعة اصلا في كل مكان في أمريكا اللاتينية، وهي منطقة تواجه أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها مع جائحة كوفيد-19.

   وبغض النظر عن نتيجة الحرب في أوكرانيا -سريعة أو طويلة -فإن دول أمريكا اللاتينية –غير الموحّدة –سيُلقى بها في عالم ستتعزز فيه توجهات المحافظين الجدد والعسكرية داخل جميع الفاعلين في العلاقات الدولية، مما سيؤدي إلى تقوية كل نظام تحالف، ويعزّز حكم الاحادية في العلاقات الدولية، كاشفا، أكثر من أي وقت مضى، ضعف الأمم المتحدة وأي هيئة دولية في تسوية التهديدات والصراعات.

*مدير البحوث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية ومتخصص في أمريكا اللاتينية