أمريكا والصين وكورونا..تعاون بدأ واعداً ثم انهار
تتبادل أمريكا والصين الاتهامات بشأن مسببات فيروس كورونا الذي اجتاح العالم أجمع، وهو ما يؤدي في رأي يانز هونغ هوانغ، زميل بارز للصحة العامة لدى مجلس العلاقات الخارجية، إلى مفاقمة الأزمة.
وكتب هوانغ، ضمن موقع “فورين أفيرز” أن الأمراض المعدية توفر عادة فرصاً لقيام تعاون دولي. وبالفعل تعاون، إبان فترة الحرب الباردة، علماء من الاتحاد السوفييتي السابق مع نظرائهم في الولايات المتحدة، في تطوير لقاح لشلل الأطفال. وساد تعاون أمريكي- صيني عند تفشي وباء سارس في 2003. وفي سبتمبر(أيلول) 2005، أطلق رئيسا البلدين مبادرة “عشرة مبادئ أساسية” للاستجابة لأوبئة عالمية، دعمتها لاحقاً 88 دولة ووكالة.
وفي 6 مايو(أيار)، 2009، هاتف الرئيس الصيني هو جينتاو نظيره الأمريكي باراك أوباما ليعبر له عن “مواساته” بسبب تفشي فيروس الانفلونزا H1N1 في الولايات المتحدة، وأكد على رغبته” باستمرار التواصل مع منظمة الصحة العالمية والولايات المتحدة وأطراف معنية أخرى، فضلاً عن تعزيز التعاون للعمل معاً في معالجة ذلك التحدي للصحة والسلامة العامة».
فرصة مثالية
ويرى كاتب المقال أن تفشي كوفيد- 19 يفترض أن يقدم فرصة مثالية للصين والولايات المتحدة للارتقاء فوق خلافاتهما والتصدي معاً للخطر المشترك. ويمكن للبلدين العمل سوياً لدعم منظمة الصحة العالمية من أجل تنسيق استجابة دولية ضد الوباء. وكان بإمكان خبراء من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها(CDC) في الولايات المتحدة مساعدة الصين في التحقيق في أصل وطبيعة “الفيروس الغامض”، في وقت كان نظراؤهم الصينيين مرتبكين وبحاجة لمزيد من الخبرات المتخصصة في هذا المجال.
ولأن الصين منتجة ومصدرة رائدة للمكونات الصيدلانية الفعالة، كان بمقدور الصين العمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة للحد من تعطل سلسلة توريد الأدوية. ولدى كلا البلدين قدرات هائلة على إنتاج اللقاحات، ويستطيعان حشد تلك القدرات في عمل تعاوني لتطوير لقاحات، وهو ما من شأنه أن يبدد التوترات وينشط علاقة أفسدتها الحرب التجارية والتنافس الاستراتيجي خلال السنوات الثلاث الماضية.
تعاون واعد
وحتى أواخر يناير(كانون الثاني)، كان التعاون الأمريكي- الصيني حول كوفيد-19 واعداً. وأبلغت الصين، في 3 يناير(كانون الثاني) الولايات المتحدة معلومات عن وضع المرض. وتقاسمت في 10 يناير معلومات عن التسلسل الجيني بشأن الفيروس المستجد، كي تتمكن الولايات المتحدة من تطوير اختبارات تشخيصية لهذا المرض، وتقديم لقاح محتمل. وعرض وزير الصحة والخدمات الإنسانية في الولايات المتحدة، أليكس آزار، إرسال فريق من خبراء CDC إلى الصين لمراقبة تفشي الفيروس وتقديم المساعدة الممكنة. وأجرى رئيسا البلدين مكالمة هاتفية، في 7 فبراير(شباط)، وعبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حينها عن استعداده لإرسال خبراء إلى الصين وتقديم أشكال أخرى من المساعدة.
قلق
ولكن، وفق متابعة الكاتب، لم تبد الصين طيلة أكثر من شهر، منذ بداية يناير(كانون الثاني) اهتماماً بعرض آزار. ثم وقع ترامب، في 31 يناير أمراً تنفيذياً بمنع دخول جميع الأجانب الذين كانوا في الصين مؤخراً إلى الأراضي الأمريكية. وفي نفس اليوم، صرح وزير التجارة الأمريكي ويلبر روس بأن تفشي الوباء في الصين قد يسرع عودة الوظائف إلى الولايات المتحدة.
كذلك، تعهد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بإرسال 100 مليون دولار إلى الصين ودول أخرى لمساعدتهم في محاربة كوفيد- 19. ولكن صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية سرعان قالت إن لا شيء يضمن تلقي الصين تلك الأموال، لأنها سوف تأتي من خلال ميزانية الأمن الصحي العالمي، والذي يستخدم لمعالجة عدد من الأوبئة المتفشية حول العالم. وبالفعل، كتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، في 20 مارس(آذار) على تويتر: “لم تستلم الصين سنتاً واحداً من الولايات المتحدة».
استياء
إلى ذلك، أبدت بكين استياءها ليس فقط من مسؤولي الحكومة الأمريكية بل أيضاً من وسائل إعلام أمريكية. وبدءاً من فبراير(شباط)، نقلت مواقع أمريكية بأسلوب عدواني حالات تفشي كوفيد- 19 في الصين، وانتقدت معالجة ذلك البلد للأزمة ما أثار غضب الحكومة الصينية. فقد نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في 3 فبراير(شباط) مقالاً للرأي تحت عنوان” المريض الحقيقي في آسيا هو الصين».
وفي الوقت نفسه، بدأ الطرفان في تبادل الاتهامات بشأن منشأ الفيروس. وصعد ترامب لهجته حول تفشي الفيروس عندما أشار في 16 مارس(آذار) إلى كوفيد- 19 باسم “الفيروس الصيني». ولكن كان لرئيس جامعة هارفرد لورنس باكو موقف إنساني مختلف، وبعث برسالة إلكترونية إلى هيئة الجامعة قال فيها: “سوف يختبر كوفيد- 19 قدراتنا على التحلي باللطف والكرم، وأن نتطلع لما بعد أنفسنا ومصالحنا الشخصية”. وأضاف “تتلخص مهمتنا اليوم في إظهار أفضل ما لدينا، وما نقدمه إلى عالم أكثر تعقيداً واضطراباً مما يود أي شخص أن يكون عليه».