رئيس الدولة ورئيس وزراء اليونان يؤكدان أهمية التسوية السلمية للنزاعات والأزمات في المنطقة والعالم
حرب غير معلنة بين ترامب وماسك.. من يربح معركة النفوذ؟
في مشهد غير مسبوق، يتحول الخلاف بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك إلى ما يشبه «حربًا أهلية بين النخب»، تتجاوز حدود التغريدات والمواقف السياسية لتلامس مستقبل النظام الحزبي الأميركي وأسس الاقتصاد المدعوم من الدولة. هذه المواجهة بين قطبين ترامب وماسك قد تشكّل منعطفًا حادًا في المشهد السياسي الأميركي، مع احتمالات نشوء حزب جديد، وانعكاسات اقتصادية وجيوسياسية يصعب التكهن بأبعادها.
من «تباين رؤى»
إلى تهديدات مباشرة
في البداية، اقتصر الخلاف بين ترامب وماسك على مواقف متباينة من بعض السياسات، إلا أن الأمور خرجت عن السيطرة بعد تصريحات ترامب الأخيرة، والتي دعا فيها ماسك إلى «إغلاق دكانه والعودة إلى جنوب أفريقيا». جاء ذلك بعد انتقادات علنية وجهها ماسك لمشروع قانون الإنفاق الحكومي، مما دفع ترامب إلى اقتراح دراسة خفض الدعم الحكومي الممنوح لشركات ماسك العملاقة، مثل «تسلا» و»سبيس إكس». ترامب، المعروف بعدم تقبّله للنقد، لم يكتفِ بالرد السياسي، بل فتح ملف الإعانات الحكومية التي حصلت عليها شركات ماسك، والتي تُقدّر بأكثر من 38 مليار دولار وفق واشنطن بوست. وذهب إلى أبعد من ذلك حين لوّح بإعادة النظر في تلك المساعدات، في خطوة وصفتها بعض الدوائر بأنها «ضغطة زر انتقامية».
خسائر ماسك..
والرد الناري المحتمل
وفق وكالة بلومبيرغ، فإن خسائر ماسك في أسواق المال نتيجة تصاعد الخلاف مع ترامب بلغت 34 مليار دولار. ورغم أن ثروته ما تزال تفوق 270 مليار دولار، إلا أن التهديد بضرب الشركات عبر القنوات التشريعية قد يكون له أثر طويل الأمد على طموحات ماسك التوسعية في قطاعات الفضاء والطاقة والذكاء الاصطناعي. في المقابل، لم يصمت ماسك، بل ألمح عبر تغريدات وتلميحات إلى إمكانية تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم «حزب أميركا»، كرد فعل مباشر على «تواطؤ الحزبين الجمهوري والديمقراطي»، حسب تعبيره، في تمرير قوانين وصفها بـ»الجنونية».
المعادلة الحزبية تهتز..
هل نحن أمام انشقاق سياسي؟
يؤكد البروفيسور روبرت رابيل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فلوريدا أتلانتيك، في مقابلة مع سكاي نيوز عربية عبر برنامج التاسعة، أن «الخلاف بين ترامب وماسك ليس طارئًا، بل تراكمي، لكنه دخل الآن مرحلة تصعيد قد تؤثر على البنية الحزبية في الولايات المتحدة». ويرى رابيل أن ماسك يمتلك القدرة على استقطاب شريحة من الجمهور الجمهوري، لا سيما «الفئة التكنولوجية-الليبرالية التي باتت تشعر بأن الحزب الجمهوري لم يعد يعكس طموحاتها الاقتصادية أو التكنولوجية». ويشير رابيل إلى تجربة روس بيرو عام 1992، حين نال نحو 18% من أصوات الناخبين كمستقل سهّل فوز الديمقراطي كلينتون على الرئيس بوش الأب. ويرى أن تأسيس ماسك لحزب جديد قد يسحب من رصيد الجمهوريين أكثر مما يؤثر على الديمقراطيين، مؤكدًا أن «ماسك لا يهدد ترامب فقط، بل قد يعيد رسم خريطة القوى داخل الحزب الجمهوري».
الكونغرس بين
المطرقة والسندان
فيما يخص القانون الذي فجّر الخلاف، يوضح رابيل أن تمريره في مجلس الشيوخ تمّ بفضل الصوت المرجّح لنائب الرئيس، في ظل توازن 50/50 بين الديمقراطيين والجمهوريين. وبالتالي، فإن مشروع الإنفاق الذي يعارضه ماسك لا يملك دعما كاسحا، وهو ما يعزز فرضية أن ترامب قد يستخدمه كسلاح سياسي ضد منافسيه، ومعهم ماسك. لكن الطعن في دعم الشركات الكبرى، وخاصة التي تُعدّ رمزًا للابتكار الأميركي مثل تسلا وسبيس إكس، قد يشعل خلافًا أوسع داخل صفوف الجمهوريين، خصوصًا مع تنامي التيار «الشعبوي-الاقتصادي» الذي يرفع شعار خفض الإنفاق ومساءلة دعم الرأسمالية المدعومة من الدولة.
ترامب لا يزال
ممسكا بزمام اللعبة
رغم كل ما سبق، يرى رابيل أن ترامب لا يزال الأقوى داخل الحزب، إذ «يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ، ويحظى بولاء إعلامي واسع، ويدير ماكينة حزبية ضخمة تستعد للانتخابات المقبلة». ويضيف: «ترامب قد لا يخسر من صراع مع ماسك، لكنه لا يستطيع تجاهل تأثيره، خصوصًا في ولايات كاليفورنيا وتكساس، حيث للشركات التكنولوجية والابتكارية نفوذ انتخابي».
المشهد الجيوسياسي:
الارتدادات العالمية المحتملة
لا يقتصر أثر هذا الانقسام على الداخل الأميركي فقط. إذ يرى مراقبون أن التصعيد بين ترامب وماسك قد يُضعف من صورة «التماسك الأميركي» أمام العالم، خصوصا في لحظة تصاعد التوتر في الشرق الأوسط، وتباطؤ التعافي الاقتصادي العالمي. كما أن تهديدات ترامب بسحب الدعم عن شركات الابتكار قد يُربك خطط وكالة ناسا في التعاون مع سبيس إكس، ويؤثر على برامج الطاقة المستدامة التي تعتمد عليها إدارة الطاقة الأميركية لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
هل نحن أمام
انقسام أميركي جديد؟
بين رئيس يمسك بمفاتيح السلطة، ورجل أعمال يمتلك مفاتيح المستقبل التكنولوجي، تجد أميركا نفسها أمام سؤال مصيري: هل تتحمّل الديمقراطية الأميركية صراعًا بهذا الحجم؟. ما بين تهديدات متبادلة، وأموال طائلة على المحك، ونفوذ سياسي يتقاطع مع ثورة تكنولوجية، يبدو أن صراع ترامب – ماسك قد يتجاوز كونه نزاعًا شخصيًا إلى تحوّل استراتيجي في شكل النظام السياسي الأميركي. الولايات المتحدة، التي لطالما تفاخر نظامها بالتوازن بين الاقتصاد والسياسة، تبدو اليوم أمام مفترق طرق: إما إعادة تعريف العلاقة بين الرأسمال والسلطة، أو دخول حقبة من الانقسامات التي لا تُحمد عقباها.