رئيس الدولة والسوداني يؤكدان أهمية تسوية النزاعات والأزمات بالشرق الأوسط سلمياً
نافذة مشرعة
أوروبا والأزمات: نقاط القوة والضعف...!
من المألوف أن نتحسّر على غياب أوروبا في مجريات الأزمات الدولية. وتؤكد الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط هذا التراجع وانحسار صوت أوروبا وغيابه. وسواء في العراق أو ليبيا أو أفغانستان، الأوروبيون ليسوا لاعبين عالميين، كما يودهم البعض.
لو فكرنا منطق عبثي، يمكننا ان نتساءل بشكل مشروع عما يريده هؤلاء المعلقين من أوروبا ان تفعله. هل حقّا ان أعظم القوى نفسها توجّه مسار الأشياء؟ هل يريد الأوروبيون الدخول في صراعات بإرسال قوات أم بعمليات قوة حيّة؟ هل سيكونون على استعداد لمواجهة التحريفية الروسية أو العدوانية التركية باستخدام القوات المسلحة؟ هل يريدون أن يكونوا شرطي عالم لا اعتبار لهم فيه؟ لا شيء مؤكد، بقدر ما إذا كان مناسبًا أو فعالًا!
سياسة الأمر الواقع
ومع ذلك، تظل الحقيقة أن أوروبا غائبة عن الساحة الدولية، وبالتالي، تواجه خطر ان تُفرض عليها مواقف مخالفة لمصالحها أو مبادئها. لنحاول، بموضوعية، قياس العيوب والمزايا.
هناك خطر كبير بالنسبة لأوروبا يتمثّل في ألاّ تكون قادرة على الرد على سياسة الأمر الواقع، التي يمارسها الآن حليفها الرئيسي وخصومها المؤكدون أو المحتملون. ويبدو أن روسيا وتركيا تتنافسان في أعمال عدوانية محدودة، ولكنها أصبحت ممكنة بسبب عدم الاهتمام الأمريكي.
ان حليفنا الكبير ينظر الى مكان آخر، وينسي حتى وجودنا، ويقرر مزدريا ومتجاهلا مصالحنا عندما لا يكون ضدها علنًا. الصين لا تدخر جهدا بدورها من خلال اكتساح مساحات بحرية، رغم اعلان محكمة العدل الدولية انها غير شرعية. ان النظام الدولي يتفكك بينما بنيت الوحدة الأوروبية على القانون. وبدأ توازن قوى جديد في الظهور، أكثر أولية وأكثر وحشية، وهذا بالتأكيد يتطلب مزيدا من “البأس” في التعبير عن سياسة أوروبية أكثر حزماً لكن يبدو أن الانتهازية تتفوّق على الاستراتيجيات طويلة الأجل.
ان مستقبل العالم لم يعد يتحدد في أوروبا فقط منذ عدة عقود. هذا تحسّر، لكنه حقيقة. ومع ذلك، يبقى للموقف الأوروبي بعض المزايا.
مكانة خاصة
بالتأكيد، تحتل أوروبا مكانة خاصة، وهي ليست فقط مجرد لعبة أحداث تتقرّر في مكان آخر، ولا تزال قوتها الناعمة فعالة وضاربة، كما انها كريمة مالياً، ولا تزال رسالتها وقيمها ومبادئها جذّابة في كوكب حيث أصبح للرأي العام أهمية. ان استقرارها قوة، ومواقفها واضحة ومتوقعة ومتأكدة.
إن أوروبا تحظى بتقدير الشعوب، وخاصة في الخارج، وباعثة لليأس بالنسبة لقادة الدول التي تتكون منها، لأنهم ما زالوا في كثير من الأحيان يفكرون على المستوى الوطني. صحيح أنها تبهر في الخارج أكثر من الداخل، وهناك رغبة للعيش فيها، والهجرة اليها عن طيب خاطر. إنها تحمي الاشخاص، وتزرع شكلاً من الديمقراطية تحسد عليه، وتنفذ تضامنًا يجعل من نموذجها أحد الأماكن التي يطيب فيه العيش على كوكب الأرض، مهما يقول الساخطون على الدوام من الذين تحتضنهم.
بُنيت ضد فكرة الإمبراطورية ذاتها، تجد اوروبا صعوبة لتأكيد ذاتها في عالم من قوى عظمى، الا ان هذا يمنحها ميزة. لها عدد أقل من الأعداء من جميع الابطال الآخرين، ويمكنها التعبير في جميع الموضوعات، حتى الاصعب منها؛ ضعفها يجعلها أحيانا مرجعًا إن لم تكن صوتا مسموعا. قد تكون وحدها، لكنها تدافع موحدة من أجل وضع نهاية سلمية للأزمة النووية الإيرانية، ومن أجل التوصل إلى حل سياسي في ليبيا، ومن اجل مفاوضات تنفرد بتنظيمها بين روسيا وأوكرانيا، إلخ.
عالم مسالم قائم على القانون
ما ينقصها أكثر، ليس القوة العسكرية أو القوة الاقتصادية أو المهارة الدبلوماسية، وإنما قدرتها على توحيد دولها الأعضاء الرئيسية لاتخاذ قرارات قوية وشجاعة بسرعة.
إن أزمات هذه اللحظة، لا تهمّش الأوروبيين، بل تمنحهم وضعا ومكانة تمكّنهم من تهدئتها، أو المساعدة في حلها بسرعة أو مواجهتها قانونيا أو معنويًا واخلاقيا. إذا تم توحيد القوى الأوروبية الرئيسية، فبإمكانها تجسيد رؤية لعالم مسالم متعدد الأطراف قائم على القانون، والذي من دونها لن يكون له مدافعين عنه، وبالتالي، ان يكون لها ثقل أكثر مما قد يُعتقد، في الاوضاع الحساسة.
ان العقل يقضي بأن يسعى الأوروبيون أولاً الى تثمين هذه الورقة الرابحة، من خلال إظهار أنفسهم أكثر اتحادًا على المستوى الدولي، قبل محاولة استعادة مكانة لم يعد العالم يهبها إليهم. وبهذا الثمن، سيتم الدفاع عن مصالحهم على أفضل وجه، وتعزيز قناعاتهم بشكل أفضل... وبهذا الثمن سيصبحون ضروريين واساسيين.
لو فكرنا منطق عبثي، يمكننا ان نتساءل بشكل مشروع عما يريده هؤلاء المعلقين من أوروبا ان تفعله. هل حقّا ان أعظم القوى نفسها توجّه مسار الأشياء؟ هل يريد الأوروبيون الدخول في صراعات بإرسال قوات أم بعمليات قوة حيّة؟ هل سيكونون على استعداد لمواجهة التحريفية الروسية أو العدوانية التركية باستخدام القوات المسلحة؟ هل يريدون أن يكونوا شرطي عالم لا اعتبار لهم فيه؟ لا شيء مؤكد، بقدر ما إذا كان مناسبًا أو فعالًا!
سياسة الأمر الواقع
ومع ذلك، تظل الحقيقة أن أوروبا غائبة عن الساحة الدولية، وبالتالي، تواجه خطر ان تُفرض عليها مواقف مخالفة لمصالحها أو مبادئها. لنحاول، بموضوعية، قياس العيوب والمزايا.
هناك خطر كبير بالنسبة لأوروبا يتمثّل في ألاّ تكون قادرة على الرد على سياسة الأمر الواقع، التي يمارسها الآن حليفها الرئيسي وخصومها المؤكدون أو المحتملون. ويبدو أن روسيا وتركيا تتنافسان في أعمال عدوانية محدودة، ولكنها أصبحت ممكنة بسبب عدم الاهتمام الأمريكي.
ان حليفنا الكبير ينظر الى مكان آخر، وينسي حتى وجودنا، ويقرر مزدريا ومتجاهلا مصالحنا عندما لا يكون ضدها علنًا. الصين لا تدخر جهدا بدورها من خلال اكتساح مساحات بحرية، رغم اعلان محكمة العدل الدولية انها غير شرعية. ان النظام الدولي يتفكك بينما بنيت الوحدة الأوروبية على القانون. وبدأ توازن قوى جديد في الظهور، أكثر أولية وأكثر وحشية، وهذا بالتأكيد يتطلب مزيدا من “البأس” في التعبير عن سياسة أوروبية أكثر حزماً لكن يبدو أن الانتهازية تتفوّق على الاستراتيجيات طويلة الأجل.
ان مستقبل العالم لم يعد يتحدد في أوروبا فقط منذ عدة عقود. هذا تحسّر، لكنه حقيقة. ومع ذلك، يبقى للموقف الأوروبي بعض المزايا.
مكانة خاصة
بالتأكيد، تحتل أوروبا مكانة خاصة، وهي ليست فقط مجرد لعبة أحداث تتقرّر في مكان آخر، ولا تزال قوتها الناعمة فعالة وضاربة، كما انها كريمة مالياً، ولا تزال رسالتها وقيمها ومبادئها جذّابة في كوكب حيث أصبح للرأي العام أهمية. ان استقرارها قوة، ومواقفها واضحة ومتوقعة ومتأكدة.
إن أوروبا تحظى بتقدير الشعوب، وخاصة في الخارج، وباعثة لليأس بالنسبة لقادة الدول التي تتكون منها، لأنهم ما زالوا في كثير من الأحيان يفكرون على المستوى الوطني. صحيح أنها تبهر في الخارج أكثر من الداخل، وهناك رغبة للعيش فيها، والهجرة اليها عن طيب خاطر. إنها تحمي الاشخاص، وتزرع شكلاً من الديمقراطية تحسد عليه، وتنفذ تضامنًا يجعل من نموذجها أحد الأماكن التي يطيب فيه العيش على كوكب الأرض، مهما يقول الساخطون على الدوام من الذين تحتضنهم.
بُنيت ضد فكرة الإمبراطورية ذاتها، تجد اوروبا صعوبة لتأكيد ذاتها في عالم من قوى عظمى، الا ان هذا يمنحها ميزة. لها عدد أقل من الأعداء من جميع الابطال الآخرين، ويمكنها التعبير في جميع الموضوعات، حتى الاصعب منها؛ ضعفها يجعلها أحيانا مرجعًا إن لم تكن صوتا مسموعا. قد تكون وحدها، لكنها تدافع موحدة من أجل وضع نهاية سلمية للأزمة النووية الإيرانية، ومن أجل التوصل إلى حل سياسي في ليبيا، ومن اجل مفاوضات تنفرد بتنظيمها بين روسيا وأوكرانيا، إلخ.
عالم مسالم قائم على القانون
ما ينقصها أكثر، ليس القوة العسكرية أو القوة الاقتصادية أو المهارة الدبلوماسية، وإنما قدرتها على توحيد دولها الأعضاء الرئيسية لاتخاذ قرارات قوية وشجاعة بسرعة.
إن أزمات هذه اللحظة، لا تهمّش الأوروبيين، بل تمنحهم وضعا ومكانة تمكّنهم من تهدئتها، أو المساعدة في حلها بسرعة أو مواجهتها قانونيا أو معنويًا واخلاقيا. إذا تم توحيد القوى الأوروبية الرئيسية، فبإمكانها تجسيد رؤية لعالم مسالم متعدد الأطراف قائم على القانون، والذي من دونها لن يكون له مدافعين عنه، وبالتالي، ان يكون لها ثقل أكثر مما قد يُعتقد، في الاوضاع الحساسة.
ان العقل يقضي بأن يسعى الأوروبيون أولاً الى تثمين هذه الورقة الرابحة، من خلال إظهار أنفسهم أكثر اتحادًا على المستوى الدولي، قبل محاولة استعادة مكانة لم يعد العالم يهبها إليهم. وبهذا الثمن، سيتم الدفاع عن مصالحهم على أفضل وجه، وتعزيز قناعاتهم بشكل أفضل... وبهذا الثمن سيصبحون ضروريين واساسيين.