بعد أكثر من عام على بدء الأزمة

أي تموقع دولي للصين في وباء كوفيد-19 العالمي...؟

أي تموقع دولي للصين في وباء كوفيد-19 العالمي...؟

-- سيساعد الفيروس في إحياء فكرة السيادة لأنه زاد من الوعي بالضعف الشديد الذي تولّده العولمة
-- منطقيا، وعلى نطاق قارة -دولة مثل الصين، من المستحيل أن يكون عدد الوفيات في الصين أقل من إيطاليا
-- دمرت بكين في وقت قصير رصيد الثقة وعقودًا من الجهود بذلتها الدبلوماسية الصينية لإصلاح صورة البلاد


  منذ أكثر من عام، ظهر فيروس كورونا الجديد لأول مرة في منطقة هوبي الصينية، قبل أن ينتشر إلى بقية العالم. ويبدو أن الصين، التي تدعي أنها حققت مع الوباء -رغم افتقارها للشفافية- نجاحاً تريد استخدامه لصالحها على المسرح الدولي.
 
  فيما يلي ترجمة لوجهة نظر حول الوضع يقدمها إيمانويل لينكوت، الباحث المشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، والأستاذ بكلية الآداب في المعهد الكاثوليكي بباريس.
   *تتّهم الصين بإخفاء أسباب الوباء، والدليل رفضها دخول خبراء منظمة الصحة العالمية إلى أراضيها. فيما يتعلق بمسألة الوصول إلى المعلومة، كيف تضع الصين نفسها على الساحة الدولية؟

   - قال إيمانويل ماكرون في 17 أبريل 2020 لصحيفة فايننشال تايمز: لا نعرف كل شيء عما حدث فعلا في ووهان. كما أن رفض الصين منح وفد من منظمة الصحة العالمية فرصة زيارة الصين للتحقيق في أصول الفيروس لن يؤدي إلا إلى زيادة الشكوك. هل الوباء من أصل حيواني فقط؟ هل هذا مرتبط بخطأ في التعامل قد يكون حدث في المختبر الذي سلمته فرنسا؟
   حقيقة مزعجة أخرى: لم يتمكن أي فريق علمي فرنسي، في تحد للبروتوكولات التي قررتها الحكومتان الفرنسية والصينية، من زيارة هذا المختبر. ماذا يُصنع هناك؟ وفي أي ظروف؟ ليست لدينا أجوبة على هذه الأسئلة.     لنذكّر بتسلسل الوقائع: تم اكتشاف الفيروس في نهاية نوفمبر 2019. في ديسمبر 2019، تساءل الأطباء في ووهان عن عدة حالات لقصور الجهاز التنفسي، راغبين في تنبيه السلطات التي أمرتهم بالتزام الصمت تحت طائلة عقوبات قاسية.

   نعرف البقية، والحياة اليومية لسكان هذا التجمع، البالغ عددهم 11 مليون نسمة، تم وصفها يوميًا وبشجاعة من قبل المدونة والكاتبة فانغ فانغ “1”: تردد السلطات في تعليق احتفالات رأس السنة الصينية، ثم تجاوز الأقسام الطبية لطاقتها، والانفجار الصاروخي للفيروس.
   تفاعلت السلطة المركزية -بكين -بإصدار أمر يفرض حجرا صحيا على المدينة، لكنها سعت إلى أن تكون مطمئنة من خلال إخفاء خطورة العلّة عن سلطات منظمة الصحة العالمية. تفاعلت هذه الأخيرة بشكل ضعيف، وسنعلم لاحقا أن مدير منظمة الصحة العالمية، وهو إثيوبي، كان مقربا لبكين.
   أبدت الحكومات الأوروبية بسذاجة ثقتها في تحليلات منظمة الصحة العالمية، وقررت اتباع توصياتها: تظل الحدود والمطارات مفتوحة. هذا الأمر أكثر إثارة للدهشة حيث كانت السلطة التنفيذية الفرنسية على دراية بالغة بخطورة الوضع. في الواقع، فرنسا هي الدولة الوحيدة التي أبقت قنصليتها في ووهان مفتوحة. باختصار، لم يتم عمل أي شيء لوقف الموجة القادمة. تم تأخير ما لا مفر منه، ثم علمنا أن فرنسا قدمت بسخاء آخر مخزون من كماماتها ... إلى الصين.

   حتى كتابة هذه السطور “أوائل يناير 2021”، أجرت الصين أكثر من 4 ملايين لقاح. نسبيًا “من بين مليار و400 مليون نسمة”، ليس كثيرًا.
  *بعد أكثر من عام على بدء أزمة فيروس كورونا، أين الصين من حيث وضعها الصحي؟
  - رسميًا، تقف الصين عند عدد القتلى البالغ 4634، لكنها أقرت قبل فترة وجيزة إعطاء منظمة الصحة العالمية إمكانية التحقيق في الصين في أصول الوباء وهذا قد يكشف ارقاما أكبر.     منطقيا، وعلى نطاق قارة -دولة مثل الصين، من المستحيل أن يكون عدد الوفيات في الصين أقل من إيطاليا، على سبيل المثال. وقد ترافقت هذه الأكاذيب حول العدد الحقيقي لضحايا كوفيد-19 في ووهان، مع إعادة كتابة التاريخ فيما يتعلق بالوباء من خلال محاولة إظهار أن الفيروس كان من أصل أمريكي.

    ظهرت بؤرة جديدة للوباء قبل أيام قليلة في شيجياتشوانغ، جنوب بكين. وهي محور هام للسكك الحديدية، وقد تم اتخاذ تدابير حجر وفحص صارمة هناك. إذن، لا يزال الفيروس منتشرًا حتى يومنا هذا في الصين، ومع إغلاق البلاد وتكميم أفواه الصحافة، يصعب علينا معرفة ما إذا كانت هذه البؤرة الوحيدة للوباء أم أن هناك بؤراً أخرى.    في كل الأحوال، ستظهر أوبئة خطيرة أخرى في هذا البلد، لأن الربط العنيف بين الوسط الحضري والريفي من ناحية، وزيادة نزوح الناس من ناحية أخرى، مرشحان لأن يتطورا أكثر... وهذه الظواهر تسهّل انتشار الفيروسات وتحوّلها بشكل كبير.

  *رغم أنها “أصل” هذا الوباء العالمي، يبدو أن الصين عرفت كيف تنجح على الصعيد الدولي من خلال توفير المعدات وتمويل منظمة الصحة العالمية، إلخ. كيف نفسر هذا الوضع المتناقض ظاهريًا على المستوى الإقليمي والعالمي؟
   - علينا أن نحذر المظاهر: الصادرات المدفوعة من المعدات الطبية من قبل الصين، والتي غالبًا ما تتضرر، هي على العكس من ذلك  عانت إخفاقًا على المستوى الدولي. في غضون أسابيع قليلة، فتح الغرب، وكذلك عددًا من دول الجنوب، أعينه أخيرًا على خطورة القوة الصينية وعدم مسؤولية قادتها. لقد دمر شي جين بينغ في وقت قصير جدًا رصيد الثقة وعقودًا من الجهود التي بذلتها الدبلوماسية الصينية لإصلاح صورة البلاد.

   وسمحت الاختلالات في الإدارة الصينية، خلال الأسابيع الأولى من الأزمة، لـ “شي جين بينغ” بتعزيز قبضته على جهاز الحزب من خلال تسريع عمليات التطهير وتبرير استخدام القرصنة الإلكترونية المتطفلة والمبيدة للحريات. من وجهة النظر هذه، أظهرت هذه الأزمة أن الديمقراطيات الآسيوية مثل تايوان أو كوريا الجنوبية قد أدارت الأزمة بكفاءة أكبر بكثير، دون التخلي عن القيم الأساسية المتمثلة في احترام الناس وحقوقهم.
   يمكن أيضًا ملاحظة تطرف النظام الصيني على المستوى الدولي. تضاعفت الاستفزازات العسكرية ضد تايوان والهند (في منطقة لاداخ) أو ضد السفن الأمريكية في بحر الصين الجنوبي بفضل هذا الوباء الذي، لا ننسى، أنه هزّ أيضًا المجتمع الصيني.

   إن عدم الثقة في النظام -الذي يمر بأزمة ثقة خطيرة –مع الخوف الحقيقي الذي تثيره ملاحقة كبار الصناعيين “اختفاء جاك ما من عوارضها” وارتفاع معدل البطالة “في بلد لا توجد فيه منح” ، تشكل حصيلة العام الماضي.
   لم يقتصر الأمر على تسريع الفيروس للاتجاهات التي كانت تُلاحظ حتى قبل ظهوره، ولكنه بلا شك ساعد ولفترة طويلة في إحياء فكرة السيادة، في فرنسا على وجه الخصوص، لأن الفيروس زاد من الوعي بالضعف الشديد الذي تولّده العولمة. لقد حان الوقت الآن لفك الارتباط الصناعي، وإعادة أكثر قطاعات النشاط حساسية إلى الوطن. ويمكن القول إن هذا خبر جيد للغرب... لكنه خبر سيئ للصين.
---------------
«1» فانغ فانغ، ووهان، مدينة مغلقة، باريس، ستوك، 2020
عن موقع معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية