بين الضمانات للاتحاد الأوروبي والأيديولوجية

إيطاليا: لهذا تقدم جورجيا ميلوني وجهًا مزدوجًا...!

إيطاليا: لهذا تقدم جورجيا ميلوني وجهًا مزدوجًا...!

-- كيف ستوفّق بين التدابير الليبرالية التي أعلنت عنها، ومحاربة الفقر من خلال تدابير اجتماعية؟
-- الزعيمة الإيطالية الجديدة لم تتخل عن أصلها التجاري: الهجرة
-- هذه حكومة جيورجيا ميلوني ولا أحد سواها
-- تجعل جورجيا ميلوني من الأسرة النواة المركزية للمجتمع
-- إنها مع الاتحاد، ولكن مع أوروبا الأمم، التي تولي أهمية كبيرة للبعد الوطني


إيطاليا، “سفينة وسط عاصفة”: في إعلان بلهجة عسكرية تخللته إشارات إلى “الوطن” و”الأمة”، حددت الرئيسة الجديدة للحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني، المحاور الرئيسية لسياستها العامة. الخطاب الذي ألقته أمام برلمان بلادها، حيث فازت بثقته، يشهد على “الوجه المزدوج” لزعيمة حزب ما بعد الفاشية فراتيلي ديتاليا، وفق ما ذكره المتخصص في الشؤون الإيطالية في معهد العلوم السياسية بباريس، مارك لازار.

“نجد في خطاب جورجيا ميلوني ‘وجهًا مزدوجًا’، وهو ما لوحظ أيضًا في تشكيل حكومتها، يوضح الباحث، من ناحية، مواقف “معقولة” وليبرالية بشأن عضوية إيطاليا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ومن ناحية أخرى، أيديولوجية “الرب، العائلة، والوطن”، مقترنة بتأكيد قوي على السيادة الوطنية لإيطاليا».
«إيطاليا جزء كامل من الغرب ومن نظام تحالفاته، لقد كانت من مؤسسي الاتحاد الأوروبي، والحلف الأطلسي”، هكذا طمأنت جيورجيا ميلوني منذ البداية، مؤكدة أن هدف حكومتها لم يكن “فرملة أو تخريب التكامل الأوروبي وانما المساعدة في توجيهه نحو فاعليّة أكبر في الاستجابة للأزمات”.

رسالة واضحة موجهة إلى أوروبا، بينما أكد حليفها، سيلفيو برلسكوني، قبل أسابيع قليلة، أنه قد “يتصالح” مع فلاديمير بوتين.
وهكذا، قامت الزعيمة الإيطالية بتعيين أنطونيو تاجاني، الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي، في وزارة الخارجية. أوروبيًا حتى النخاع، فإن هذا العضو في فراتلي ديتاليا يعمل كضمانة تجاه أوروبا وحلف شمال الأطلسي. لكن، يلاحظ مارك لازار، أن هذه المقاربة التصالحية تحتاج إلى تبيان... أصرت جيورجيا ميلوني طوال خطابها على “سيادة” إيطاليا وعلى “الدفاع عن المصالح الإيطالية».

أوروبا الأمم
ويحلل الباحث، “تؤكد جيورجيا ميلوني الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها تقول في نفس الوقت إن أوروبا يجب أن تكون أكثر فاعلية -مع انتقاد تنازل اليسار -في الدفاع عن المصالح الإيطالية، إنها مع الاتحاد، ولكن مع أوروبا الأمم، التي تولي أهمية كبيرة للبعد الوطني. وعلينا أن نرى الآن كيف تنوي ترجمة هذا الموقف داخل المؤسسات الأوروبية، التي ستقدم لها ميزانيتها قريبًا».
تناقض ينعكس أيضًا في التدابير الاقتصادية الرئيسية التي ذكرتها جيورجيا ميلوني. ذكرت المسؤولة في نفس الوقت التدابير الاجتماعية لحماية الإيطاليين، لا سيما من أسعار الطاقة، وتخفيض الضرائب والرسوم التي تثقل كاهل الشركات. وفي هذا السياق، يشير مارك لازار، “تظل هناك الكثير من الشكوك، كيف ستتمكن من التوفيق بين من جهة التدابير الليبرالية التي أعلنت عنها، وفي نفس الوقت، محاربة الفقر من خلال تدابير اجتماعية؟».

للاستفادة من خطة التعافي الرئيسية التي تفاوض عليها سلفها ماريو دراجي، جددت الزعيمة وعدها بالامتثال للقواعد الأوروبية. وقالت: “لا يتعلق الأمر بالأيديولوجيا هنا، بل يتعلق بأمور تقنية”. طريقة لإبراز التزامها بالتعهدات، بما يتماشى مع التجديد لجيانكارلو جيورجيتي، المنتمي لحكومة دراجي، في وزارة الاقتصاد. إن الوزير، المقرب من ماتيو سالفيني، لكنه ينتمي إلى الجناح المعتدل في الرابطة، سيلعب دور “المسؤولية”، بحسب مارك لازار.

منع الهجرة
غير ان الزعيمة الإيطالية الجديدة لم تتخل عن أصلها التجاري. لئن نفت أي تعاطف مع الفاشية –”كذبة”، يلاحظ مارك لازار، بما أنها بدأت مسيرتها السياسية في حزب يحن إلى موسوليني علنًا -أعادت التأكيد على موقف راديكالي ضد الهجرة غير الشرعية وضاعفت الإشارات إلى الكاثوليكية.
لقد اكدت رئيسة الحكومة إنها تريد “منع المغادرة” من إفريقيا، وتحدثت عن حصار الموانئ الإيطالية. هذا الإجراء، الذي سبق اختباره في إيطاليا عندما كانت الرابطة في السلطة، يمكن بالتالي إعادة تطبيقه من قبل سالفيني، المعين في وزارة النقل، ووزير الداخلية الجديد، ماتيو بينتيدوسي. “الا ان خطاب جيورجيا كان أيضًا غامضا إلى حد ما بشأن المهاجرين، يلاحظ مارك لازار، فلتبرير رغبتها في منع أي هجرة غير شرعية، تحدثت عن الألم الناجم عن الهجرة، الذي عاشه العديد من الإيطاليين، وضرورة تفاديه للمهاجرين الاخرين».
وللقيام بذلك، تحدثت ميلوني عن تأسيس سياسة أوروبية، بحجة أن إيطاليا تُركت وشأنها لفترة طويلة، واقترحت إنشاء “نقاط ساخنة” في المغرب العربي لفرز طلبات اللجوء محليًا ومنع أي هجرة اقتصادية.

الأسرة جوهر المجتمع
   يمكن رؤية نفس هذه الازدواجية في الخطاب الذي أطلقته حول الأسرة ومعدل المواليد، متحدثة عن “خطة ضخمة، اقتصادية، ولكن ثقافية أيضًا، لإعادة اكتشاف جمال الأبوة، وإعادة وضع الأسرة في قلب المجتمع”. واشارت جيورجيا ميلوني مطولاً لرحلتها الخاصة وقالت إنها تريد تطوير عمل المرأة.
   ويوضح مارك لازار، ان “جيورجيا ميلوني تجعل من الأسرة جوهر المجتمع، ونجد هذه الأيديولوجية ‘الرب / الأسرة / الوطن’، لكنها طورت مركزية الأسرة في إيطاليا من خلال التأكيد على وجوب إنجاب النساء وهن يعملن».
   وهكذا عينت يوجينيا روكيلا، وهي ناشطة نسوية سابقة أصبحت ناشطة مناهضة للإجهاض، في وزارة الأسرة والمواطنة وتكافؤ الفرص. و “من الواضح أن ميلوني وروكيلا لن يتراجعا عن القانون الذي يجيز الإجهاض، يضيف مارك لازار، في المقابل، سيلعبان على شروطه التقييدية، من خلال تشجيع الأطباء على اللجوء إلى ضميرهم، ومن خلال تقديم مساعدات مالية للجمعيات “المؤيدة للحياة”، واتخاذ تدابير اجتماعية لدعم الوالدين ...».
   إذن، خطاب “بارع” لا ينكر بأي حال المعتقدات القومية والمحافظة لجورجيا ميلوني، بينما يسمح لها بتأكيد زعامتها. ويخلص مارك لازار، إلى أنّ “جيورجيا ميلوني لم ترضخ لمطالب حلفائها داخل الائتلاف عندما شكلت حكومتها. أراد برلسكوني تقديم أحد المقربين منه لوزارة العدل، وكان سالفيني يسعى لنيل الداخلية، ولم يحصلا على أي منها، ولم تستشهد بهما ولو مرة واحدة خلال خطابها. وهذا أيضًا ما يجب أن نتذكره: هذه حكومة جيورجيا ميلوني، ولا أحد سواها».