في استطلاع لمجلة شاعر المليون بمناسبة يوم الشعر العالمي

البحث عن المسافات التي يقطعها الشعر حول العالم

البحث عن المسافات التي يقطعها الشعر حول العالم


وفي استطلاع مجلة شاعر المليون التي تصدرها أكاديمية الشعر في لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي بمناسبة اليوم العالمي للشعر، تقام للشعر منابر، ويبتهج الشعراء إذ يلقون قصائدهم في حضرة الذواقة. وبينما نحتفي بهذه المناسبة «العالمية» نبحث عن تلك المسافات التي يقطعها الشعر حول العالم، وهنا نطرح السؤال التالي: الشعر العربي بالتحديد بما فيه من حمولات ثقافية ومعرفية وجمالية؛ هل وصل إلى الضفاف البعيدة؟  ثم: هل تعتقد أيها الشاعر أن ما تُرجم من أشعار عربية - والمعاصرة منها بالتحديد - كافٍ لأن يعرفنا الآخر من خلالها؟
(أصدق الشعر أعذبه) وليس أكذبه كما يُقال.. هكذا نترجم المعنى وهكذا نتمنى أن يقول الشعر ما لا نستطيع قوله.. نحن الذين نبحث عن ذواتنا ورؤانا فيه.

خصوصية القصيدة العربية  
   في البداية قال الشاعر نبيل عماد: “يُمثّلُ موضوعُ التّرجمةِ الشّعريةِ أبرزَ القضايا المُتعلِّقةِ بالتّرجمةِ وأَكثرَها إِثارةً للنّقاش بينَ أَطرافٍ مُتعددةٍ من شعراءَ ونقّادٍ ومترجمينَ وقرّاء، وقد ناقشَها في الماضي هوراس والجاحظُ، ومُؤخّرًا اهتم بها جاكبسون وميشونيك، ودارت حولها مجموعةٌ من الأَحكامِ المُسبقَةِ جعلتِ المواقفَ تجاهَ التّرجمةِ تتّسمُ بطابعِ مُزدوجٍ: فجماعةٌ، وهيَ الأَغلبيةُ، يميلُ رفاقُها إِلى رفضِ ترجمةِ الشّعرِ لأَنّهم يعتقدونَ بأَنَّ نقلَ الشِّعرِ مِنْ لُغةٍ إِلى أُخرَى هو بمثابةِ الجريِ خلفَ سرابٍ خلّابِ، ويمثّلُ هذهِ المجموعةَ النقادُ واللغويّونَ والكثيرُ منَ القرّاءِ. أما المجموعةُ الثانيةُ، وهي أَقليّةٌ، فيقرُّ رفاقُها بصعوبةِ ترجمةِ الشّعرِ، لكنّهم لا يرونَ استحالةَ ذلكَ».
 وأضاف عماد: “تجدرُ الإِشارةُ إلى إمكانيّةِ ترجمةُ الشّعرِ، وهذا أمرٌ قائمٌ في الواقعِ ولا يحتاجُ إِلى دليلٍ عليهِ، ويكفي برهانًا عليهِ ذلكَ الكمُّ الهائلُ من القصائدِ التي تُترجَمُ إِلى عددٍ منَ اللُغاتِ العالميّةِ الحيّةِ. صحيحٌ أنَّ هذا الواقعَ القائمَ لا ينفي صعوبةَ ترجمةِ الشّعرِ وصحيحٌ أنَّ الأَغلبَ الأَعمَّ مِنْ هذهِ التّرجماتِ لا يلبّي الطّموحَ من النّاحيةِ الفنيّةِ. ومعَ ذلكَ فسواءٌ أحبَّ المُعترِضونَ على ترجمةِ الشِّعر أو كرهُوا، فإنَّ قيامَ حركةِ ترجمةٍ شعريّةٍ نشيطةٍ جدّا دليلٌ على ِإِمكانِ هذا الفعلِ الأدبيّ المعرفي الحضاريّ».
ويؤكد عماد: “ إن للشعرِ العربيّ خصوصيةً تختلفُ كثيرًا عن آدابِ الأممِ الأخرى، فهو يمتازُ بنظامٍ إِيقاعيٍّ وموسيقيٍّ فريدٍ، فلا نكادُ نجدُ شعرًا يعوّلُ على الموسيقى كما عوّلَ الشّعرُ العربيُّ، إِضافةً إِلى طبيعةِ بنائِهِ وتراكيبِهِ التي تجعَلُ من هذا الشّعرِ شعرًا محليًّا لا يكادُ ينفذُ إِلى غيرِ النّاطقينَ بالعربيّةِ، على الرغم من بعضِ التّجاربِ التي حقّقتْ عالميّةً مثلَ الشّاعرِ الكبيرِ بدر شاكر السيّاب حينَ نقل تجربته إلى فضاءٍ عالميٍّ، وما تزالُ قصائدُهُ ميدانًا فسيحًا للدّراساتِ النّقديّةِ والترجمةِ، فهوَ استطاع بذكائِهِ أنْ يجعلَ قصيدتَهُ مرنةً أَمامَ الترجمةِ، وقابلةً للنقلِ منَ العربيّةِ إِلى كثيرٍ منَ اللغاتِ من خلالِ طرحِهِ موضوعاتٍ إِنسانيّةً، وتعكّزِهِ على تراكيبَ ومعانٍ مشتركةٍ بينَ الإنسانِ العربي وغيرِ العربيّ، لهذا كانت قصائدُهُ عابرةً لفكرةِ المكانِ واللّسانِ».
ويشير عماد: “بسببِ نظمِنا الشّعريّ الدّقيقِ جدًا لا نجدُ شاعرًا عربيًّا قد حصلَ على جائزة نوبل في العصرِ الحديثِ. وليس السببُ في قلّةِ التّراجمِ أَو قصورِها، إِنَّما الأمرُ عائدٌ إِلى طبيعةِ الشّعر العربيّ التي تستعصي على التّرجمةِ بمعناها الحرفيّ، فإِذا نجحتِ الترجمةُ في نقلِ المعنَى، كيف ستحافظُ على الإِيقاعِ، وإِذا حافظتْ على الإِيقاعِ، كيفَ تحتفظُ بالمعنَى؟».

نوبل والترجمة
  بدوره يؤكد الشاعر وليد الصراف “ أن الشعر لا يترجم. فالقصيدة ليست قميصاً نشحنه من فرنسا فيصل بغداد  دون أن يتجعد، بل هو نار تنطفئ في الطريق بين لغتين ومقصلة يدخلها النص حيّا ويخرج منها وهو جثة هامدة تشبه الأصل، ولكنها بلا روح».
 وأوضح الصراف: “مع ذلك نجد العالم كله يعرف طاغو، راينر ماريا ريلكه، وجاك بريفير، وقبلهم شكسبير وقبله هوميروس ولا يعرف شاعرًا عربيًا واحدًا. نعم تُرجم البياتي وأدونيس وشعراء آخرين وأصبحت الترجمة من السهولة بحيث يتصدى لها -حقاً أو باطلاً- جهاز حاسوب ويفخر أنصاف شعراء عرب أنهم ترجموا إلى عشرين لغة، ولكن في حقيقة الأمر ما من مثقف في العالم قرأ المتنبي نفسه وهو حتى اللحظة أشعر شعرائنا».
وتابع الصراف :”ما السر؟” ويجيب الصراف :” أولًا نحن لا تسري فينا روح الفريق الواحد ولا نقدم أنفسنا في إعلامنا نفسه حسب الأهمية، بل حسب المصالح والأيديولوجيا والعلاقات التي لا علاقة لها بالشعر فكيف سيعرف العالم ألمع شعرائنا وقد حجبنا الماس وأبرزنا الحصى. ثانياً إن الشعر العربي وهو ربما أهم شعر إنساني يستعصي أكثر من غيره على الترجمة فقد امتزجت إيقاعاته وصوره ودلالاته بنحوه وصرفه وعروضه وأصبحت العناصر كلها كياناً واحداً يستعصي على الفصل الذي تقتضيه الترجمة إلى لغة أخرى لها عناصرها هي الأخرى».
ويذكر الصراف: “مرة قلت في الموصل في اليوم العالمي للشعر أيها الغامض كليلة ظلماء والواضح كصفحة ماء صافية. أيها المتنازع عليه بين عمود احدودب ولم يعد يقوى على حمل نفسه، وتفعيلة مات عنها السياب ونثر واطئ السور يجوزه اللصوص كل دقيقة، أيها المغادر منذ عقود تاركاً عنوانه في كتب قديمة ومجلات وجرائد صفراء. تنتشر إشاعات: أنك عدت حيث تقسم العين انها أبصرتك وتنفي اليد التي لم تصافحك الخبر نفياً قاطعاً..أيها المخبأ السري للأحلام والذكريات والانفعالات، إن القوم اجتمعوا ليحتفوا بك وأعدّوا الزينة وأحضروا الكعكة ودعوا الناس من كل حدب وصوب وأفردوا لك كرسيّا وسط الصف الاول وتوالت الكلمات وتعالت الهتافات ودوّى التصفيق وجاء الجميع من أجلك، إلا أنك غبت ولم تحضر حتى هذه اللحظة من كتابة هذه السطور.

القصيدة الإنسانية
الشاعر حسن عامر قال:  “أعتقد أن هناك دائمًا قصوراً في ترجمة الشعر العربي بالذات إلى اللغات الأخرى، ربما لطبيعة الشعر العربي، أو ربما لطبيعة الشعر عامة التي تفرضها اللغة المكتوب بها؛ فجماليات أي قصيدة ترتبط دائمًا بلغتها الأم وسحرها ومجازاتها واشتقاقاتها، ومعانيها المرتبطة بتراث هذه اللغة وتاريخها، لكن «المعنى الشعري» يمكن نقله إلى لغة أخرى بسهولة، لأن المعنى الشعري هو طريقة تفكير شعرية أو طريقة نظر إلى الأشياء من زاوية إنسانية، مثال على ذلك المعنى الشعري هذا السطر الذي انتقل إلينا من اللغة الإسبانية من قصيدة «لوركا» الشاعر الإسباني والتي كان يقول فيه:
إذا متُّ .. دعوا النافذة مفتوحة
لأري الصبي الذي يجمع البرتقال
هذا المعنى وغيره هو ما استطاع أن ينفذ إلى ذائقتنا العربية متخطيًا حدود لغته الأم، لكننا لا ننكر طبعًا أن هذا المقطع الشعري وغيره فقد كثيرًا من جمالياته الأخرى المرتبطة بلغته الأم، بذلك المعنى أو هذا الافتراض سنجد أن الكثير من النصوص الشعرية العربية وغير العربية سيصبح من الصعب جدًا نقلها إلى لغة وسيطة أخرى إذا كانت معتمدة فقط على التصوير اللفظي، لأن ما ينتقل من الشعر معناه ورؤيته التي يستطيع أن يبثها خلالك لترى الأشياء بعين الشعر والشاعر، في الشعر العربي المعاصر وغير المعاصر كثير من هذه المعاني والرؤى الشعرية التي تجعل من نصوص شعرية عربية نصوصًا عالميةً بامتياز، تصلح للإنسان في كل زمان ومكان، إذا وجدتْ طبعًا من يتعامل معها بحساسية مفرطة وفهم سليم، لأن كل ترجمة هي بالتأكيد خيانة ما للنص المترجم، لا أعرف طبعًا إذا كانت هناك ترجمات للشعر العربي المعاصر، وإذا كانت هناك ترجمات فعلًا فإنها قليلة وغير كاشفة لارتباطها دائمًا بالسياسة الدولية وثقافة السائد، على الرغم من أن الشعر العربي المعاصر يكاد يكون منتجًا إنسانيًا بامتياز بعيدًا عن كل الانحيازات التي تقصي الإنسان وتعتمد على جماليات خاصة أو انحيازيات عرقية أو دينية لا يفهمها أو يتعاطى معها إلا أبناء دائرتها المنتمين إلى نفس الانحياز، إذا تخلص الشعر أي شعر من هذه الانحيازات وكان انحيازه الأول للإنسان ولروحه وحاجاته فكل قصيدة هي شعر عالمي حتى لو لم تُتَرجمْ».

الحضور الطاغي
 في حين قال الشاعر ناصر الكلباني: “الشعر العربي الفصيح ذلك الوهج السماوي الذي مازال يملأ كون العروبة والعالم، وفي اليوم العالمي للشعر يمكنني القول إن الشعر العربي الفصيح بكل أشكاله وأنواعه قد خطا خطىً واسعةً نحو العالمية، بل وأصبح له حضوره الطاغي على المنصات الثقافية والفكرية».
  وتابع الكلباني: “الشعر العربي حظي بالكثير من الاهتمام العالمي لا سيما المترجم منه، حيث نجده في العديد من الجامعات الآسيوية والأوروبية والإفريقية غير الناطقة بالعربية حاضرًا وبقوة كبيرة، كما أن الكثير من الدارسين غير الناطقين بالعربية من أول اهتماماتهم هو الشعر العربي، حيث يدرسون ما فيه من كل النواحي الكلامية والبلاغية والوزنية والأسلوبية وغيرها، وهذا دليل على وصول الشعر العربي إلى تلك المناطق البعيدة فكرًا وإقليمًا، بل حتى المهتمون باللغة العربية ودراستها يكون أولى اهتماماتهم الشعر العربي».
 وأكد الكلباني: “ومن هذا المنطلق يمكنني الجزم بأن الشعر العربي أصبح عالميًا في وصوله إلى الكثير من تلك البلدان والحضارات والأمم التي لم تكن تعرف عن الشعر العربي شيئًا، بل وصار في مناهجها وثقافتها، وصار الكثير من المغنين مثلًا يتغنون باللغة العربية الفصحى وشعرها العربي الفصيح الذي وصل للآفاق».
 ويذكر الكلباني: “من ناحيةٍ أخرى أيضًا هناك نشاط لعملية الترجمة الذي أتصور أنه ازدهر في الوقت الحالي، وصار هناك العديد من المترجمين والمترجمات الذين كرسوا حياتهم في ترجمة الآداب العربية ولا سميا الشعر العربي منها،
 وقد أسهمت في وصول الشعر العربي إلى العالمية وليس أدل من ذلك تلك الدواوين للكثير من الشعراء العرب التي ترجمت إلى العديد من اللغات العالمية وأوصلت صوت الشعر العربي إلى العالم.
ولو حاولنا ذكر الكثير من الكتاب والشعراء العرب الذين أوصلوا صوت الشعر إلى العالمية لذكرنا منهم الكثير، كالشاعر سيف الرحبي من سلطنة عمان، وليس أدل أيضاً من ذلك العمل «أنشودة الصحراء الأخيرة» الذي صدر عن جامعة زايد، ويضم نصوصًا لـ 20 شاعرًا وشاعرة من الإمارات نقلتها المترجمة. أمنية أمين من العربية إلى اللغة الإنجليزية وهذا في حد ذاته وصول إلى العالمية».

ليست هناك ترجمات كافية
«كنت أتمنى أن أقول إن الشعر العربي المعاصر قد وصل إلى العالمية، ولكن بكل أسف أقول: إن الشعر العربي المعاصر لم يصل إلى العالمية”. هكذا افتتح الشاعر أحمد حسن عبد الفضيل حديثه وأكمل:”وبالتأكيد ليست هناك ترجمات كافية له إلى اللغات الأخرى وحتى أكون موضوعيا في رأيي هذا سأذكر بعض الأسباب التي جعلت موجة الشعر العربي قاصرة عن عبور حدودها العربية إلى ضفاف العالمية.
أولًا-الترجمة ليست كافية .
إن حركة ترجمة الشعر العربي إلى اللغات الأخرى ليست كافية ولا تغطي الاتجاهات الشعرية كافة، ولا يعني هذا عدم وجود جهود مشكورة لإثراء حركة ترجمة الشعر العربي فهناك مؤسسات ثقافية حكومية وغير حكومية تقوم بهذا الدور لكن ما يترجم من الشعر العربي أقل بكثير من غزارة حضوره الكبير من المحيط إلى الخليج.- ثانيًا: تهافت الجمهور واحتفاء دور النشر بالرواية. وأعتقد أن ذائقة الجمهور في دول العالم تحتفي اليوم احتفاء كبيراً بالسرد على حساب الشعر وهذا الاحتفاء جعل دور النشر تسعى لترجمة الرواية بينما تراجع الشعر لأن الجمهور لا يقبل عليه مثلما يقبل على الرواية، وحقيقة لا أجد غضاضة في الاعتراف بأننا لسنا في زمن الشعر ومن يراقب حركة الأدب العربي خاصة والعالمي بشكل عام سيجد أن الرواية سلعة رائجة لدى الجمهور لا سيما الشباب، وهذا ما نراه وندركه في معارض الكتب العربية المختلفة حيث نجد اقبالاً شديداً على الروايات العربية أو المترجمة من لغات أخرى . كما إن جائزة نوبل والترجمة ثالث هذه الأسباب، وتكمن في عدم وجود شاعر عربي على منصة التتويج بجائزة نوبل أو بجوائز عالمية مرموقة،
 ففي أغلب الأحيان لا يتواجد الأديب العربي على منصات التتويج بجوائز عالمية إلا في الرواية، لذا فالترجمة إلى اللغات الأخرى لها موسم سنوي إذا جاز هذا التعبير وتكون مرتبطة في الغالب بالأديب الذي يحصل على نوبل وغالباً يكون من الروائيين لا الشعراء وهنا يطل السؤال بوجه حزين: ألا وهو متى سيحصل شاعر عربي على جائزة نوبل ليحتفي به العالم كله ويترجم مشروعه الشعري العربي إلى لغات العالم المختلفة . رابعًا- نحن في زمن القراءة البصرية».
وبحسب اعتقاد عبد الفضيل: “الشعر أقرب إلى فطرة الإنسان التي ترافق الدهشة في إحساسه الأول بالأشياء من حوله،
 وقد ذهبت مع الريح مما جعل الشعر يتراجع بشكل خاص، بل جعل قراءة الكتب في ظل التقدم التكنولوجي المذهل متراجعة ليحل محلها القراءة البصرية ففيديو واحد على اليوتيوب يحصد ملايين المشاهدات في ساعة واحدة، ولم يعد مهتماً بقراءة الشعر إلا الشعراء أنفسهم وعدد قليل جدًا من صفوة القراء».

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot