الوجه الجديد للحركة الأمازونية:

البرازيل: تكساي سوروي، صوت مأساة الهنود الحمر...!

البرازيل: تكساي سوروي، صوت مأساة الهنود الحمر...!

-- مع تزايد انتهاك حقوق هنود الأمازون، تقاوم الشابة بشجاعة وتواجه مخاطر كبيرة
-- تبخّرت مساحة 13235 كلم2 من الغابات، أي ما يعادل مساحة إيرلندا الشمالية أو الجبل الأسود، بين 2020 و2021


    المقارنة تجعلها تبتسم... تكساي سوروي، 24 عامًا، هي “غريتا ثونبرغ البرازيل”، في إشارة إلى الطالبة السويدية التي كانت وراء إضرابات الشباب من أجل المناخ. “غريتا فتاة رائعة، تعترف التي تعتبر الوجه الجديد للحركة البرازيلية للسكان الأصليين، لكن ما تقوله هي، نحن هنود الأمازون نردّده منذ امد بعيد، دون أن يستمع إلينا أحد”، تضيف في استوديو رودا فيفا، برنامج الحوارات السياسية الرئيسي في البرازيل.

قبل ستة أشهر، خلال افتتاح مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في غلاسكو (كوب 26)، استمع العالم إلى تكساي سوروي، وهي تخاطب قادة الكوكب. إنها خطوة أولى نحو “إنهاء استعمار فضاءات التعبير”، أوضحت هذه المرأة التي أصبحت في ذلك اليوم أول امرأة برازيلية من الهنود الحمر تتحدث في مثل هذه الأماكن والاوساط المهمة. علاوة على ذلك، بلغة إنجليزية تتحدثها بطلاقة.

   إن “شعوب الهنود الحمر في الخط الأمامي لحالة الطوارئ المناخية، ولهذا السبب يجب أن نكون في قلب القرارات التي تُتخذ هنا”، قالت من على منصة مؤتمر المناخ “كوب 26”حيث، في غياب الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، كانت هي الممثلة الوحيدة للبرازيل، الدولة الأمازونية الرئيسية، للتحدث. “نحن نقاتل على حساب حياتنا للحفاظ على الأمازون والكوكب”، تقول الشابة التي، بعد فترة طويلة من السيطرة الإعلامية للزعيم الكبير كايابو راوني، بصدد تجسيد إحياء نضال السكان الأصليين في البرازيل.

   حتى في بلدها، كانت الهندية من أصل أمريكي حتى ذلك الحين غير معروفة إلا قليلاً خارج الدوائر الجمعياتية، اين كانت نشطة بكثافة. ومنذئذ، بدأت التلفزيونات تتنازعها. ووفّرت لها صحيفة فولها دي ساو باولو، الصحيفة الرئيسية في البرازيل، عمودًا أسبوعيًا، تتحدث عبره عن إضعاف الحوكمة البيئية، من قبل اليمين المتطرف في السلطة، أو حتى عن أهمية مشاركة الهنود الحمر في الحياة السياسية للبلد، حيث يظل تمثيلهم ضعيفًا للغاية.

نهج النضال الجماعي
   تتواجد تكساي سوروي على جميع الجبهات، في مجموعات السكان الأصليين والشباب، وكذلك ضمن حركات من اجل “العدالة المناخية” وحماية الغابات. في الآونة الأخيرة، حشدت الناشطة، التي لديها 59 ألف مشترك على انستغرام، لاعتصام نُظّم في برازيليا في أبريل ضد مشروع قانون يجيز استغلال التربة الغنية لمحميات السكان الأصليين. إنها معارضة لهجوم الحكومة الهادف إلى تقويض حقوق الهنود الحمر، رغم اقرار دستور عام 1988، الذي كتب في نهاية الديكتاتورية، بها.
   «تتمتع تكساي بمواصفات الزعيمة، الا انها تنخرط في عملية نضال جماعي، تصف نصيرة البيئة بالوما كوستا، التي اقترحت اسمها على محيط الأمين العام للأمم المتحدة للمشاركة في مؤتمر “كوب 26”، وهذا ما يجعل منها شخصية ممثلة بهذا الحجم”، وليس فقط للقضية الهندية.    لقد دعّمتها منظمات الدفاع عن السود ايضا لأن السكان المهمشين في المدن الكبرى يتضررون بشدة من “الأحداث المناخية المتطرفة” المرتبطة بالاحتباس الحراري العالمي، مثل الفيضانات التي قتلت المئات في البرازيل في بداية العام.
  طالبة قانون في بورتو فيلهو، عاصمة ولاية روندونيا الأمازونية، “تنتمي تكساي سوروي إلى جيل جديد من الهنود الحمر تعلّم ويعيش حياة عصرية، ولكن دون التخلي عن الثقافة والقضية التاريخية للشعوب الأصلية”، تشرح أدريانا راموس، مستشارة المعهد الاجتماعي البيئي في البرازيل، وهي جمعية مكرسة للدفاع عن هذه الشعوب.

محاربة “مشروع فاشي وإبادة جماعية»
   لقد كبرت “قضية” الهنود الحمر معها. والدها ألمير سوروي، هو زعيم جماعة بايتر سوروي، وهي مجموعة عرقية من 1500 روح، على حدود روندونيا، تقاوم بأقصى ما تستطيع اعتداءات مستصلحي الاراضي. ووالدتها، المؤرخة البيضاء إيفانييد بانديرا، هي شخصية بارزة في حركة السكان الأصليين. وعندما كانت طفلة، رافقت الصغيرة تكساي والدتها في مظاهرات مؤيدة للاعتراف بأراضي أسلاف الهنود الحمر، والتي ينازعهم فيها المزارعون والمربون والحطّابون وغيرهم من المنقّبين عن الذهب.
   وتحت رئاسة جايير بولسونارو، “نحن نحارب مشروعًا فاشيًا وإبادة جماعية يتمثل في القضاء على غاباتنا، وكذلك على الذين يعيشون هناك”، كتبت الناشطة، متهمة الرئيس “بالتشجيع على غزو غير مشروع لأراضي السكان الأصليين”. تضاعف عدد التوغلات في هذه المناطق منذ عام 2018، قبل توليه السلطة مباشرة. عام 2020، قُتل 182 هنديًا في هذه النزاعات على الأراضي -وهو أمر لم يحدث طيلة ربع قرن، ناهيك عن 900 ضحية لفيروس كورونا الذي نشره الغزاة. حصيلة فادحة، ترجمتها إلى الوزن الديموغرافي الضعيف للهنود الحمر في البرازيل: 900 ألف شخص، أي 0.5 بالمائة من السكان.
   أما تهيئة اراضي الأمازون للزراعة فهي في أعلى مستوى لها منذ خمسة عشر عامًا. فخلال اثني عشر شهرًا فقط، تبخّرت مساحة 13235 كيلومترًا مربعًا من الغابات، أي ما يعادل مساحة إيرلندا الشمالية أو الجبل الأسود، بين 2020 و2021. وحسب الخبراء، لن يكون الغطاء النباتي قادرًا على التجدد. وهذه هي فكرة جاير بولسونارو عن “التنمية»...

الإهانة والتهديد على مواقع التواصل الاجتماعي
   «في مؤتمر المناخ “كوب 26”، امتنعت تكساي سوروي بحكمة عن انتقاد سياسته علنًا، مفضلةً ربط قضية السكان الأصليين بقضية المناخ”، يلاحظ ماوريسيو فويفوديك، مدير الفرع المحلي للصندوق العالمي للطبيعة، الذي يعجبه “نضج الشابة المثير للإعجاب”. “مشاكل الهنود الحمر تسبق هذه الحكومة، حتى لو فاقمت هذه الاخيرة أوضاعهم بشكل كبير”، يحدد المسؤول الجمعياتي.
ولم يمنع ذلك الرئيس اليميني المتطرف من اتهامها بـ “التحدث بالسوء عن بلاده”، وليمطرها أنصار بولسونارو بافتراءات وتهديدات عنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي.

   لكن التهديدات تصاحبها وتكبر معها. لقد كان والداها ضحيتها، وقُتل صديق طفولتها، وهو هندي أمريكي من شعب أورو-أو-واو-واو، “لأنه كان يحمي الغابة”. “هي نفسها تخاطر، يعتقد ماوريسيو فويفوديك، خاصة بعد نزولها للميدان، في المناطق المتنازع عليها».
   ان “أيا من الهنود الحمر يبرز هو مستهدف، تؤكد أدريانا راموس، مستشارة المعهد الاجتماعي والبيئي، لأنه في عهد بولسونارو، تكتســــح الجريمـــة المنظمة منطقة الأمازون، وتنتشــر الأسلحة النارية بشكل لم يسبق له مثيل. والذين يدمرون الغابة ويهاجمون السكان الأصليين يشعرون بالحماية، فالسلطة نفسها تشجع انتهاك الحقوق الدستورية للهنود الحمر في البرازيل، وبالتالي تزداد المخاطر”.
 “أنا لست خائفة”، تصرّ تكساي سوروي، قبل أن تتدارك: “في النهاية نعم، غالبًا ...».