رئيس الدولة ونائباه يعزون خادم الحرمين بوفاة خالد بن محمد ويعزون أمير قطر بوفاة مريم بنت عبدالله
الحرب الأوكرانية ترسم التحالفات الجديدة
أظهرت الحرب الأوكرانية عمق الضياع لدى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وليست حال الإفلاس التي تعاني منها السياسة الأمريكيّة في الشرق الأوسط والخليج سوى نتيجة تراكمات عمرها سنوات طويلة طوال ما يزيد على أربعين سنة. ووفق صحف عربية صادرة أمس الأحد، إن الحرب الروسية على أوكرانيا تؤدي سريعاً نحو الجلوس الى طاولة رسم السياسات الجديدة التي تحفظ مصالح الدول، بغضّ النظر عن مصافحات التضامن.
أصدقاء الأمس..أعداء اليوم.. فيما قالت الكاتبة راغدة درغام إن عودة آثار الحرب الأوكرانية في كامل النظام العالمي كما في العلاقات الثنائية لروسيا، ليس فقط مع أعداء اليوم في معسكر الغرب، بل أيضاً مع أصدقاء الأمس الذين بدأوا التموضع بعيداً من الكرملين، بعدما أدركوا أن روسيا قابلة للتدمير عبر التطويق الاقتصادي التام في غضون نصف سنة. وأوضحت في صحيفة “النهار” اللبنانية أن روسيا أصبحت صغيرة في أعين البعض نتيجة غزوها أوكرانيا، وصغرت كدولة وكاقتصاد وكنفوذ، وانحسرت هيبتها ومركزيتها في حسابات الأصدقاء والحلفاء، من الصين الى فنزويلا الى إيران، مشيرة إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ظنّ أن بوسعه حشد هؤلاء الحلفاء في تكتّل العداء للولايات المتحدة والغرب عموماً، لكن رهانه سقط على واقع مغامرته في أوكرانيا وعلى واقعيّة خسارته المدوّية في غزوها، وما ترتّب عليه من عقوبات أثرت على الاقتصاد الروسي برمّته. فهرب بعض الأصدقاء، وتململ البعض الآخر، فيما تظاهر بالتعاطف والمؤازرة السياسية.
واستشهدت درغام بموقف الجمهورية الإيرانية التي تعتبر صديق - حليف لروسيا، لا سيّما في سوريا، حيث كلاهما جنى عبر الآخر ما عكف على إنجازه لنفسه هناك. بالأمس القريب كانت روسيا لطهران سنداً وحليفاً غير قابل للاستغناء عنه. اليوم، ولكن هناك مؤشرات الى افتراق بينهما بسبب انعكاس الحرب الأوكرانية على المفاوضات النووية في فيينا. بالأمس القريب كانت موسكو الحامي الأول والأبرز لمصالح إيران في محادثات فيينا، أما اليوم فإن طهران منزعجة من ربط موسكو بين الحرب الأوكرانية ومفاوضات فيينا التي تريدها إيران أن تُستَكمَل بسرعة كي تستفيد من رفع العقوبات عنها. وأشارت الكاتبة إلى أن الموقف الأوروبي ليس متجانساً في شأن فرض الحظر على صادرات النفط والغاز من روسيا، إذ إن ألمانيا وهنغاريا وإيطاليا وهولندا في طليعة الدول التي لا يمكنها الاستغناء عن الصادرات الروسية، ولذلك هي تحتاج الى نحو تسعة أشهر لتخفيض اتكالها على روسيا، وأن الاتحاد الأوروبي يسعى الى تخفيض نسبة الاعتماد الأوروبي على النفط والغاز الروسيين الى ثلث الواردات إليه مع نهاية عام 2022.
وهو، شأنه شأن الولايات المتحدة، يبحث عن مصادر بديلة من هذه الطاقة. كما أكدت الكاتبة راغدة درغام أن الولايات المتحدة والجمهورية الإيرانية تتوصّلان في عهد إدارة بايدن الى تفاهمات غير مسبوقة، تكرّس ما حققته طهران في دول مثل سوريا ولبنان، وربما أيضاً العراق. ذلك أن حاجة إدارة بايدن الى نفط حكومة الملالي في طهران قد يجعل منهما شريكين جديدين، لا سيّما إذا “كوّعت” إيران أو انعطفت نحو الغرب، بعيداً من الكتلة الشرقية، أقله تكتيكياً الى حين استتباب الأمور ما بعد الهزة الأرضية تحت أقدام روسيا التي تؤثّر بالتأكيد في تقويم الصين لخياراتها المستقبلية، وأن الصين عنصر غامض في المعادلة، ومواقفها من روسيا تفيد بأنها لن تغامر بمصالحها الحيوية وتقفز الى شراكة مع روسيا في وجه الغرب، ولن تُعرّض نفسها الى عقوبات تؤثّر في مشاريعها البعيدة المدى على نسق مشروع “الطريق والحزام” الاستراتيجي.
الحرب الخشنة .. وفي صحيفة “الشرق الأوسط” أكد الكاتب عبد الله بن بجاد العتيبي أن الأزمة الأوكرانية مالئة الدنيا وشاغلة العالم، لأنها التعبير الأكثر وضوحاً عن اختلال موازين القوى الدولية المستقرة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومع هذا فكل ما يجري اليوم كان يمكن التنبؤ به وليس مفاجئاً، فكل شيء كان يدفع باتجاهه، وسياسات الدول الغربية كانت العامل الأهم في الوصول لهذه اللحظة. وأوضح العتيبي أنه لا يمكن الدفاع عن روسيا، فالحروب لا تبرر أخلاقياً، بل سياسياً، ولكنها ضرورة والضرورات تبيح المحظورات، وبالمقابل لا يمكن تبرير السياسات والاستراتيجيات الغربية التي أودت بأوكرانيا إلى هذا المصير، هذا موقف منطقي سهلٌ للدول والشعوب البعيدة عن هذه الحرب.
ورأى الكاتب أن الحرب خشنة بين روسيا وأوكرانيا، ولكنها «باردة» بين روسيا وأمريكا والغرب، والحرب الباردة تختلف تماماً عن الحرب الخشنة، ولئن كان كل شيء مباحاً في «الخشنة» فإنه ليس كذلك في «الباردة» وحتى في الحرب الخشنة حرص العالم عبر عقودٍ على وضع قوانين دولية تحدّ من الوحشية وتحكم الصراعات، ووضع هذا كله على المحك في هذه الأزمة يكشف حقائق ويمتحن أفكاراً ومفاهيم ويجبر المراقب على إعادة النظر والتفكير.
وأكد العتيبي أن العلاقات الدولية المتزنة التي يتم بناؤها في سنواتٍ لا يمكن تدميرها في أيامٍ لمصلحة حليفٍ لم يعد كما كان، كما أنه من غير المفيد استجرار مواقف قديمة كانت جديرة بالإشادة في مراحل تاريخية سابقة واستخدامها اليوم على واقعٍ مضطربٍ وتوازنات دولية مختلفة تماماً.
التقارب العربي الإيراني.. ومن جانبه قال الكاتب خير الله خير الله إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أقدم على مغامرة غزو دولة مستقلّة، هي أوكرانيا، جاء في ضوء اكتشافه أن أمريكا لم تعد أمريكا من جهة وأنّ علاقاتها بدول المنطقة ليست من النوع الثابت بمقدار ما أنّها تعبير عن قصر نظر سياسي لا نظير له من جهة أخرى. وأوضح خير الله أن القرار الأمريكي بالانسحاب من المنطقة والاكتفاء بالتفرّج من بعيد على الجمهوريّة الإيرانية تتابع مشروعها التوسّعي، أكان ذلك في لبنان أو العراق أو سوريا أو اليمن، حيث استفاقت أمريكا فجأة على أهمّية الخليج بعد ارتفاع أسعار النفط والغاز. لم تجد حلفاء يستطيعون الاستجابة لما تطلب. يعود ذلك إلى أن ليس في واشنطن الآن من يدرك أن العلاقة بين الحلفاء علاقة أخذ وردّ وليست علاقة فرض إملاءات متى تدعو الحاجة الأمريكية إلى ذلك.
وأشار الكاتب إلى أن هناك ثمّة معادلة في غاية البساطة لم تستوعبها إدارة بايدن وقبلها إدارة باراك أوبا ما. تقوم هذه المعادلة على أن من يمتلك ذرة من العقل في المنطقة العربيّة كلّها لا يمكن إلا أن يدعو إلى تقارب عربي – إيراني… في حال كانت شروطه واضحة. لم يتردد أوباما في حديث أدلى به في مثل هذه الأيّام من العام 2014 إلى إحدى الوسائل الإعلامية الكبرى (بلومبرغ فيو) في التركيز على أهمّية إيران وحقها في لعب دور على الصعيدين الإقليمي والعالمي. من قال له إن العرب عموماً، من سنّة وشيعة ودروز ومسيحيين يعترضون على مثل هذا التقارب وعلى الدور الإيراني؟ هل المشكلة في التقارب أم في السذاجة الأميركية التي تحصر المشكلة مع إيران في الملفّ النووي الذي كان أوباما يعتقد أنه في الإمكان التوصل إلى صفقة في شأنه…
وقد توصّل إلى مثل هذه الصفقة التي خدمت الجمهوريّة الإيرانية ومشروعها. وقال الكاتب في ختام مقاله “نحن في انتظار الجواب عن السؤال الكبير، لا وجود لأدنى شكّ في أن العالم تغيّر. غيرت حرب أوكرانيا العالم. أعادت تأكيد أهمّية منطقة الخليج والشرق الأوسط التي حاولت إدارة جو بايدن تجاهلها من منطلق أن الأولويّة للمواجهة مع الصين. ارتدّت سياسة مواجهة الصين على أميركا نفسها، خصوصا أن الأخيرة تبدو المستفيد الأوّل من المغامرة البوتينية ومن أن الرئيس الروسي سيكون في حاجة إليها أكثر من أيّ وقت مضى في هذه المرحلة… في حين أن لا مصلحة لدى دول الخليج في اتخاذ أي موقف عدائي من بكين».