خالد بن محمد بن زايد يشهد جانباً من منافسات الألعاب الرقمية الهجينة في «دورة ألعاب المستقبل 2025»
جبهة إضافية في صراعها مع الأمريكان
الصين ملتزمة بالمناخ «لكن لا تنسى مصالحها» ...!
تعتزم الصين بحزم تعزيز الدور القيادي الذي تنوي القيام به لصالح البيئة. تستحوذ صناعتها إلى حد كبير على الإنتاج العالمي للألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وتعمل العديد من المعامل البحثية على كل ما يمكن أن يساعد على تقليل كميّة الجسيمات الدقيقة التي تسمّم الغلاف الجوي.
يعاني سكان الصين من نوبات تلوث شديدة تضرب بانتظام المدن الرئيسية في البلاد. وتقلصت الظاهرة منذ أربع أو خمس سنوات في بكين، ويرجع ذلك، على وجه الخصوص، إلى التزام المصانع الملوثة بالانتقال إلى مقاطعات مجاورة، هذا إن لم تصدر أوامر بإغلاق أبوابها بشكل دائم. ومع ذلك، في 5 نوفمبر، أدى الضباب الكثيف إلى الحد بشكل كبير من الرؤية في العاصمة. فقد انضافت ظروف جوية سيئة إلى استئناف استخراج الفحم في المناجم القريبة. ويظل هذا الخام ضروريًا لتجنب انقطاع التيار الكهربائي، ولتوفير التدفئة خلال فصل الشتاء.
وفي ظل مثل هذه الظروف، يصبح بالنسبة للسلطات الصينية، من المهم جدًا عدم الظهور خارج الجهود الدولية المبذولة في العالم لتحسين البيئة. كما تريد بكين أن تُظهر للشعب الصيني، بقدر ما تظهر للرأي العام الدولي، أن الصين نشطة قدر الإمكان في مكافحة التغيّر المناخي.
«انا أربح وأنت تخسر»
لكن هذه المسألة، لم تجعل العلاقات بين الصين والولايات المتحدة أكثر دفئًا. في 15 نوفمبر، وكما سبق الإعلان عن ذلك، تحدث جو بايدن وشي جين بينغ عن طريق الفيديو كونفرنس. منذ أن تولى الرئيس الأمريكي منصبه في يناير 2021، لم يحدث مثل هذا الحوار مطلقًا. وفي يناير وسبتمبر، تحدث الزعيمان عبر الهاتف فقط. لكن هذه المرة، استعرضت القمة جميع أنواع المسائل، دون تسوية الخلافات الكثيرة القائمة بين البلدين.
أشارت الصحافة الصينية، إلى أن شي جين بينغ أصر على “الاحترام المتبادل” الضروري لتنمية العلاقات الصينية الأمريكية. وقال الرجل الأول في الصين: “بمصالحهما المتشابكة، للصين والولايات المتحدة كل شيء لتكسبه من التعاون، ولتخسر كل شيء من المواجهة”، مضيفًا أن “السليم الذي يجب فعله، هو اختيار المنفعة المتبادلة بدلاً من المحصل الصفري، أو مقاربة “أنا أربح، وأنت تخسر».
امتدت المحادثة بين جو بايدن وشي جين بينغ إلى التجارة بين الولايات المتحدة والصين و”كيفية التعامل مع المنافسة بمسؤولية».
من جهته، عبّر جو بايدن عن “مخاوفه” بشأن حقوق الإنسان في الصين. ولكن، فيما يتعلق بجزيرة تايوان القومية، لم يظهر شي جين بينغ أي سبل للحوار، وقال على العكس، “ستضطر الصين إلى اتخاذ إجراءات حازمة إذا استفزتنا القوى الانفصالية من أجل ‘استقلال تايوان’، أو تجاوزت الخط الأحمر».
من ناحية أخرى، خلال مؤتمر الفيديو هذا، أصر شي جين بينغ على أن يكرر لجو بايدن أن قضية تغيّر المناخ “يمكن أن تصبح نقطة قوة جديدة للتعاون الصيني الأمريكي».
تحتل الصين المرتبة الأولى بين الدول التي تنبعث منها غازات الاحتباس الحراري. ومن الواضح أنها تعتقد أنه في هذه القضية، يمكن التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، التي تحتل المرتبة الثانية.
وعلى عكس معظم رؤساء الدول، لم يحضر شي جين بينغ اجتماع كوب 26 الذي احتضنته غلاسكو في الفترة من 31 أكتوبر إلى 12 نوفمبر. وسار على خطاه زعماء دول أخرى شديدة التلوث، مثل الروسي فلاديمير بوتين أو البرازيلي جاير بولسونارو أو التركي رجب طيب أردوغان.
بالنسبة إلى شي جين بينغ، كان من الصعب السفر إلى الخارج بينما مغادرة البلاد محظورة تقريبًا على السكان الصينيين، وأي شخص يرغب في الدخول يخضع لثلاثة أسابيع من الحجر الصحي تحت المراقبة عن كثب. بالإضافة إلى ذلك، هناك سبب آخر دفع شي جين بينغ إلى عدم مغادرة بكين في بداية نوفمبر: كان عليه أن يراقب عن قرب استعدادات اللجنة المركزية الخامسة والأخيرة لولايته الثانية، من 7 إلى 12 نوفمبر في بكين. فقد كان هناك بند على جدول الأعمال: السماح لـ شي جين بينغ بالبقاء في منصب الأمين العام للحزب بعد الفترتين اللتين تنتهيان عام 2022.
قبل أربعين عامًا، كان دنغ شياو بينغ، زعيم ما بعد الماويّة، قد فرض عدم بقاء قادة الحزب الشيوعي الصيني في مناصبهم بعد فترتين بخمس سنوات. ورغم المعارضة المحتملة، ولكن الصامتة، حصل شي جين بينغ، وبالإجماع، على البقاء دون تحديد أي سقف زمني نهائي. وسيتم إضفاء الطابع الرسمي على هذه النقطة من قبل مؤتمر الحزب الشيوعي خريف عام 2022.
مثال سيء للغاية
لم يكن شي جين بينغ حاضرًا في كوب 26، لكن الصين ضاعفت من المبادرات والإعلانات المتعلقة بالبيئة خلال هذه القمة. في 27 أكتوبر، تم نشر كتاب أبيض في بكين حول التقدم الذي أحرزته الصين “للتخفيف من التغيّر المناخي، ومشاركة تجربتها مع بقية المجتمع الدولي”. وتم تسليط الضوء على مقولات لشي جين بينغ في هذا الكتاب مثل “إذا لم تخيب البشرية آمال الطبيعة، فلن تخيبنا الطبيعة».
في 3 نوفمبر، وجّه الرئيس الصيني إلى كوب 26، نصّ مقترحات “لمواجهة تحدي المناخ”. ويتعلق الأمر “بتركيز العمل الدولي على إجراءات ملموسة وتسريع التحول الأخضر”. بالإضافة إلى ذلك، يذكّر شي جين بينغ، أن حكومته أصدرت مؤخرًا خطة عمل لضمان وصول الصين إلى ذروتها في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030.
كان شي جين بينغ يرغب في التحدث بالفيديو أمام المشاركين في كوب 26. في أكتوبر، أبلغت رئاسة جمهورية الصين المنظمين البريطانيين للمؤتمر بهذه الرغبة لكنهم رفضوا. فمن وجهة نظر البريطانيين، إنّ تدخل رئيس دولة عن بعد، كان يمكن أن يكون مثالا سيئا للغاية لقادة العالم الآخرين، الذين تنقلوا إلى اسكتلندا. لذلك مثلت الصين في غلاسكو بوزير خارجيتها وانغ يي، ونائب وزير البيئة تشاو ينمينغ، وخاصة من قبل شي زينهوا، الخبير الصيني في قضايا المناخ الذي يُعترف بكفاءته على نطاق واسع دوليًا.
عندما حضر جو بايدن إلى كوب 26 في 1 نوفمبر، قال عن غياب شي جين بينغ: “أعتقد أنه خطأ كبير بالنسبة للصين ألا تأتي”. وحسب الرئيس الامريكي، فإن تغيّر المناخ “موضوع ضخم وقد أداروا ظهورهم، فكيف نقوم بذلك ثم نطالب بأي نوع من الزعامة؟”، ليوجّه بعد ذلك انتقادات مماثلة إلى فلاديمير بوتين.
في بكين، لم تكن كلمات جو بايدن موضع تقدير على الإطلاق. في 11 نوفمبر، أكد مقال افتتاحي في صحيفة الشعب اليومية أن “الولايات المتحدة ضخّمت الغياب المزعوم للزعيمين الصيني والروسي”. ثم هاجم مقال صحيفة الحزب الشيوعي الصيني بشدة، سلوك الرئيس الأمريكي، واكدت على وجه الخصوص: “قبل المؤتمر الخاص بالتغيّر المناخي، أخذ جو بايدن معه إلى أوروبا أسطولًا طويلًا جدًا من خمسة وثمانين سيارة فاخرة عالية الاستهلاك من حيث الوقود... لا يسع الناس إلا الخوف من التزام الولايات المتحدة بخفض الانبعاثات».
قلق صيني
ورغم هذا الانزعاج الواضح من بكين، انتهت المناقشات في نفس الوقت في غلاسكو بين شي زينهوا وجون كيري، المسؤول في إدارة بايدن عن مكافحة التغيّر المناخي.
عندما كان وزيراً للخارجية في عهد الرئيس باراك أوباما، التقى جون كيري في مناسبات عديدة بشي زينهوا بشأن القضايا البيئية، وتحدث الرجلان كثيرًا خلال بداية كوب 26. وكانت النتيجة حدثًا لم يتم الإعلان عنه مسبقًا: في 10 نوفمبر، أصدرت الصين والولايات المتحدة بيانًا مشتركًا تحذران فيه من أن العالم فشل في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل كافٍ، وبالتالي منع الاحتباس الحراري من تجاوز العتبة الرمزية 2 درجة مئوية المبرمة خلال اتفاقية باريس عام 2015.
وأصرّ الإعلان على “الأهمية الحيوية لتدارك هذا التأخير في أسرع وقت ممكن، من خلال مضاعفة الجهود”. وأعلن الطرفان “عن نيتهما العمل بشكل فردي أو مشترك، ولكن أيضًا مع دول أخرى، طوال هذا العقد الحاسم». من وجهة نظر صينية، يعدّ التغيّر المناخي موضوعًا أساسيًا يمكن للبلدين التحدث فيه، بل والاتفاق في وجهات نظرهما. لذلك وافق الأمريكيون على الدخول في هذا المقترح. وحرص شي زينهوا أن يقول للصحافة، بتفاؤل مؤكد، أنه بشأن هذا الموضوع: “الاتفاق أكثر من الخلافات بين الولايات المتحدة والصين، مما يخلق إمكانات هائلة للتعاون.»
تم الاتفاق على التخلص التدريجي من الفحم لإنتاج الكهرباء. وحصلت الصين، وكذلك الهند، على أن ينص النص على “تقليل” استخدام الوقود الأحفوري، وليس “الخروج”. كما لم توقع بكين على اتفاق لوقف استخدام الميثان.
وقال أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إن “كارثة المناخ ما زالت تطرق الابواب”، و”هناك نقص في الإرادة السياسية للتغلب على التناقضات بين الدول”. وفي ختام أعمال كوب 26، قال رئيسها البريطاني، ألوك شارما، والدموع في عينيه، إنه يشعر “بأسف عميق” من نتائجه.
لقد سلط هذا الاجتماع الدولي في غلاسكو الضوء على حرص الصين بأن تكون نشطة في موضوع مكافحة التغيّر المناخي، أو في كل الأحوال، مراقبة التطورات الدولية التي تحدث في المجال.
على الجانب الأمريكي، أوضح وزير الخارجية أنتوني بلينكين، قبل أن يتحدث جو بايدن وشي جين بينغ عبر الفيديو في 16 نوفمبر: “علاقتنا مع الصين هي واحدة من أكثر العلاقات أهميةً وأكثرها تعقيدًا. هناك أبعاد مختلفة، تعاون، تنافس، مواجهة، وسنعمل على جميع الجبهات الثلاث في وقت واحد».
الأكيد، سيكون لمناخ التوتر هذا نتيجة رمزية خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي ستنظمها الصين في نوفمبر. سيشارك الرياضيون الأمريكيون في المنافسات، لكن الرئيس بايدن لن يحضر حفل تنصيبها.