محمد بن راشد: منطقتنا غنية بالعقول القادرة على صنع إضافات حقيقية للمعرفة البشرية
بلد يخشى التراجع والانحدار:
الولايات المتحدة الأمريكية والأحلام السيئة...!
عليك أن تتبع منحدرك صعودًا، قال جيد. لا يعرف دونالد ترامب هذا الفرنسي، فقد غزا البيت الأبيض نزولا. دخول الى المسرح لا يُنسى قبل خمس سنوات في برجه الذهبي في نيويورك حيث جاء به مصعد رخامي، وكأنه نصب ساندو، إلى الردهة باتجاه اللوبي المزين... انه يترشح. لقد بدأت التجاوزات والشتائم هناك، في ذاك المكان الرديء والبرّاق. هاجم على الفور “المغتصبين” الذين كانت المكسيك تلقي بهم في الجنوب، ووعدهم بجدار. عند هذا الرجل الذي تعتبر المرأة بالنسبة له مسابقات ملكات جمال أو دمى منزلية، فإن هذا الهوس بالاغتصاب عند الآخرين أمر مزعج. عندما تم الاعتداء على عداءة في سنترال بارك عام 1989، دعا إلى قتل خمسة مراهقين سود معتقلين، ولم ينبس بكلمة عندما تمت تبرئتهم وإخلاء سبيلهم وقد كبروا بعد ثلاثة عشر عامًا.
أمريكا التي أسقطها دونالد ترامب في أربع سنوات، حتى المزحة الكوفيدية نهاية الأسبوع الماضي، هي أمريكا التي تحب أوروبا أن تكرهها، قفاها مكتنز، قبعة، وعنصرية بالتأكيد. هذا كاريكاتير بالطبع، لكنه رسم كاريكاتوري لأقلية تقيم في البيت الأبيض.
وبالنسبة للذي جاب عمق البلاد، انه درن منتشر يمحو الفروق الدقيقة والتعقيدات لأمة في خطر. ففي الأراضي التي انتخبت الجمهوريين، هناك أمريكا محافظة لا تشبه هذا الانتفاخ.
انقسام متناغم
توقفت يومًا ما في جاكسون، ميسيسيبي، عند فندق للمبيت والفطور لرجل عجوز كان يجد صعوبة في المشي. كان يعلم أن مضيفه صحفيًا، واعتقد خطأً أنني أعرفه. أراد أن يتحدث عن حربه في الاستخبارات والاعراق. قال إن السود والبيض يجب أن يتعايشا دون فصل جغرافي. ولكن كان من الأفضل أن يكون لكل مجتمع تنظيمه الخاص. وكان يستشهد بجميع أنواع الأمثلة العملية دفاعًا عن تقسيمه المتناغم بشكل غريب.
هذا الرجل العجوز الطيب، يسمى بيل سيمونز. كان رئيس مجلس المواطنين، رأس حربة الفصل العنصري في الجنوب. لقد قاد المعركة لمنع دخول أول رجل أسود، جيمس ميريديث، إلى جامعة ميسيسيبي، وهي من اللحظات الفارقة في النضال من أجل الحقوق المدنية.
بعد فترة وجيزة من زيارتي لجاكسون، ظهر كتاب يتناول هذه الحلقة من التوتر الشديد. واستضاف المؤلف معرضًا في مكتبة صغيرة في أكسفورد، مسقط رأس ويليام فولكنر وأولي ميس، وكان بيل سيمونز وجيمس ميريديث هناك، جنبًا إلى جنب، بدون ندم وبدون كراهية، مواطنان أخيرًا.
في وقت لاحق، سافرت، ليس عن طريق الصدفة هذه المرة، إلى مقاطعة إلدورادو في كاليفورنيا، غرب بحيرة تاهو. واجهت صعوبة في العثور على مزرعة رون بريغز في التلال المشجرة جنوب بلاسيرفيل. وبريغز هو جمهوري، ونجل سيناتور، ومرشح سابق لمنصب الحاكم، ومتطرف في الحزب.
إن إنجاز جون الأب، يتمثل في توسيع دائرة عقوبة الإعدام. وبمبادرة شعبية (اقتراح، كما يقولون هناك)، أرفق عقوبة الإعدام بعدد كبير من التهم الجديدة. عام 1978، كان رون يبلغ من العمر 20 عامًا، وقد قاتل بضراوة إلى جانب والده للتأكد من فوزه.
ملأ انتصارهما ممرّ انتظار الإعدام في كاليفورنيا بمئات المدانين، الذين أوقفت الولاية تنفيذه، في نوع من الوقف غير المعلن. وفي مواجهة هذا الموقف العبثي، وبالعودة إلى إيمانه الكاثوليكي، قام رون بريغز بثورة. فعندما تم تقديم اقتراح إلغاء عقوبة الإعدام للناخبين في كاليفورنيا، أصبح المتحدث الرئيسي باسمه. والرجل الذي أراد الموت يريد الآن التغلب عليه. عام 2012، تم رفض المقترح بفارق ضئيل، وكتب لي بريغز أنه يواصل المعركة.
كراهية الاتحاد
كانت الدولة الفيدرالية، التي لها محاكمها الخاصة، قد التزمت أيضًا بوقف مؤقت طيلة عشرين عامًا تقريبًا. وقد أنهى دونالد ترامب ذلك مؤخرا. هل ما زالت سنترال بارك تؤرقه الى الان؟ عادت المقصلة الفيدرالية إلى الخدمة في أعماق الصيف، وتم بالفعل تنفيذ 25 عملية إعدام منذ منتصف يوليو.
قبل “الهدنة”، عام 2001، كان أحد آخر القتلى تيموثي ماكفي، مرتكب الهجوم على مبنى فيدرالي في أوكلاهوما سيتي (168 ضحية)، وأتذكر المشهد المذهل لهذا الحشد الذي حاصر، تحت المطر، السجن الفيدرالي في تير هوت بولاية إنديانا، لطلب العفو عن الإرهابي اليميني المتطرف، انطلاقا من مبدأ إلغاء عقوبة الإعدام الصرف.
لقد تصرف ماكفي بدافع الكراهية البغيضة للاتحاد والسلطة المركزية. وغالبًا ما تكون هذه نفس دوافع الميليشيات المسلحة التي شهدناها تتكشف هذا الصيف حول المظاهرات المناهضة للعنصرية التي اجتاحت البلاد. يدعي البعض، الذين يطلقون على أنفسهم “بوغالو”، أنهم يحفزون حربًا أهلية جديدة يشعرون أنها قادمة. ويريد آخرون دعم الشرطة ضد المتظاهرين. ولا يزال آخرون يطلقون على أنفسهم جنود ترامب، مثل “الأولاد الفخورون”، الذين يشجعهم الرئيس علنًا. يمكن القول إن هذا، في ظل الحماية الشاذة للدستور وتعديله الثاني، هو التطور الأكثر رعبًا، وقد أودى بالفعل بحياة أشخاص.
إن هذا الجنون المسلح ليس هامشياً، إنه يصاحب الراديكالية السياسية العامة، والتي تخترق أولاً الحزب الحاكم. دونالد ترامب نفسه، بخلاف تعلّقه بعقوبة الإعدام وإمكانية الإثراء الجامح، والأخذ والاخضاع، ليس لديه قناعات واضحة.
كان ديمقراطيا قبل أن يصبح جمهوريا، وكان مع الإجهاض قبل أن يعارضه، إنه يحتضن الإنجيليين بينما نراه مذنبا وجاحدا، الا انه أدرك أن التيار القومي المتطرف والمعادي للأجانب، الذي كان يعمل في حزب لينكولن منذ خمسين عامًا (من باري جولدووتر إلى نيوت جرينجريتش وحزب الشاي) ، يمكن أن يحمله بعيدًا: ما انفك يستمر في الازدهار في القلب الصناعي للبلاد، وبين الموظفين الذين يعيشون العولمة كتراجع وطني وتدحرج اجتماعي شخصي. لقد فهم ترامب، خصوصا، وقبل الآخرين القوة المدمرة التي تضعها الإنترنت وشبكاتها في يد رجل يجلس على مكتبه، إذا اراد إثارة هذه الجماهير المذعورة.
المراقبة والكذب
في ولاية يوتا، جنوب مدينة سولت ليك، يمكنك رؤية مبانٍ بيضاء كبيرة ومسطحة، نصف مخفية بجوار التلال وأنت تقود سيارتك على طول الطريق 68. المجموعة الهائلة تحمل الاسم الجميل لـ “مركز بيانات يوتا”. هذا هو المكان الذي تركز فيه وكالة الأمن القومي -آذان أمريكا الكبيرة -ثمار تنصتها العالمي.
قبل ثماني سنوات ذهبت لرؤية الوحش وهو يعمل، لأنه كان حديث العالم. بدأ الأمريكيون يدركون، على الرغم من نفي وكالة الأمن القومي، أنهم أيضًا تحت المراقبة. ثم أدركوا، بفضل إدوارد سنودن وآخرين، أن المراقبة لم تكن منتشرة على نطاق واسع فحسب، بل إن مزودي الشبكات اللطفاء والسخيين كانوا متورطين فيها بطريقة ما.
إنهم يعرفون الآن، مثلنا جميعًا، أن شاشاتهم وهواتفهم هي أدوات مفيدة للمؤسسات الهائلة للتضليل والتلاعب. وحتى نتحدث عنه فقط، وعلى مستوى اولي، عندما يلقي دونالد ترامب بثلاثة أسطر على سلسلة تغريداته على تويتر قائلاً إن جو بايدن مخدر، فإن تداول كذبته يتضاعف بشكل كبير، ومن خلال العديد من المُرحّلات، الى درجة أن ملايين الأفراد المعزولون يعتقدون أن الامر يتعلق بمعلومة.
قبل عشرين عامًا، هز عالم الاجتماع روبرت بوتنام النخبة الأمريكية، وتجاوزها، بكتاب يحمل عنوانًا غريبًا: “البولينغ وحيدا”. منطلقا من تراجع الاقبال على أزقة لعبة البولينغ التي كانت شائعة في السابق، قام بمسح بلد كانت المجتمعات المحلية فيه تتفكك، وكان التماسك الاجتماعي ينهار. لقد وسّع بوتنام لتوه فكرته -التصويت وحيدا -في العملية الديمقراطية: تم محو الحياة المدنية الجماعية، واحيل الناخب إلى وحدة الشاشات، تحت قصف معلومات وتضليل يغذي حذره وعدم ثقته.
«الحرب الأهلية
بوسائل أخرى»
كتابان آخران (من تأليف كولين وودارد وريتشارد كريتنر) ظهرا في الآونة الاخيرة يذهبان أبعد من ذلك في التشخيص المفزع. منذ البداية، قبل أكثر من قرنين من الزمان، يقول المؤلفان، لم يوحد مستعمرات الأطلسي الا مقاومتها لهيمنة التاج البريطاني. كانت الأصول والقصص مختلفة للغاية، والانقسامات والتعارض عميقا. وأدت إلى حرب أهلية لم تزل الشروخ. وتميل هذه التصدّعات الآن إلى التفاقم حتى التفكك. ويضيفان، أن الخطاب السياسي الأمريكي يشبه بشكل متزايد “الحرب الأهلية بوسائل أخرى».
ريتشارد كريتنر، وهذه أطروحة كتابه، يذهب إلى حد الاستخلاص من هذه الانقسامات وعدم الاستقرار والنزعات الانفصالية التي تظهر هنا وهناك (تكساس، كاليفورنيا ...)، استنتاجا جذريا: سيكون من الأفضل تقسيم المنطقة الواقعة بين المحيطين إلى بلدان أصغر وأكثر تجانسًا وأكثر استقرارًا، بدلاً من توسيع أسطورة الوحدة الوهمية.
عشية انتخابات دراماتيكية، يرسم عمل هؤلاء المؤرخين مستقبلًا مقلقًا للولايات المتحدة. والفائز في 3 نوفمبر، إذا كان هناك واحد بحلول ذلك التاريخ، سيكون لديه بلا شك اتحاد محطم ليحكمه... لكن ماذا بعد؟
أمريكا التي أسقطها دونالد ترامب في أربع سنوات، حتى المزحة الكوفيدية نهاية الأسبوع الماضي، هي أمريكا التي تحب أوروبا أن تكرهها، قفاها مكتنز، قبعة، وعنصرية بالتأكيد. هذا كاريكاتير بالطبع، لكنه رسم كاريكاتوري لأقلية تقيم في البيت الأبيض.
وبالنسبة للذي جاب عمق البلاد، انه درن منتشر يمحو الفروق الدقيقة والتعقيدات لأمة في خطر. ففي الأراضي التي انتخبت الجمهوريين، هناك أمريكا محافظة لا تشبه هذا الانتفاخ.
انقسام متناغم
توقفت يومًا ما في جاكسون، ميسيسيبي، عند فندق للمبيت والفطور لرجل عجوز كان يجد صعوبة في المشي. كان يعلم أن مضيفه صحفيًا، واعتقد خطأً أنني أعرفه. أراد أن يتحدث عن حربه في الاستخبارات والاعراق. قال إن السود والبيض يجب أن يتعايشا دون فصل جغرافي. ولكن كان من الأفضل أن يكون لكل مجتمع تنظيمه الخاص. وكان يستشهد بجميع أنواع الأمثلة العملية دفاعًا عن تقسيمه المتناغم بشكل غريب.
هذا الرجل العجوز الطيب، يسمى بيل سيمونز. كان رئيس مجلس المواطنين، رأس حربة الفصل العنصري في الجنوب. لقد قاد المعركة لمنع دخول أول رجل أسود، جيمس ميريديث، إلى جامعة ميسيسيبي، وهي من اللحظات الفارقة في النضال من أجل الحقوق المدنية.
بعد فترة وجيزة من زيارتي لجاكسون، ظهر كتاب يتناول هذه الحلقة من التوتر الشديد. واستضاف المؤلف معرضًا في مكتبة صغيرة في أكسفورد، مسقط رأس ويليام فولكنر وأولي ميس، وكان بيل سيمونز وجيمس ميريديث هناك، جنبًا إلى جنب، بدون ندم وبدون كراهية، مواطنان أخيرًا.
في وقت لاحق، سافرت، ليس عن طريق الصدفة هذه المرة، إلى مقاطعة إلدورادو في كاليفورنيا، غرب بحيرة تاهو. واجهت صعوبة في العثور على مزرعة رون بريغز في التلال المشجرة جنوب بلاسيرفيل. وبريغز هو جمهوري، ونجل سيناتور، ومرشح سابق لمنصب الحاكم، ومتطرف في الحزب.
إن إنجاز جون الأب، يتمثل في توسيع دائرة عقوبة الإعدام. وبمبادرة شعبية (اقتراح، كما يقولون هناك)، أرفق عقوبة الإعدام بعدد كبير من التهم الجديدة. عام 1978، كان رون يبلغ من العمر 20 عامًا، وقد قاتل بضراوة إلى جانب والده للتأكد من فوزه.
ملأ انتصارهما ممرّ انتظار الإعدام في كاليفورنيا بمئات المدانين، الذين أوقفت الولاية تنفيذه، في نوع من الوقف غير المعلن. وفي مواجهة هذا الموقف العبثي، وبالعودة إلى إيمانه الكاثوليكي، قام رون بريغز بثورة. فعندما تم تقديم اقتراح إلغاء عقوبة الإعدام للناخبين في كاليفورنيا، أصبح المتحدث الرئيسي باسمه. والرجل الذي أراد الموت يريد الآن التغلب عليه. عام 2012، تم رفض المقترح بفارق ضئيل، وكتب لي بريغز أنه يواصل المعركة.
كراهية الاتحاد
كانت الدولة الفيدرالية، التي لها محاكمها الخاصة، قد التزمت أيضًا بوقف مؤقت طيلة عشرين عامًا تقريبًا. وقد أنهى دونالد ترامب ذلك مؤخرا. هل ما زالت سنترال بارك تؤرقه الى الان؟ عادت المقصلة الفيدرالية إلى الخدمة في أعماق الصيف، وتم بالفعل تنفيذ 25 عملية إعدام منذ منتصف يوليو.
قبل “الهدنة”، عام 2001، كان أحد آخر القتلى تيموثي ماكفي، مرتكب الهجوم على مبنى فيدرالي في أوكلاهوما سيتي (168 ضحية)، وأتذكر المشهد المذهل لهذا الحشد الذي حاصر، تحت المطر، السجن الفيدرالي في تير هوت بولاية إنديانا، لطلب العفو عن الإرهابي اليميني المتطرف، انطلاقا من مبدأ إلغاء عقوبة الإعدام الصرف.
لقد تصرف ماكفي بدافع الكراهية البغيضة للاتحاد والسلطة المركزية. وغالبًا ما تكون هذه نفس دوافع الميليشيات المسلحة التي شهدناها تتكشف هذا الصيف حول المظاهرات المناهضة للعنصرية التي اجتاحت البلاد. يدعي البعض، الذين يطلقون على أنفسهم “بوغالو”، أنهم يحفزون حربًا أهلية جديدة يشعرون أنها قادمة. ويريد آخرون دعم الشرطة ضد المتظاهرين. ولا يزال آخرون يطلقون على أنفسهم جنود ترامب، مثل “الأولاد الفخورون”، الذين يشجعهم الرئيس علنًا. يمكن القول إن هذا، في ظل الحماية الشاذة للدستور وتعديله الثاني، هو التطور الأكثر رعبًا، وقد أودى بالفعل بحياة أشخاص.
إن هذا الجنون المسلح ليس هامشياً، إنه يصاحب الراديكالية السياسية العامة، والتي تخترق أولاً الحزب الحاكم. دونالد ترامب نفسه، بخلاف تعلّقه بعقوبة الإعدام وإمكانية الإثراء الجامح، والأخذ والاخضاع، ليس لديه قناعات واضحة.
كان ديمقراطيا قبل أن يصبح جمهوريا، وكان مع الإجهاض قبل أن يعارضه، إنه يحتضن الإنجيليين بينما نراه مذنبا وجاحدا، الا انه أدرك أن التيار القومي المتطرف والمعادي للأجانب، الذي كان يعمل في حزب لينكولن منذ خمسين عامًا (من باري جولدووتر إلى نيوت جرينجريتش وحزب الشاي) ، يمكن أن يحمله بعيدًا: ما انفك يستمر في الازدهار في القلب الصناعي للبلاد، وبين الموظفين الذين يعيشون العولمة كتراجع وطني وتدحرج اجتماعي شخصي. لقد فهم ترامب، خصوصا، وقبل الآخرين القوة المدمرة التي تضعها الإنترنت وشبكاتها في يد رجل يجلس على مكتبه، إذا اراد إثارة هذه الجماهير المذعورة.
المراقبة والكذب
في ولاية يوتا، جنوب مدينة سولت ليك، يمكنك رؤية مبانٍ بيضاء كبيرة ومسطحة، نصف مخفية بجوار التلال وأنت تقود سيارتك على طول الطريق 68. المجموعة الهائلة تحمل الاسم الجميل لـ “مركز بيانات يوتا”. هذا هو المكان الذي تركز فيه وكالة الأمن القومي -آذان أمريكا الكبيرة -ثمار تنصتها العالمي.
قبل ثماني سنوات ذهبت لرؤية الوحش وهو يعمل، لأنه كان حديث العالم. بدأ الأمريكيون يدركون، على الرغم من نفي وكالة الأمن القومي، أنهم أيضًا تحت المراقبة. ثم أدركوا، بفضل إدوارد سنودن وآخرين، أن المراقبة لم تكن منتشرة على نطاق واسع فحسب، بل إن مزودي الشبكات اللطفاء والسخيين كانوا متورطين فيها بطريقة ما.
إنهم يعرفون الآن، مثلنا جميعًا، أن شاشاتهم وهواتفهم هي أدوات مفيدة للمؤسسات الهائلة للتضليل والتلاعب. وحتى نتحدث عنه فقط، وعلى مستوى اولي، عندما يلقي دونالد ترامب بثلاثة أسطر على سلسلة تغريداته على تويتر قائلاً إن جو بايدن مخدر، فإن تداول كذبته يتضاعف بشكل كبير، ومن خلال العديد من المُرحّلات، الى درجة أن ملايين الأفراد المعزولون يعتقدون أن الامر يتعلق بمعلومة.
قبل عشرين عامًا، هز عالم الاجتماع روبرت بوتنام النخبة الأمريكية، وتجاوزها، بكتاب يحمل عنوانًا غريبًا: “البولينغ وحيدا”. منطلقا من تراجع الاقبال على أزقة لعبة البولينغ التي كانت شائعة في السابق، قام بمسح بلد كانت المجتمعات المحلية فيه تتفكك، وكان التماسك الاجتماعي ينهار. لقد وسّع بوتنام لتوه فكرته -التصويت وحيدا -في العملية الديمقراطية: تم محو الحياة المدنية الجماعية، واحيل الناخب إلى وحدة الشاشات، تحت قصف معلومات وتضليل يغذي حذره وعدم ثقته.
«الحرب الأهلية
بوسائل أخرى»
كتابان آخران (من تأليف كولين وودارد وريتشارد كريتنر) ظهرا في الآونة الاخيرة يذهبان أبعد من ذلك في التشخيص المفزع. منذ البداية، قبل أكثر من قرنين من الزمان، يقول المؤلفان، لم يوحد مستعمرات الأطلسي الا مقاومتها لهيمنة التاج البريطاني. كانت الأصول والقصص مختلفة للغاية، والانقسامات والتعارض عميقا. وأدت إلى حرب أهلية لم تزل الشروخ. وتميل هذه التصدّعات الآن إلى التفاقم حتى التفكك. ويضيفان، أن الخطاب السياسي الأمريكي يشبه بشكل متزايد “الحرب الأهلية بوسائل أخرى».
ريتشارد كريتنر، وهذه أطروحة كتابه، يذهب إلى حد الاستخلاص من هذه الانقسامات وعدم الاستقرار والنزعات الانفصالية التي تظهر هنا وهناك (تكساس، كاليفورنيا ...)، استنتاجا جذريا: سيكون من الأفضل تقسيم المنطقة الواقعة بين المحيطين إلى بلدان أصغر وأكثر تجانسًا وأكثر استقرارًا، بدلاً من توسيع أسطورة الوحدة الوهمية.
عشية انتخابات دراماتيكية، يرسم عمل هؤلاء المؤرخين مستقبلًا مقلقًا للولايات المتحدة. والفائز في 3 نوفمبر، إذا كان هناك واحد بحلول ذلك التاريخ، سيكون لديه بلا شك اتحاد محطم ليحكمه... لكن ماذا بعد؟