بعد الانتخابات.. العراق يواجه «فوضى الخاسرين»

بعد الانتخابات.. العراق يواجه «فوضى الخاسرين»

وضع العراقيون آمالاً كبيرة على نتائج الانتخابات المبكرة التي حددها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في بداية أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، لكنها جاءت بنتائج عقدت المشهد السياسي تماماً، حيث ساهم غياب الجنرال الإيراني الراحل قاسم سليماني في إضعاف السيطرة الإيرانية على الميليشيات بسبب عجز إسماعيل قاآني عن لعب دور سليماني.
ووفق صحف عربية صادرة أمس السبت، إن الإنجازات الكبرى التي حققها الكاظمي منذ أن تولى مهمة رئيس الوزراء في مايو(أيار) 2020، لم تكن على هوى البعض الذي فوجئ بأن شيئاً حقيقياً يحدث في العراق، وينقذه من عثراته التي مر بها خلال ما يقرب من 20 عاماً مضت، وربما الانفتاح والحراك السياسي الذي أحرزه الكاظمي أزعج أصحاب الأجندات والحسابات الرافضة للاستقرار.

معاقبة الميليشيات
وقال الكاتب كرم نعمة في مقاله بصحيفة “العرب” اللندنية إنه يبدو من العبث السياسي تصديق مزاعم قائد فيلق القدس بأن إيران لا علاقة لها بما حصل من هجوم على منزل رئيس الحكومة العراقية، وإن الضربة بالطائرة المسيرة لمنزل الكاظمي تسلط الضوء على التهديد الذي تشكله الميليشيات الشيعية عندما شعرت أنه سيتم استبعادها من الحصص الموزعة في الحكومة الجديدة.
وأوضح أن الهزيمة الشنيعة في الانتخابات البرلمانية لقائمة الفتح التي تجمع تحت لوائها الميليشيات الطائفية تجعل من إحداث الفوضى الوسيلة الوحيدة التي صار يملكها لصوص الدولة إذا لم يُسمح لهم بأن يكونوا جزءاً من تشكيل الحكومة.
وأكد أن زعماء الميليشيات الشيعية الموالية لإيران لا يريدون الاعتراف بنتائج الانتخابات لأنها تضعهم في حجم سياسي حرج، لا يوفر الغطاء الكافي لأنشطتهم المشبوهة.
ويقول مراقبون إن جمهور الحشد الشعبي عاقب الميليشيات الشيعية الموالية لإيران خلال الانتخابات بسبب خطابها الخاوي وتعويلها على التصعيد وخطاب المواجهة الأجوف في التحشيد الانتخابي، وهو أمر لم يعد ينطلي على أحد. ويدرك جمهور الحشد الشعبي قبل غيره أن قادة الميليشيات الشيعية الموالية لإيران يهتمون لتعزيز مكاسبهم الاقتصادية والسياسية فقط.
وقال الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف في تصريح لـ”العرب” إن ما قاله قاآني للكاظمي لا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد. وليس مطلوباً من الكاظمي أن يصدقه. ولكن هل كان متوقعاً من ضابط في الحرس الثوري الإيراني سوى أن يقول ذلك؟ لو لم يفشل الاغتيال لكانت إيران قد تصرفت عكس ذلك. لا من خلال الأقوال، بل من خلال الأفعال. ولكن فشل المحاولة كان صادماً، بل يمكن اعتباره هزيمة لمشروعها في العراق القائم على العنف.
ويجمع المراقبون على أنه من غير المرجح أن يتخلى القادة الإيرانيون عن العمق الاستراتيجي وخطوط الدفاع الأمامية التي منحها لهم الغزو الأمريكي للعراق، لكنهم في المقابل لا يريدون حربا أهلية شيعية شيعة تطلق شرارتها منذ أسابيع الميليشيات الولائية.

فوز الكاظمي
فيما تناولت صحيفة “الشرق الأوسط” تداعيات الهجوم على رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وقالت إن نجاته من الحادث صبت في صالحه تماماً. فقبل ساعات من محاولة اغتياله بثلاث طائرات مسيّرة مفخخة كانت حظوظه قد تراجعت كثيراً على صعيد إمكانية الظفر بولاية ثانية.
وأكدت الصحيفة أن التداعيات التي ترتبت على المواجهات بين المتظاهرين قرب بوابة «المنطقة الخضراء» من جهة بوابة وزارة التخطيط القريبة من جسر الجمهورية والقوات الأمنية وسقوط عدد من القتلى والجرحى، ما كانت في مصلحة الكاظمي كرئيس وزراء وقائد عام للقوات المسلحة، بل ترافق ذلك مع تهديدات واضحة من بعض قادة الفتح بمحاكمة الكاظمي، فضلاً عن قولهم إن النجوم أصبحت أقرب للكاظمي من الولاية الثانية.
وأشارت الصحيفة أنه وفقاً لكل هذه المعطيات، فإن الكاظمي يبدو الآن هو الفائز الأول في الانتخابات، رغم أنه لم يرشح نفسها فيها، وليست لديه كتلة برلمانية...
لكن مع هذا فاسمه بات الآن الأكثر تداولاً في الأوساط السياسية على صعيد إمكانية التجديد له لولاية جديدة.
وأكدت الصحيفة أنه مع كل التصعيد الذي جرى، والذي بلغ مرحلة متقدمة من المواجهة الشيعية - الشيعية على بوابات المنطقة الخضراء فإن جميع القوى السياسية “تشتغل سياسة”، بعضها فوق الطاولة مثلما يعمل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي فاجأ الجميع بزيارته المفاجئة للعاصمة بغداد، وبعضها الآخر تحت الطاولة، وبين ما هو فوق الطاولة وما تحتها، فإنه في الوقت الذي عدّ الجميع أن التصعيد يوم الجمعة الماضي كان مقصوداً به تحركات الصدر في بغداد.

التحركات الصدرية
أما صحيفة “النهار العربي” تناولت تحركات الزعيم مقتدى الصدر والذي يخطط لتشكيل حكومة أغلبية في العراق، فإنه كمَن يهدد أتباع إيران بعزلهم في دائرة المعارضة، بكل ما يعنيه ذلك العزل من حرمان من الهيمنة على مصير الدولة العراقية، ومن المشاركة في الاستيلاء المفتوح على مواردها المالية.
وقالت الصحيفة إنها على المستوى الواقعي، فإنه لن يتمكن من تشكيل حكومة أغلبية إلا إذا تحالف مع الأكراد والسنّة. الطرفان من جهتهما لا يسعيان إلى إغضاب القوى الشيعية التي يرغب الصدر في إلقائها خارج حلبة الحكم المباشر. وخاصة “تحالف الفتح” الذي يتزعمه هادي العامري. لا لشيء إلا لأن ذلك التحالف هو الواجهة السياسية للحشد الشعبي.
وأكت أنه لا أحد يفكر في مواجهة إيران أو ارتكاب خطأ محرج يدخل في إطار التعرض لمصالحها في العراق.
 وإذا ما عرفنا أن القوائم السنية الفائزة يقودها رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي تربطه علاقات وطيدة بإيران من خلال نوري المالكي، كما أن الحزبين الكرديين “الديموقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني” يفضلان أن تكون علاقتهما بإيران طيبة دفعاً لأي تفكير مرتاب، فإن الصدر لن يتمكن من جذب الطرفين إلى تشكيل تحالف برلماني يكون في إمكانه أن يشكل حكومة أغلبية “وطنية” كما يصفها.
وقالت الصحيفة إن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الصدر من انتصاره الانتخابي أن يزيد من حصته من الوزارات، وقد يستولي على واحدة من الوزارات السيادية. ذلك ثمن باهظ، لكن الأحزاب الشيعية التي يضمها ما صار يُسمى بالإطار التنسيقي ستضطر إلى أن تدفعه مقابل أن يضمن الصدر لها أربع سنوات أخرى خالية من صداعه.