بلومبرغ: أزمة فتاكة تهدد بالإطاحة بالقيادة الإيرانية

بلومبرغ: أزمة فتاكة تهدد بالإطاحة بالقيادة الإيرانية


اعتبرت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية أن أزمة شحّ المياه المتفاقمة منذ فترة طويلة في إيران تُشكّل تحدياً للنظام، ويمكن أن يطغى على معركة طهران مع واشنطن حول كيفية إحياء الاتفاق النووي لعام 2015. البلاد بحاجة إلى إصلاح ليس فقط في ما يتعلّق بسياسات إدارة المياه، وإنما الاقتصاد ككل وبدائله الفعالةوأشارت الوكالة إلى أن الإحباط الشعبي من أزمة المياه تمثّل في الاشتباكات الدامية بين أهالي خوزستان وقوات الأمن الصيف الماضي والتي انتقلت مؤخراً إلى مدينة أصفهان بسبب جفاف نهر زايانده رود.

في مقاطعة خوزستان التي تقع على بعد 180 ميلاً من العاصمة طهران، أدت عقود من الاستغلال المجحف للمياه إلى تجفيف الأراضي الرطبة وتدمير التربة التي كانت خصبة في السابق.

واحتشد آلاف الإيرانيين، حول مجرى النهر الجاف، احتجاجاً على إدارة الدولة للموارد المائية خلال أسوأ موجة جفاف منذ عقود. وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، تدخّل قوات الأمن وهي تحمل الهراوات لقمع الحشود، وتركت وجوه البعض ملطّخة بالدماء، بما في ذلك امرأة في منتصف العمر ترتدي شادوراً أسود. ونقلت الوكالة عن ناشطة بيئية شاركت في احتجاجات أصفهان، وطلبت عدم نشر اسمها خوفاً من الانتقام، قولها إن “مياه الشرب لدينا تزداد سوءاً والمزارعين يفقدون مصادر رزقهم. لا أستطيع أن أنسى رائحة النسيم التي كانت تنطلق من النهر عندما كنت أسير إلى المدرسة وأنا طفلة. الآن أرى ذلك كأنه مجرد حلم».

وكشف تغيّر المناخ عواقب القرارات الحكومية الخاطئة في إيران، فقد أدى الضغط من قبل السياسيين المحليين بعد الثورة الإيرانية إلى تحويل أصفهان إلى مركز رئيس لصناعة الصلب، ما ساهم في زيادة التلوّث وإرهاق مواردها المائية.
وحتى مع تضاؤل الإمدادات، يواصل الإيرانيون الذين يمكنهم الوصول إلى المياه، الإفراط في استهلاكها. كما لجأ الناس إلى حفر الآبار بشكل غير قانوني للبحث عن المياه.

وقالت سوزان شمير، الأستاذة المشاركة في قانون المياه والدبلوماسية في معهد “ديلفت” المتخصّص بالمياه في هولندا، إن “تطبيق سياسات لتقنين المياه ووقف الحفر غير القانوني، قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات”، مضيفة أن “هناك 130 ألف بئر غير شرعية معروفة في إيران، لكن لا يوجد جهد لسدها”، مشيرة إلى تداعيات ذلك من الناحية الاجتماعية.
وفي حين أن معظم المسؤولين الإيرانيين يقرّون بوجود مشكلة، إلا أن بعض رجال الدين الأكثر نفوذاً، وصفوا الاضطرابات الأخيرة بأنها نظرية مؤامرة، أو ادّعوا أن نقص المياه لا يمكن إصلاحه إلا من خلال صلوات الاستسقاء.

ونقلت الوكالة عن سهيل شريف، وهو مزارع فستق في محافظة كرمان الوسطى، قوله إن “جذور الأزمة تعود إلى السياسات التي تمّ تنفيذها بعد الثورة الإسلامية عام 1979. حيث سعت القيادة الدينية الجديدة لإيران، المعزولة عن الغرب، والتي واجهت الحرب مع العراق، لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي. وشجّعت الأسر الريفية على العمل بالزراعة، ووعدت تزويدها بالمياه المدعومة بشكل كبير، ثم أعقب ذلك فورة في بناء السدود». وأضاف شريف: “قال القادة الجدد لإيران، إن الولايات المتحدة تريد أن تجعلنا نعتمد على وارداتها من القمح، وأبلغوا الجميع أنه يمكنهم حفر الآبار”، ويُقدّر أن 95% من أكثر من ألف بئر تمّ حفرها في منطقتهم بإذن من الحكومة، بغضّ النظر عن موقعها أو تأثيرها على الموارد المائية، التي بدأت تجفّ وتزداد ملوحتها.

ورأى شريف أن “المشكلة في الأساس تتعلّق بكيفية إدارة الاقتصاد، فلا يمكنك تشجيع الناس على النظر إلى المياه على أنها بركة كبيرة متاحة للجميع ليستخدمها، ثم تخبرهم أن عليهم التعامل معها كمورد ثمين».
في مواجهة الانتقادات لسياساتها المائية، تلجأ القيادة الإيرانية إلى ردّها المألوف بإلقاء اللوم على العقوبات الأمريكية. لكنّ عندما خفت العقوبات على غرار عام 2016، ركّز صانعو السياسات على تحديث صناعة النفط باعتبارها أسرع وسيلة لدعم النمو. وفي أوقات الاضطرابات الاقتصادية، تتمثّل إحدى أسهل الطرق لتجنب الاضطرابات في خلق فرص عمل من خلال إطلاق مشاريع بنية تحتية كبيرة مثل السدود والمصافي.

وفي هذا الإطار، أشارت الوكالة إلى أن تكاليف نهج “اقتصاد المقاومة” غالباً ما يتحمّلها المواطنون الذين يفقدون صبرهم، وخاصّة أولئك الذين يعيشون في المناطق الحدودية الفقيرة، الذين تمّ تهميشهم تقليدياً بسبب عرقهم أو دينهم.
وقال أيوب، وهو ناشط من خوزستان، إن “ندرة المياه ضاعفت المظالم القائمة. وكانت المقاطعة الغنية بالنفط موقعاً لأعنف حملة قمع في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، حيث اجتاحت المظاهرات البلاد، ولا تزال تتكرر. ولطالما استاء سكانها من القوى المحلية والأجنبية التي جاءت لاستخراج النفط الخام المخفي في أعماق أراضيهم، مضيفاً أن “هذا الأمر دمّر المستنقعات والتربة الخصبة مع استبعاد السكان المحليين من الأرباح».