بوليتيكو: بوتين جعل أوروبا عظيمة مرة أخرى

بوليتيكو: بوتين جعل أوروبا عظيمة مرة أخرى


كتب كبير مراسلي مجلة “بوليتيكو” في أوروبا ماثيو كارنيتشينغ أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حقق المستحيل، وحدة أوروبية حقيقية.
لكن هذه المرة، وعوض سياسة فرق تسد، أسس الرئيس الروسي دون قصد أعظم تحد لهيمنته: قارة موحدة.وحد الاجتياح غير المبرر لأوكرانيا، أوروبا والفضاء العابر للأطلسي بشكل لم يشهده العالم منذ سقوط جدار برلين، حتى أن حلفاء بوتين السابقين في القارة تخلوا عنه في عطلة نهاية الأسبوع الماضي.
ومن صوفيا إلى ستوكهولم، تلاشت الانقسامات الداخلية في أوروبا على كيفية الرد على اعتداء بوتين بعدما توضحت بشكل كامل الأبعاد التاريخية للاجتياح الذي يشكل أعظم تحدٍ للهندسة الأمنية الغربية.

مع بث صور الدبابات تجتاز الحدود الأوكرانية، وصور العائلات المتجمعة في محطات مترو الأنفاق، تراجعت المخاوف في العواصم الغربية من التأثير المحلي للإجراءات الأقسى ضد موسكو، لصالح تصميم مشترك على فعل ما يلزم لوقف بوتين.
في مواجهة الواقع البارد لما يعنيه الاجتياح لا لأوكرانيا فقط، لكن أيضاً للهندسة الأمنية على امتداد أوروبا، تبخرت الاعتراضات الضيقة على تلك الإجراءات، بعدما كانت إيطاليا مثلاً راغبة في مواصلة بيع السلع الفاخرة إلى روسيا، وألمانيا في الإبقاء على الوصول السهل إلى الغاز الروسي.

وحتى أكثر حلفاء بوتين ولاءً له تخلوا عنه، من الرئيس التشيكي ميلوش زيمان مروراً بالرئيس المجري فيكتور أوربان وصولاً إلى زعيمة التجمع الوطني الفرنسي مارين لوبان. بحلول الأحد، لم توافق أوروبا على فرض عقوبات مالية شاملة على روسيا وبوتين فحسب، لكن غالبية الدول، بما فيها المحايدة مثل النمسا، والسويد، أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية، أو كانت تستعد لذلك.
وقرر الاتحاد الأوروبي منع بث شبكة آر تي التي تشكل أبرز وسيلة لبروباغندا الكرملين في الخارج وفق كارنيتشينغ.
وطالب الوزير السويدي للشؤون الأوروبية هانس دالغرن بالمزيد من الإجراءات لعزل روسيا. أما التحول الأكثر دراماتيكية فكان في ألمانيا، الدولة التي اتبع فيها السياسيون “حواراً” غير مجدٍ مع بوتين منذ سنوات، رغم تحذيرات الحلفاء الصاخبة من الثقة فيه.

وتابع كارنيتشينغ أنه بعد قرار ألمانيا تعليق عمل نورد ستريم 2 المثير للجدل إلى أجل غير مسمى، خضعت برلين لضغوط الحلفاء، ووافقت على اتخاذ موقف أقسى من روسيا.
ويوم السبت، تخلت ألمانيا عن مقاومتها لفصل روسيا عن سويفت، وأعلنت أنها ستتخلى أيضاً عن رفضها القديم لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا.
ويوم الأحد، وفي تمثيل لما لا يقل عن أبرز تحول سياسي دراماتيكي في تاريخ ألمانيا المعاصر، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس تراجعاً كاسحاً عن موقف بلاده السابق من الإنفاق الدفاعي. وأعلن تأسيس صندوق بـ 100 مليار يورو لتحديث السلاح بما يمكن برلين من الامتثال لموجبات الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء، في ناتو.

بعد سنوات من التباطؤ في الإنفاق الدفاعي، التزمت برلين بالذهاب إلى أبعد مما كان يطالبها به الحلفاء  حين يتعلق الموضوع بالجيش الألماني. وفي جلسة خاصة في البرلمان الألماني، لم يترك شولتس،  السياسي غير المعروف بالمبالغة، أي شك في ثقل الأحداث التي دفعت إلى التحول، فوصف الاجتياح الروسي بـ “نقطة انعطاف في تاريخ قارتنا».

ومنذ أسبوعين، كان بعض القادة الألمان يقللون من خطر الخطوة الروسية، واصفين التحذيرات المتواصلة من واشنطن وعواصم أخرى بهستيريا. وتفادى كبار الديبلوماسيين الألمان الاجتماع بالسفير الأوكراني الصريح في ألمانيا أندري ملنيك الذي حاول طيلة أشهر إقناع برلين بإسقاط حظرها على تصدير السلاح إلى بلاده.
في لحظة مؤثرة في الجلسة البرلمانية يوم الأحد، قابل النواب إلى ملنيك الذي جلس في قسم كبار الشخصيات في مبنى الرايختاغ، بترحيب حارٍ، وشكرته وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك شخصياً على قدومه.
لم تخفِ بيربوك الذي ينتمي حزبها “الخضر” إلى التيار المسالم كيف أجبرتها أحداث الأيام الأخيرة في أوكرانيا على مواجهة وقائع غير مريحة “ما يحدث في أوروبا لم يكن ليتصوره شخص من جيلي».

أضاف الكاتب أن حرب بوتين في أوكرانيا ذكرت آخرين بالواقع أيضاً. كان ذلك صحيحاً بالتحديد بالنسبة إلى ما يسمى بـ”الاستقلالية الاستراتيجية”،الفكرة التي تقول إن أوروبا قادرة على فصل نفسها عن الولايات المتحدة في المسائل الأمنية.
ستجعل الأزمة في أوكرانيا أوروبا أكثر اعتماداً على المظلة الأمنية لواشنطن وهذا واقع سيجبر الأمريكيين على إعادة تقييم تحولهم الاستراتيجي للتركيز أكثر على الصين. حتى في الوقت الذي تجبر فيه الأحداث الغربيين على التفكير في مبادئهم الاستراتيجية والسياسية، من المرجح أن الرجل الذي أطلق كل هذه الأحداث سيواجه أقسى صحوة.

من الواضح أن بوتين آمن بأنه قادر على دق إسفين في أوروبا كما فعل بنجاح على جبهات أخرى في السنوات الماضية. لكن هذه المرة، وعوض سياسة فرق تسد، أسس الرئيس الروسي دون قصد أعظم تحد لهيمنته: قارة موحدة.