رئيس الدولة والسوداني يؤكدان أهمية تسوية النزاعات والأزمات بالشرق الأوسط سلمياً
تقسّم النخب السياسية الفرنسية
بين كراهية روسيا وعشقها، قلب فرنسا يتأرجح...!
-- كيف الدفاع عن المصالح الفرنسية في عالم متغير إذا كان التقارب التكتيكي مع روسيا محظورا من حيث المبدأ؟
-- حجة البرلمانيين الفرنسيين، أن معاقبة روســـــيا يعنــي وقــــف النمــو الفرنسـي
-- أصبحت «المسألة الروسية» في فرنسا مسألة سياسة داخلية
-- يرى التيار الليبرالي الاطلنطي، أن روسيا تشــكل خطــراً على هويــة أوروبــا ذاتهـــا
-- بالنسبة للعديد من التيارات، يعدّ تحسين العلاقات الثنائية مع روسيا أولوية دبلوماسية وعسكرية وسياسية
افتتحت روسيا في الآونة الأخيرة عام 2020 بسلسلة من الرسائل الاستراتيجية والسياسية الهامة: من خلال تنظيم تبادل جديد للأسرى مع أوكرانيا في 30 ديسمبر، أعطت إشارات إيجابية للمفاوضات في قالب نورماندي من أجل إقامة وقف حقيقي لإطلاق النار في دونباس. لكن بتنظيم مناورات عسكرية كبرى مع إيران والصين قبالة سواحل عُمان، ذكّرت بشراكتها الاستراتيجية مع طهران في سياق توترات متصاعدة مع الولايات المتحدة. وبالمثل، من خلال الإعلان عن جاهزية صاروخ أسرع من الصوت افنغارد، سجلت علامة فارقة في سباق التسلح مع الناتو.
وفي الوقت الذي تجري فيه فرنسا تقاربًا تدريجيًا جديدًا ومحسوبًا مع الاتحاد الروسي، من الضروري تحديد عناصر التقارب المحتملة والأوهام (السلبية منها والإيجابية) التي تحيط بالتحالف الفرنسي الروسي. هل يمكن لروح بريغانسون، التي يبدو أنها تهب منذ استقبل الرئيس ماكرون فلاديمير بوتين في أغسطس 2019 قبل أيام قليلة من مجموعة السبع في بياريتز، أن تصمد أمام تحذيرات العاصفة لعام 2020؟
مسألة سياسية داخلية
تحتفظ فرنسا اليوم؛ كما بالأمس؛ بعلاقة عاطفية مع روسيا: يعشق الفرنسيون روسيا؛ ولكن يحبّون أيضا ان يكرهوها. كان هذا هو الحال، على الأقل، منذ حروب نابليون والتحالف الفرنسي الروسي عام 1892.
في الحالة الأولى، لا يمكن إصلاح الضغينة تقريبًا. وفي الثانية، الحنين غير عقلاني تماما. وقد رعى الجنرال ديغول هذه العاطفة السياسية المتناقضة: فقد أقام علاقات ثنائية مع الاتحاد السوفيتي بناءً على الطموحات الوطنية بدلاً من الأيديولوجية، كما يتضح من كتاب هيلين كارير دي إينكوس الأخير في هذا الشأن.
اليوم، لم يتوقف ذاك الشغف: في النقاش السياسي الفرنسي، لروسيا أهمية تفوق بكثير كونها مسألة ترتبط بالسياسة الخارجية. منذ عام 2015، أصبح موضوع نقاش للسياسة الداخلية الفرنسية. ضم شبه جزيرة القرم، ودور القنوات التلفزيونية الروسية في الخارج، والهجمات في الفضاء الإلكتروني، والعقوبات، وطبيعة نظام بوتين ... كل هذه الموضوعات، تقسّم النخب السياسية الفرنسية، وأصبحت “المسألة الروسية” مسألة سياسة داخلية.
بالنسبة للعديد من التيارات السياسية الفرنسية، يعدّ تحسين العلاقات الثنائية مع روسيا أولوية دبلوماسية وعسكرية وسياسية. فمن وجهة نظر هؤلاء، فإن ذلك يرتبط بالمصالح الاقتصادية الفرنسية في القارة. ويرون انه بخصوص المؤسسات الكبرى للتوزيع أو الصيدلة أو المنتجات الراقية والفخمة أو الطاقة أو البنوك، فان العقوبات يجب ان تلغى.
إن معاقبة روسيا هي بمثابة وقف النمو الفرنسي، هذه هي حجة البرلمانيين الفرنسيين الذين يقترحون بانتظام قرارات على الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.
الإلهام السياسي لهؤلاء المدافعين عن روسيا في فرنسا متباين للغاية. من الواضح أن اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان، يصرح أنه يتقاسم مع روسيا المعاصرة طقوسا للحكم، وتصورا عموديا للسلطة، والخوف من الإسلام، وانبهار بشخص الرئيس الروسي. ويعتقد هذا التقليد السياسي الفرنسي السلطوي والقومي، أنه يجد في فلاديمير بوتين قائدًا دوليًا. يستجيب لذائقته.
لكن اليسار السيادي لجان لوك ميلينشون، يجد أيضًا عوامل جذب في روسيا اليوم: أليست القوة الوحيدة في أوروبا التي تقاوم الولايات المتحدة وحلف الناتو؟ ألا تظهر الطريق للسياسيين من خلال انتقاد العمل المتعدد الاطراف في التسعينات؟ هنا مرة أخرى، يوجد تقليد سياسي فرنسي طويل يرى في روسيا مصدرا للإلهام.
حتى الحركات المحافظة الكلاسيكية، تطالب بالتهدئة بين فرنسا وروسيا. ألم يتدخل الاتحاد في سوريا لحماية مسيحيي الشرق الذين تعتبر فرنسا نفسها حاميتهم أيضًا منذ الملك فرانسوا الاول وسياسة الشرق لنابليون الثالث؟ ألا تحارب روسيا في كل مكان ضد الإسلامويين المسلحين؟
بالنسبة لهؤلاء الزعماء السياسيين، فإن إعادة تأسيس العلاقات الثنائية مع روسيا هي وسيلة لإدانة اللغة السياسية الخشبية التي من شأنها أن تسود فرنسا. وترى كل هذه التيارات غير المتجانسة، انه يجب على فرنسا أن تدع روسيا تكون روسيا. أكثر من ذلك بكثير، ينبغي أن تستوحي فرنسا من روسيا ... يا لها من مفارقة للقوميين الذين يريدون تقليد دولة ذات تقاليد سياسية مختلفة عن بلدنا! وخصوصا، ما هذا العمى في مواجهة تجدد القوة الروسية، التي، غالبا، ضد المصالح الأوروبية!
بين النخب الفرنسية، يتمتع تيار معاكس بنفوذ كبير. إنه حقوقي إنساني بكل تأكيد، أطلنطي وغربي، ويدعو إلى تبني خط متشدد تصاعدي تجاه روسيا بوتين. هذه الجبهة المناهضة لروسيا تنشط منذ امد بعيد في وزارة الخارجية وفي الصحافة الوسطية وفي عالم المثقفين الليبراليين. تشكل روسيا بوتين تهديدًا لأمن واستقرار أوروبا، كما يتضح من النزاعات في جورجيا وأوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم والتدخل في سوريا وعلاقات فلاديمير بوتين الوثيقة مع فيكتور أوربان.
لكن روسيا، حسب هذه الأصوات، تشكل خطراً على هوية أوروبا ذاتها. انهم ينتقدون المكانة المركزية للكنيسة الأرثوذكسية في البلاد، في الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط، وهذا ينسف العلمانية الفرنسية.
إنهم قلقون بشأن النزعة المحافظة في الأمور الأخلاقية، وجعل روسيا أرضًا لاضطهاد التيارات النسوية والناشطين لصالح المساواة في الحقوق. والأخطر من ذلك، أن السياسة الداخلية الروسية، بسلطتها العمودية، تشكل توليفة بين الحكم الاستبدادي ما بعد الاتحاد السوفياتي، والسلطوية القيصرية. وبالنسبة لهذه الحركات، يجب على الأوروبيين ألا يدعوا روسيا تغزو أوروبا، إن لم يكن ترابيا، فسياسياً على الأقل.
من هذا المنظور، فإن ترك روسيا تكون روسيا، هي نظرة ساذجة وانتحارية بالنسبة لأوروبا. ان القبول بمصالح روسيا سيؤدي إلى تدمير أوروبا وقيمها وديمقراطياتها.
ان المشاعر والنظرة العاطفية، لا تزال نشطة للغاية مع لهجات كراهية الروس التي تعطي الأولوية للانقسامات السياسية الداخلية على قضايا السياسة الخارجية. كيف تدافع عن المصالح الفرنسية في عالم متغير، إذا كان التقارب التكتيكي مع روسيا محظورا من حيث المبدأ؟
ماكرون بين
الديغولية والبراغماتية
هذان الموقفان راسخان في النقاش العام الفرنسي. وأنصار روسيا من اليمين السلطوي واليسار السيادي واليمين المحافظ، يحتلون مركز الصدارة في النقاش العام. ففي الحملة الانتخابية، يسمح لك دعم روسيا، وبتكلفة صغيرة، ان تمنح نفسك حنكة سياسية مضمونة، وتبدو أنك تتحدى النموذج السائد. وبعبارة أخرى، لكي تظهر امرأة أو رجل دولة مسؤول وذو شخصية كاريزماتية، فإن مارين لوبان وفرانسوا فييون لا يحتجان إلا إلى إعلان تقديرهما لفلاديمير بوتين.
في المقابل، تسمح كراهية روسيا للزعماء السياسيين الفرنسيين بالتمايز، وتمنحهم ديبلوم الديمقراطية بتكلفة منخفضة. وبعبارة أخرى، لجعل الناس ينسون أوجه القصور الاقتصادي في برنامجهم، يكفي أن يعلن الاشتراكيون عداءهم لروسيا حتى يعيدوا تنشيط وتر حقوق الانسان لدى ناخبيهم.
لكن موقفا ثالثا يتجلى، يرفض التعاطي مع روسيا على أساس انها مسألة سياسة داخلية فرنسية. من وحي تقارب الجنرال ديغول، تتبنى رئاسة ماكرون موقفا يدعو إلى تقارب عملي وحذر مع روسيا. فبالنسبة لهذين الرئيسين الفرنسيين، إن أوجه التشابه واضحة بين فرنسا وروسيا.
قوتان متوسطتان، ومن القوى الاستعمارية السابقة، وتملكان أسلحة نووية، وتتمتّعان بمقعد دائم في مجلس الأمن، وللبلدين سياسات خارجية يتجاوز جنوحها إطار الحدود الوطنية. وفيما يتعلق بالعديد من القضايا، التقارب ممكن: لفرنسا وروسيا مقاربة للبرنامج النووي الإيراني بناءً على اتفاق 14 يوليو 2015، وهما من دعاة الاعتدال، وهذا الترابط الفرنسي الروسي ضروري.
لكن العوائق كثيرة بين باريس وموسكو. فيما يتعلق بضم شبه جزيرة القرم، وحول وجود شركات أمنية خاصة روسية في ليبيا ووسط إفريقيا، وحول التدخل في الفضاء الإلكتروني، واحترام التعددية السياسية والاجتماعية، فإن الاتفاق مستحيل بين العاصمتين.
في العلاقات الفرنسية الروسية، لا شك ان الوقت حان للحد من حصة العاطفة وإعطاء المزيد للعقل. العلاقات الثنائية مع موسكو هي أولا ليست من مسائل السياسة الداخلية، أنها تنطوي على مصالح وطنية يمكن أن تتقاطع أحيانا وغالبا ما تتباعد. لا تحالف فرنسي -روسي ولا عدائية مبدئية، هذا موقف يمكن أن يجعل فرنسا مصدر سياسة روسية لأوروبا تفتقر إليها بشدة.
-- حجة البرلمانيين الفرنسيين، أن معاقبة روســـــيا يعنــي وقــــف النمــو الفرنسـي
-- أصبحت «المسألة الروسية» في فرنسا مسألة سياسة داخلية
-- يرى التيار الليبرالي الاطلنطي، أن روسيا تشــكل خطــراً على هويــة أوروبــا ذاتهـــا
-- بالنسبة للعديد من التيارات، يعدّ تحسين العلاقات الثنائية مع روسيا أولوية دبلوماسية وعسكرية وسياسية
افتتحت روسيا في الآونة الأخيرة عام 2020 بسلسلة من الرسائل الاستراتيجية والسياسية الهامة: من خلال تنظيم تبادل جديد للأسرى مع أوكرانيا في 30 ديسمبر، أعطت إشارات إيجابية للمفاوضات في قالب نورماندي من أجل إقامة وقف حقيقي لإطلاق النار في دونباس. لكن بتنظيم مناورات عسكرية كبرى مع إيران والصين قبالة سواحل عُمان، ذكّرت بشراكتها الاستراتيجية مع طهران في سياق توترات متصاعدة مع الولايات المتحدة. وبالمثل، من خلال الإعلان عن جاهزية صاروخ أسرع من الصوت افنغارد، سجلت علامة فارقة في سباق التسلح مع الناتو.
وفي الوقت الذي تجري فيه فرنسا تقاربًا تدريجيًا جديدًا ومحسوبًا مع الاتحاد الروسي، من الضروري تحديد عناصر التقارب المحتملة والأوهام (السلبية منها والإيجابية) التي تحيط بالتحالف الفرنسي الروسي. هل يمكن لروح بريغانسون، التي يبدو أنها تهب منذ استقبل الرئيس ماكرون فلاديمير بوتين في أغسطس 2019 قبل أيام قليلة من مجموعة السبع في بياريتز، أن تصمد أمام تحذيرات العاصفة لعام 2020؟
مسألة سياسية داخلية
تحتفظ فرنسا اليوم؛ كما بالأمس؛ بعلاقة عاطفية مع روسيا: يعشق الفرنسيون روسيا؛ ولكن يحبّون أيضا ان يكرهوها. كان هذا هو الحال، على الأقل، منذ حروب نابليون والتحالف الفرنسي الروسي عام 1892.
في الحالة الأولى، لا يمكن إصلاح الضغينة تقريبًا. وفي الثانية، الحنين غير عقلاني تماما. وقد رعى الجنرال ديغول هذه العاطفة السياسية المتناقضة: فقد أقام علاقات ثنائية مع الاتحاد السوفيتي بناءً على الطموحات الوطنية بدلاً من الأيديولوجية، كما يتضح من كتاب هيلين كارير دي إينكوس الأخير في هذا الشأن.
اليوم، لم يتوقف ذاك الشغف: في النقاش السياسي الفرنسي، لروسيا أهمية تفوق بكثير كونها مسألة ترتبط بالسياسة الخارجية. منذ عام 2015، أصبح موضوع نقاش للسياسة الداخلية الفرنسية. ضم شبه جزيرة القرم، ودور القنوات التلفزيونية الروسية في الخارج، والهجمات في الفضاء الإلكتروني، والعقوبات، وطبيعة نظام بوتين ... كل هذه الموضوعات، تقسّم النخب السياسية الفرنسية، وأصبحت “المسألة الروسية” مسألة سياسة داخلية.
بالنسبة للعديد من التيارات السياسية الفرنسية، يعدّ تحسين العلاقات الثنائية مع روسيا أولوية دبلوماسية وعسكرية وسياسية. فمن وجهة نظر هؤلاء، فإن ذلك يرتبط بالمصالح الاقتصادية الفرنسية في القارة. ويرون انه بخصوص المؤسسات الكبرى للتوزيع أو الصيدلة أو المنتجات الراقية والفخمة أو الطاقة أو البنوك، فان العقوبات يجب ان تلغى.
إن معاقبة روسيا هي بمثابة وقف النمو الفرنسي، هذه هي حجة البرلمانيين الفرنسيين الذين يقترحون بانتظام قرارات على الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.
الإلهام السياسي لهؤلاء المدافعين عن روسيا في فرنسا متباين للغاية. من الواضح أن اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان، يصرح أنه يتقاسم مع روسيا المعاصرة طقوسا للحكم، وتصورا عموديا للسلطة، والخوف من الإسلام، وانبهار بشخص الرئيس الروسي. ويعتقد هذا التقليد السياسي الفرنسي السلطوي والقومي، أنه يجد في فلاديمير بوتين قائدًا دوليًا. يستجيب لذائقته.
لكن اليسار السيادي لجان لوك ميلينشون، يجد أيضًا عوامل جذب في روسيا اليوم: أليست القوة الوحيدة في أوروبا التي تقاوم الولايات المتحدة وحلف الناتو؟ ألا تظهر الطريق للسياسيين من خلال انتقاد العمل المتعدد الاطراف في التسعينات؟ هنا مرة أخرى، يوجد تقليد سياسي فرنسي طويل يرى في روسيا مصدرا للإلهام.
حتى الحركات المحافظة الكلاسيكية، تطالب بالتهدئة بين فرنسا وروسيا. ألم يتدخل الاتحاد في سوريا لحماية مسيحيي الشرق الذين تعتبر فرنسا نفسها حاميتهم أيضًا منذ الملك فرانسوا الاول وسياسة الشرق لنابليون الثالث؟ ألا تحارب روسيا في كل مكان ضد الإسلامويين المسلحين؟
بالنسبة لهؤلاء الزعماء السياسيين، فإن إعادة تأسيس العلاقات الثنائية مع روسيا هي وسيلة لإدانة اللغة السياسية الخشبية التي من شأنها أن تسود فرنسا. وترى كل هذه التيارات غير المتجانسة، انه يجب على فرنسا أن تدع روسيا تكون روسيا. أكثر من ذلك بكثير، ينبغي أن تستوحي فرنسا من روسيا ... يا لها من مفارقة للقوميين الذين يريدون تقليد دولة ذات تقاليد سياسية مختلفة عن بلدنا! وخصوصا، ما هذا العمى في مواجهة تجدد القوة الروسية، التي، غالبا، ضد المصالح الأوروبية!
بين النخب الفرنسية، يتمتع تيار معاكس بنفوذ كبير. إنه حقوقي إنساني بكل تأكيد، أطلنطي وغربي، ويدعو إلى تبني خط متشدد تصاعدي تجاه روسيا بوتين. هذه الجبهة المناهضة لروسيا تنشط منذ امد بعيد في وزارة الخارجية وفي الصحافة الوسطية وفي عالم المثقفين الليبراليين. تشكل روسيا بوتين تهديدًا لأمن واستقرار أوروبا، كما يتضح من النزاعات في جورجيا وأوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم والتدخل في سوريا وعلاقات فلاديمير بوتين الوثيقة مع فيكتور أوربان.
لكن روسيا، حسب هذه الأصوات، تشكل خطراً على هوية أوروبا ذاتها. انهم ينتقدون المكانة المركزية للكنيسة الأرثوذكسية في البلاد، في الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط، وهذا ينسف العلمانية الفرنسية.
إنهم قلقون بشأن النزعة المحافظة في الأمور الأخلاقية، وجعل روسيا أرضًا لاضطهاد التيارات النسوية والناشطين لصالح المساواة في الحقوق. والأخطر من ذلك، أن السياسة الداخلية الروسية، بسلطتها العمودية، تشكل توليفة بين الحكم الاستبدادي ما بعد الاتحاد السوفياتي، والسلطوية القيصرية. وبالنسبة لهذه الحركات، يجب على الأوروبيين ألا يدعوا روسيا تغزو أوروبا، إن لم يكن ترابيا، فسياسياً على الأقل.
من هذا المنظور، فإن ترك روسيا تكون روسيا، هي نظرة ساذجة وانتحارية بالنسبة لأوروبا. ان القبول بمصالح روسيا سيؤدي إلى تدمير أوروبا وقيمها وديمقراطياتها.
ان المشاعر والنظرة العاطفية، لا تزال نشطة للغاية مع لهجات كراهية الروس التي تعطي الأولوية للانقسامات السياسية الداخلية على قضايا السياسة الخارجية. كيف تدافع عن المصالح الفرنسية في عالم متغير، إذا كان التقارب التكتيكي مع روسيا محظورا من حيث المبدأ؟
ماكرون بين
الديغولية والبراغماتية
هذان الموقفان راسخان في النقاش العام الفرنسي. وأنصار روسيا من اليمين السلطوي واليسار السيادي واليمين المحافظ، يحتلون مركز الصدارة في النقاش العام. ففي الحملة الانتخابية، يسمح لك دعم روسيا، وبتكلفة صغيرة، ان تمنح نفسك حنكة سياسية مضمونة، وتبدو أنك تتحدى النموذج السائد. وبعبارة أخرى، لكي تظهر امرأة أو رجل دولة مسؤول وذو شخصية كاريزماتية، فإن مارين لوبان وفرانسوا فييون لا يحتجان إلا إلى إعلان تقديرهما لفلاديمير بوتين.
في المقابل، تسمح كراهية روسيا للزعماء السياسيين الفرنسيين بالتمايز، وتمنحهم ديبلوم الديمقراطية بتكلفة منخفضة. وبعبارة أخرى، لجعل الناس ينسون أوجه القصور الاقتصادي في برنامجهم، يكفي أن يعلن الاشتراكيون عداءهم لروسيا حتى يعيدوا تنشيط وتر حقوق الانسان لدى ناخبيهم.
لكن موقفا ثالثا يتجلى، يرفض التعاطي مع روسيا على أساس انها مسألة سياسة داخلية فرنسية. من وحي تقارب الجنرال ديغول، تتبنى رئاسة ماكرون موقفا يدعو إلى تقارب عملي وحذر مع روسيا. فبالنسبة لهذين الرئيسين الفرنسيين، إن أوجه التشابه واضحة بين فرنسا وروسيا.
قوتان متوسطتان، ومن القوى الاستعمارية السابقة، وتملكان أسلحة نووية، وتتمتّعان بمقعد دائم في مجلس الأمن، وللبلدين سياسات خارجية يتجاوز جنوحها إطار الحدود الوطنية. وفيما يتعلق بالعديد من القضايا، التقارب ممكن: لفرنسا وروسيا مقاربة للبرنامج النووي الإيراني بناءً على اتفاق 14 يوليو 2015، وهما من دعاة الاعتدال، وهذا الترابط الفرنسي الروسي ضروري.
لكن العوائق كثيرة بين باريس وموسكو. فيما يتعلق بضم شبه جزيرة القرم، وحول وجود شركات أمنية خاصة روسية في ليبيا ووسط إفريقيا، وحول التدخل في الفضاء الإلكتروني، واحترام التعددية السياسية والاجتماعية، فإن الاتفاق مستحيل بين العاصمتين.
في العلاقات الفرنسية الروسية، لا شك ان الوقت حان للحد من حصة العاطفة وإعطاء المزيد للعقل. العلاقات الثنائية مع موسكو هي أولا ليست من مسائل السياسة الداخلية، أنها تنطوي على مصالح وطنية يمكن أن تتقاطع أحيانا وغالبا ما تتباعد. لا تحالف فرنسي -روسي ولا عدائية مبدئية، هذا موقف يمكن أن يجعل فرنسا مصدر سياسة روسية لأوروبا تفتقر إليها بشدة.