بموجب عقد أولي يشبه ما يطلبه المُنتصر من عدوه المهزوم :

ترامب يَبْتزُ أوكرانيا ويطالب بتعويضات فاحشة عن مساعدات أمريكية سابقة

بعيدا عن تقديم أي مساعدة مستقبلية لكييف، اقترح دونالد ترامب في أوائل فبراير-شباط على نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التعويض بمعدل فاحش عن المساعدات الأمريكية المدفوعة بالفعل منذ بداية الغزو الروسي، في فبراير-شباط 2022. وفي عقد أولي يشبه ما يطلبه المنتصر من عدو مهزوم، تَطلب الولايات المتحدة من أوكرانيا حقوقا حصرية و»دائمة» في «الموارد المعدنية والنفط والغاز والموانئ والبنية التحتية الأخرى»، وفقا لطبعة يوم الاثنين 17 فبراير من صحيفة التلغراف البريطانية اليومية، التي حصلت على الوثيقة التي تحمل علامة «سري».

 وأكد مصدر من صحيفة «لوموند» الفرنسية، القريبة من الإدارة الرئاسية الأوكرانية، صحة التقرير والمعايير الواردة فيه. ينص العقد الأولي على أنه يخضع لقانون ولاية نيويورك، مع استبعاد أي ولاية قضائية أخرى. ويقترح المشروع إنشاء صندوق استثماري مشترك بين واشنطن وكييف لضمان «عدم استفادة الأطراف المعادية للصراع من إعادة إعمار أوكرانيا». وينص الاتفاق على أن الولايات المتحدة ستحصل، بموجب بند الأولوية، على نصف الإيرادات التي تحصل عليها كييف من استخراج الموارد، فضلاً عن 50% من القيمة المالية «لجميع التراخيص الجديدة الصادرة لأطراف ثالثة» من أجل استثمار هذه المصادر في المستقبل. و قد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن القيمة الإجمالية المطلوبة من كييف تبلغ 500 مليار دولار (478 مليار يورو). وهذا يعادل عامين ونصف العام من الناتج المحلي الإجمالي لبلد يتعرض للقصف يوميا، ويتم احتلال خمس أراضيه. ولم يتضح بعد لماذا وصل المبلغ إلى هذا المستوى الفلكي، حيث قدر الرئيس الأميركي على قناة فوكس نيوز المحافظة أن الولايات المتحدة تنفق 300 مليار دولار على كييف، مضيفا أنه سيكون من «الغباء» إنفاق المزيد. وأظهر ترامب عدم احترامه لأوكرانيا، حيث أعلن أنها «يمكن أن تصبح روسية أو لا تصبح كذلك، لكنه يريد أن يرى تلك الأموال مرة أخرى». في الواقع، يبلغ مجموع حزم المساعدات الخمس التي وافق عليها الكونجرس لأوكرانيا 175 مليار دولار، تم دفع 70 مليار دولار منها لشركات الأسلحة الأمريكية. «يبدو الأمر أشبه بالابتزاز» بحسب وسائل إعلام أوكرانية، رفض فولوديمير زيلينسكي اتفاقا على أساس هذا العقد الأولي في 12 فبراير-شباط، وهو يوم زيارة وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت إلى كييف. 
وبحسب صحيفة واشنطن بوست، لم يكن أمام الرئيس الأوكراني سوى بضع دقائق لقراءة اقتراح واشنطن قبل اجتماعه مع السيد بيسنت. ويشترط فولوديمير زيلينسكي أي اتفاق بشأن استغلال باطن الأرض في أوكرانيا، سواء مع الولايات المتحدة أو دول الاتحاد الأوروبي، وجود ضمانات أمنية لبلاده. لقد  امتعضت الولايات المتحدة من رفض كييف المفترض. و في 16 فبراير-شباط، وصف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، براين هيوز، رفض أوكرانيا التوقيع على الاتفاق مع الولايات المتحدة بأنه «قصر نظر». ويشير الدبلوماسي الأوكراني السابق ألكسندر خارا، الذي يشغل حاليا منصب رئيس مركز الاستراتيجيات الدفاعية الدولي، إلى أنه «ليس من المستغرب أن يرفض السيد زيلينسكي هذه الصفقة على ما يبدو». لا أستطيع التعليق على محتوى العقد الأولي، لكنه من الواضح أنه على نمط ترامب. نحن نعيش في عصر جديد من الإمبراطوريات. وتقول لانا زركال، نائبة وزير الخارجية الأوكراني السابقة لشؤون التكامل الأوروبي «2014-2019»، والتي لم تتمكن من الوصول إلى الوثيقة: «إذا كان هذا يمثل 50% من تراخيص التعدين الحالية، فهذا يبدو حقًا بمثابة ابتزاز». وإذا كان هذا الاقتراح يتعلق بموارد لم يتم استكشافها بعد، فهذا يعني أنه قبل بدء الإنتاج يجب القيام بعمل قيم للغاية لدراسة الرواسب من أجل تحديد، من بين أمور أخرى، ما إذا كان من الممكن اقتصاديا استخراجها. يمكن أن يستغرق هذا الأمر ما بين خمسة إلى عشرين عامًا، دون أي ضمان لنتيجة إيجابية. «
 تعود مبادرة تقديم الموارد المعدنية الأوكرانية إلى الولايات المتحدة على طبق من ذهب إلى فلاديمير زيلينسكي. وكانت فكرته، التي كشف النقاب عنها في سبتمبر-أيلول 2024، هي أن واشنطن سوف توسع مظلتها العسكرية تلقائيا، من خلال جذب الشركات الأميركية إلى المنشآت طويلة الأجل في المنطقة، مصحوبة باستثمارات ضخمة وأرباح كبيرة. وهذا من شأنه أن يردع موسكو عن غزو البلاد مرة أخرى. ولكن الزعيم الأوكراني ربما لم يكن يتوقع ظروفا مهينة إلى هذا الحد بحيث تبدو وكأنها مصممة لضرب عدو منهزم وليس حليفا، وهو ما كانت عليه واشنطن إلى أن تولى دونالد ترامب منصبه في 20 يناير-كانون الثاني. وبالمقارنة، فإن شروط المفاوضات المباشرة التي استؤنفت في 18 فبراير-شباط بين موسكو وواشنطن لا تتضمن مطالب بالتعويضات، بل وحتى تتصور رفع العقوبات ضد روسيا. وبحسب مصادرنا، تعمل الإدارة الرئاسية الأوكرانية جاهدة على إعداد مقترح مضاد مثير للاهتمام لإدارة ترامب. وأثار نهج الرئيس الأميركي ردود فعل قوية في أوروبا. وفي مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي عقد في الفترة من 14 إلى 16 فبراير-شباط، قارن المسؤولون الأمر بـ»تكتيكات الابتزاز المافياوية» و»الربا» و»الاستعمار». ورأى النائب الألماني في البرلمان الأوروبي سيرجي لاجودينسكي أيضا أن القرار يمثل «تحقيقا كاملا لرغبات بوتن».