ثلاثة دروس للسياسة الأمريكية في سوريا

ثلاثة دروس للسياسة الأمريكية في سوريا

عدّد المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليلات سيث فرانتزمان مجموعة من الأسباب التي تجعل السياسة الأمريكية في سوريا جديرة بالتقدير على الرغم من أنّها لا تحظى بأضواء إعلامية كبيرة.
على نقيض نزاعاتها في العراق وأفغانستان حيث قُتل الآلاف من الأمريكيين خلال العقدين الماضيين، تبرز الحملة في سوريا فريدة من نوعها وكتب في صحيفة “ذا هيل” الأمريكية أنّ حملة واشنطن ضد داعش تلقت تعزيزاً جديداً في سوريا. فقد تم إرسال ست عربات مقاتلة من طراز برادلي عبر طائرة سي-17 غلوبماستر انطلقت من قاعدة أمريكية في الكويت باتجاه سوريا. ويقول القادة الأمريكيون إن هذه العربة هدفها العمل كقوة حماية. أرسِلت العربات بعد أسابيع على جرح ستة أفراد أمريكيين ضمن دورية في سوريا بعد تعرضها لحادث مع دورية روسية. إنّ إرسال عربات برادلي المصفحة هو بيان ينقل صورة قوية وملتزمة عن الولايات المتحدة. وبنشر مئات عدة من الجنود وبضع مركبات، تتمكّن واشنطن من المساعدة على ضمان أمن منطقة في سوريا تضاهي مساحة ولاية نيوجيرسي. تحقق ذلك عبر الشراكة مع قوات سوريا الديموقراطية “قسد”. وساعد التحالف بقيادة واشنطن في تدريب وتجهيز 60 ألف مقاتل من قسد منذ 2015. في هذا السياق، شكلت هذه الشراكة حملة ذات نجاح غير مسبوق. في الواقع، هنالك بضعة أمثلة في التاريخ عن قوة أمريكية صغيرة أطلقت هذا الكم الهائل من النفوذ واحتفظت بقوتها بطريقة ممتازة. وعلى نقيض نزاعاتها في العراق وأفغانستان حيث قُتل الآلاف من الأمريكيين خلال العقدين الماضيين، تبرز الحملة في سوريا فريدة من نوعها. وعلى الرغم من ذلك، لم تحظَ بتقدير كافٍ لا من البيت الأبيض ولا من البنتاغون ولا من الأمريكيين عموماً. يشرح فرانتزمان سبب ذلك بالإشارة إلى أن الدور الأمريكي في سوريا يُنظر إليه على أنّه تابع للحرب على داعش في العراق. بدأ الأمر سنة 2014 بعدما هاجم داعش العراق وقررت الولايات المتحدة مساعدة المقاتلين السوريين الأكراد الذين كانوا تحت الحصار في مدينة كوباني شمال سوريا. ووصف وزير الدفاع الأمريكي حينها أشتون كارتر دعم أمريكا لقسد بأنّه “اكتشاف محظوظ” وتحدّث عن كيفية مساعدة هذه القوة الأمريكيين في تنظيف شرق سوريا من داعش بين 2015 و2017. وساعدت القوات الأمريكية قسد في تحقيق الانتصار على داعش عبر تحرير الرقة ثمّ إلحاق الهزيمة بآخر جيوب التنظيم سنة 2019. وأضاف فرانتزمان أنّه لو اقتصرت قصة الانخراط الأمريكي في سوريا على هزيمة داعش فقط، لكانت قصة المعارك بين 2015 و2019 واحدة من أنجح الحملات العسكرية في التاريخ. مع دعم قليل نسبياً ومقاتلين محليين، تمت هزيمة داعش الذي جذب عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب وأرعب أوروبا. لكن بحلول 2019، كان النقاش الأمريكي العام مركزاً أكثر على كيفية انسحاب واشنطن من “الحروب التي لا تنتهي” عوضاً عن الإشادة بالنجاحات في سوريا. يرى فرانتزمان الأمر مفهوماً لأنّ عشرين سنة من الحرب على الإرهاب، بما فيها عمليات سرية امتدت في مناطق من باكستان إلى النيجر، تركت الجمهور الأمريكي متعباً. وتساءل هذا الجمهور عن الأهداف النهائية للحملات في مناطق مثل الصومال حيث تشنّ واشنطن غارات جوية. وأدى الالتباس حول الدور الأمريكي في سوريا إلى سياسة متعرجة على الأرض. تعهدت إدارة ترامب في 2018 و 2019 مغادرة سوريا، لكن القوات الأمريكية لا تزال هناك ضامنة حقول النفط وهزيمة داعش. عليها أيضاً التعامل مع ضغوط كلّ من إيران وروسيا وتركيا. كل ذلك يجعل من سوريا واحدة من أعقد رقع الشطرنج الجيوسياسية في الشرق الأوسط. ويرى فرانتزمان وجود دروس عدة تُستخلص من التجربة السورية. أولاً، خاضت واشنطن حرباً ناجحة مع سقوط عدد قليل من الضحايا عبر دعم شركاء محليين. ثانياً، بإمكان الولايات المتحدة ردع إيران وروسيا وآخرين بواسطة بصمة عسكرية ضئيلة على الأرض وبواسطة قوة جوية في السماء. ثالثاً، ولكي تكون الحملة ناجحة على المدى الطويل، يجب أن يوضع هدف سياسي نهائي لسوريا. ولا يزال هذا الجزء ناقصاً هناك. ودعا الكاتب الإدارة الحالية إلى الاعتراف بالنجاح الذي تحقق في سوريا ومحاولة البناء عليه واستنساخه. يستحق القادة الأمريكيون وقسد الذين جعلوا هذا الأمر ممكناً الثناء على ما أنجزوه ويواصلون إنجازه عبر الإبقاء على شرق سوريا آمناً وحراً من داعش.