رئيس الدولة يبحث مع وزير الدفاع السعودي علاقات التعاون وتطورات الأوضاع في المنطقة
يوم تراث استثنائي هذا العام:
جنوب أفريقيا: أمة قوس قزح...
في الأصل، كان يوم إحياء ذكرى الأسطوري شاكا زولو “1787-1828” –ملك الزولو –في مقاطعة كوازولو ناتال، أصبح الاحتفال بيوم التراث في جنوب إفريقيا في 24 سبتمبر من كل عام منذ عام 1996 لكل الجنوب افريقيين.
تكريمًا لتنوعهم الثقافي واللغوي، فإن اليوم يرمز أيضًا للمصالحة وكذلك الاعتراف بكل الذين التزموا، خلال السنوات المظلمة من تاريخها، بجعل جنوب إفريقيا دولة ديمقراطية غير عنصرية، خالية من كل ظلم واثم. وطبعا، هذه السنة أفسد وباء كوفيد-19 الاحتفالية.
إن جنوب إفريقيا هي الدولة الأكثر تضررًا في القارة الأفريقية، لذلك اقترن يوم التراث بشبح أزمة اجتماعية اقتصادية غير مسبوقة لجميع سكان جنوب إفريقيا: يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضًا بنسبة 7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. والعواقب الاجتماعية واضحة فعلا مع زيادة حادة في التفاوت تؤثر بشكل رئيسي على السكان السود. لكن هل هذه الصورة المتشائمة تقوض الإرث الكامل ليوم التراث، الذي تم تبنيه بعد عامين من أول انتخابات ديمقراطية في جنوب إفريقيا؟
يوم التراث امام ادواء
جنوب إفريقيا
سياسيًا ورمزيًا، دمُر الاحتفال حقًا. فقد قرر حزب جوليوس ماليما الشعبوي -مقاتلو الحرية الاقتصادية، -المعروف بلكماته التي تستهدف الأقلية البيضاء على وجه التحديد، قرر مهاجمة يوم التراث في أسسه ذاتها. “لا يوجد إرث للاحتفال به طالما أن السود لا يملكون أرضًا ومستبعدين من الاقتصاد”، قال ماليما. وإذا لم يتغير خطابها، يبدو أن الحركة، في المقابل، أصبحت أكثر راديكالية.
على عكس السنوات السابقة، لم تسمح الإجراءات التقييدية بالتجمعات الكبرى، لذلك كان الاحتفاء عبر الشبكات الاجتماعية، مع حركة لنضع جنوب إفريقيا أولاً، التي نظمها عضو سابق في قوات الدفاع الجنوب أفريقية دعت إلى مسيرة مناهضة للمهاجرين أمام المفوض السامي النيجيري، برز حزب مقاتلي الحرية الاقتصادية.
فريسة الافروفوبيا اصلا، والتي هدفها “المميز” النيجيريين والزيمبابويين المتهمين بالاتجار غير المشروع بجميع أنواعه، والسطو على وظائف مواطني جنوب إفريقيا، يمكن أن تشهد الدولة مع الأزمة الحالية حلقات جديدة مثل تلك التي لوحظت في سبتمبر الماضي.
ان السياق الاقتصادي والاجتماعي المتفجر، وصعود الشعبوية وكراهية الأجانب، يدفعان الحكومة وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، على وجه الخصوص، للتفكير في المعنى الحقيقي لقيم يوم التراث. تجدر الإشارة إلى أن هذا الحزب التاريخي قد احتكر دائمًا هذا الاحتفال وكل التراث المرتبط به.
لطالما حارب المؤتمر الوطني الأفريقي المفهوم الخاطئ القائل بأن التنوع الثقافي في جنوب إفريقيا يشكل حاجزًا أمام بناء الدولة.
وماذا عن هذا اليوم؟ السؤال يستحق أن يُطرح بينما عرفت حركة التحرر الوطني السابقة، وفي السلطة منذ 26 عامًا، اختفاء آخر الشخصيات العظيمة من الجيل الأول من السياسيين الذين تميزوا بالنضال ضد الفصل العنصري، وفي الدفاع عن حقوق الانسان.
عودة إلى قيم حزب المؤتمر؟
ان تشهد رحيل آخر اثنين من المتهمين في محاكمة ريفونيا (1964) -دينيس غولبرغ في مايو، وأندرو ملانجيني في يوليو الماضي -وقريبا جدًا جورج بيزوس، المدافع عن حقوق الإنسان، محامي نيلسون مانديلا، لا بد ان يدفع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى استبطان ما يمثله هؤلاء في التراث التاريخي لجنوب إفريقيا.
لم يعد الأمر يتعلق بالثروة الثقافية واللغوية فحسب، بل يتعلق بالتراث التاريخي الذي تأسست عليه جنوب إفريقيا الجديدة، والذي يجب على حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي حمايته للأجيال القادمة.
كان آخر اثنين من قدامى المحاربين في ريفونيا بمثابة الذاكرة الجماعية لأبناء جيلهم. لقد طورا واعتمدا ميثاق الحرية الذي يقوم عليه دستور جنوب إفريقيا اليوم. ورغم أن هذه الوثيقة التاريخية غير كاملة، إلا أنها كانت حجر الأساس لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي لأكثر من 30 عامًا لمعالجة الظلم وتعزيز العدالة.
ومع ذلك، نرى اليوم أنه في سياق الوباء الذي يقوض السياق الاقتصادي والاجتماعي، مع مزيد من التفاوت بين سكان جنوب إفريقيا، ديون ضخمة، بطالة بنسبة 30 بالمائة، لا يشرّف حزب المؤتمر الوطني الأفريقي هذا “التراث التاريخي”، الممثّل في قدامى محاربي النضال ضد الفصل العنصري وحقوق الإنسان.
وتزداد خيانة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لهذا الموروث التاريخي، أنه منذ مجيئه إلى السلطة، ارتبطت بانتظام أعمال فساد بالحكومة، واتخذت نطاقًا مذهلًا، الى حد انه كان يفترض أن تقطع مع حكم الرئيس السابق زوما، وتبتعد عن دولة الفساد والفضائح. وبالرغم من الأزمة الصحية، تم الكشف عن وقائع فساد، وهي بالنسبة لكثيرين نتيجة مقربين من الحكومة أو الحزب، وهذا على حساب الوعود التي قطعها الرئيس سيريل رامافوزا.
لا شك أن يوم التراث يجب أن يكون لحظة تواصل بين جميع مواطني جنوب إفريقيا (وليس فقط الذين يعيشون في الداخل)، إلا أنه سيكون من الملحّ، باسم “التراث التاريخي” الذي يمثله المحاربين القدامى الراحلين، أن تنقل تصرفات الحكومة / حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تجديدًا إيجابيًا، حيث تحتاج ديمقراطية جنوب إفريقيا إلى التعزيز في مواجهة التحديات التي تواجهها.
* باحثة في مختبر أفريقيا في العالم، معهد العلوم السياسية بوردو.
تكريمًا لتنوعهم الثقافي واللغوي، فإن اليوم يرمز أيضًا للمصالحة وكذلك الاعتراف بكل الذين التزموا، خلال السنوات المظلمة من تاريخها، بجعل جنوب إفريقيا دولة ديمقراطية غير عنصرية، خالية من كل ظلم واثم. وطبعا، هذه السنة أفسد وباء كوفيد-19 الاحتفالية.
إن جنوب إفريقيا هي الدولة الأكثر تضررًا في القارة الأفريقية، لذلك اقترن يوم التراث بشبح أزمة اجتماعية اقتصادية غير مسبوقة لجميع سكان جنوب إفريقيا: يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضًا بنسبة 7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. والعواقب الاجتماعية واضحة فعلا مع زيادة حادة في التفاوت تؤثر بشكل رئيسي على السكان السود. لكن هل هذه الصورة المتشائمة تقوض الإرث الكامل ليوم التراث، الذي تم تبنيه بعد عامين من أول انتخابات ديمقراطية في جنوب إفريقيا؟
يوم التراث امام ادواء
جنوب إفريقيا
سياسيًا ورمزيًا، دمُر الاحتفال حقًا. فقد قرر حزب جوليوس ماليما الشعبوي -مقاتلو الحرية الاقتصادية، -المعروف بلكماته التي تستهدف الأقلية البيضاء على وجه التحديد، قرر مهاجمة يوم التراث في أسسه ذاتها. “لا يوجد إرث للاحتفال به طالما أن السود لا يملكون أرضًا ومستبعدين من الاقتصاد”، قال ماليما. وإذا لم يتغير خطابها، يبدو أن الحركة، في المقابل، أصبحت أكثر راديكالية.
على عكس السنوات السابقة، لم تسمح الإجراءات التقييدية بالتجمعات الكبرى، لذلك كان الاحتفاء عبر الشبكات الاجتماعية، مع حركة لنضع جنوب إفريقيا أولاً، التي نظمها عضو سابق في قوات الدفاع الجنوب أفريقية دعت إلى مسيرة مناهضة للمهاجرين أمام المفوض السامي النيجيري، برز حزب مقاتلي الحرية الاقتصادية.
فريسة الافروفوبيا اصلا، والتي هدفها “المميز” النيجيريين والزيمبابويين المتهمين بالاتجار غير المشروع بجميع أنواعه، والسطو على وظائف مواطني جنوب إفريقيا، يمكن أن تشهد الدولة مع الأزمة الحالية حلقات جديدة مثل تلك التي لوحظت في سبتمبر الماضي.
ان السياق الاقتصادي والاجتماعي المتفجر، وصعود الشعبوية وكراهية الأجانب، يدفعان الحكومة وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، على وجه الخصوص، للتفكير في المعنى الحقيقي لقيم يوم التراث. تجدر الإشارة إلى أن هذا الحزب التاريخي قد احتكر دائمًا هذا الاحتفال وكل التراث المرتبط به.
لطالما حارب المؤتمر الوطني الأفريقي المفهوم الخاطئ القائل بأن التنوع الثقافي في جنوب إفريقيا يشكل حاجزًا أمام بناء الدولة.
وماذا عن هذا اليوم؟ السؤال يستحق أن يُطرح بينما عرفت حركة التحرر الوطني السابقة، وفي السلطة منذ 26 عامًا، اختفاء آخر الشخصيات العظيمة من الجيل الأول من السياسيين الذين تميزوا بالنضال ضد الفصل العنصري، وفي الدفاع عن حقوق الانسان.
عودة إلى قيم حزب المؤتمر؟
ان تشهد رحيل آخر اثنين من المتهمين في محاكمة ريفونيا (1964) -دينيس غولبرغ في مايو، وأندرو ملانجيني في يوليو الماضي -وقريبا جدًا جورج بيزوس، المدافع عن حقوق الإنسان، محامي نيلسون مانديلا، لا بد ان يدفع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى استبطان ما يمثله هؤلاء في التراث التاريخي لجنوب إفريقيا.
لم يعد الأمر يتعلق بالثروة الثقافية واللغوية فحسب، بل يتعلق بالتراث التاريخي الذي تأسست عليه جنوب إفريقيا الجديدة، والذي يجب على حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي حمايته للأجيال القادمة.
كان آخر اثنين من قدامى المحاربين في ريفونيا بمثابة الذاكرة الجماعية لأبناء جيلهم. لقد طورا واعتمدا ميثاق الحرية الذي يقوم عليه دستور جنوب إفريقيا اليوم. ورغم أن هذه الوثيقة التاريخية غير كاملة، إلا أنها كانت حجر الأساس لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي لأكثر من 30 عامًا لمعالجة الظلم وتعزيز العدالة.
ومع ذلك، نرى اليوم أنه في سياق الوباء الذي يقوض السياق الاقتصادي والاجتماعي، مع مزيد من التفاوت بين سكان جنوب إفريقيا، ديون ضخمة، بطالة بنسبة 30 بالمائة، لا يشرّف حزب المؤتمر الوطني الأفريقي هذا “التراث التاريخي”، الممثّل في قدامى محاربي النضال ضد الفصل العنصري وحقوق الإنسان.
وتزداد خيانة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لهذا الموروث التاريخي، أنه منذ مجيئه إلى السلطة، ارتبطت بانتظام أعمال فساد بالحكومة، واتخذت نطاقًا مذهلًا، الى حد انه كان يفترض أن تقطع مع حكم الرئيس السابق زوما، وتبتعد عن دولة الفساد والفضائح. وبالرغم من الأزمة الصحية، تم الكشف عن وقائع فساد، وهي بالنسبة لكثيرين نتيجة مقربين من الحكومة أو الحزب، وهذا على حساب الوعود التي قطعها الرئيس سيريل رامافوزا.
لا شك أن يوم التراث يجب أن يكون لحظة تواصل بين جميع مواطني جنوب إفريقيا (وليس فقط الذين يعيشون في الداخل)، إلا أنه سيكون من الملحّ، باسم “التراث التاريخي” الذي يمثله المحاربين القدامى الراحلين، أن تنقل تصرفات الحكومة / حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تجديدًا إيجابيًا، حيث تحتاج ديمقراطية جنوب إفريقيا إلى التعزيز في مواجهة التحديات التي تواجهها.
* باحثة في مختبر أفريقيا في العالم، معهد العلوم السياسية بوردو.