محمد بن راشد: نسعى لتوفير أفضل نوعيات الحياة للمواطن والمقيم والزائر
الفشل في التعامل بشكل حاسم مع القارة الإفريقية قد يكون له عواقب وخيمة
حرصاً على المصالح الأمريكية.. أفريقيا تمثل أهمية خاصة لدى ترامب
شددت لِيلي هارفي، باحثة خبيرة في الشؤون الإفريقية،على ضرورة أن تعمل إدارة الرئيس دونالد ترامب الجديدة على تطوير شراكة استراتيجية وديناميكية مع أفريقيا، رغم ازدحام أجندة سياسته الخارجية بالفعل بقضايا حاسمة مثل الحرب في أوكرانيا وطموحات إيران النووية والمنافسة الصينية.
وقالت الباحثة في مقالها في مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، إن إهمال أفريقيا وسط هذه التحديات من شأنه أن يعرض المصالح الأمريكية للخطر على المستويين المحلي والدولي.
نمط من الإهمال والمشاركة السطحية
وأشارت الباحثة إلى قضية متكررة في السياسة الخارجية الأمريكية تتمثل في ميلها التاريخي إلى التذبذب بين إهمال أفريقيا والانخراط في تفاعلات سطحية. فقد أعطى الانخراط الأمريكي مع أفريقيا الأولوية في كثير من الأحيان لأهداف ضيقة وقصيرة الأجل بدلاً من تعزيز الشراكات الحقيقية بدءاً من التدخلات العسكرية الأمريكية المبكرة في حروب البربر إلى المبادرات الدبلوماسية الأكثر حداثة.
وأوضحت الكاتبة أن هذا النهج ترك العديد من الدول الأفريقية عالقة في دورات من عدم الاستقرار والتخلف، مما يجعلها عرضة للاستغلال من قبل الجهات الفاعلة الخارجية مثل الصين وروسيا.
خلال فترة ولاية ترامب الأولى، عكست العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا هذا النمط. وتبنت إدارته نهجاً يركز على الأعمال التجارية، وأكد على المبادرات الاقتصادية مثل قانون النمو والفرصة في أفريقيا ومبادرة ازدهارها. في حين كانت هذه الجهود تهدف إلى تعزيز التجارة والاستثمار، فإنها تقوضت بسبب الافتقار إلى المشاركة الدبلوماسية والديمقراطية التكميلية.
على نحو مماثل، فشلت إدارة بايدن، رغم التأكيد على التواصل الدبلوماسي ومبادرات المناخ وتوزيع اللقاحات. ووصفت الكاتبة هذه الجهود بأنها غير متماسكة وسطحية، مما جعل الدول الأفريقية متشككة في نوايا واشنطن. وأدى التأخير في تقديم التمويل المناخي واللقاحات إلى تآكل الثقة، ما أدى إلى تأجيج الشكوك حول صدق مشاركة الولايات المتحدة.
أهمية أفريقيا
وشددت الكاتبة على أن دور إفريقيا في الجغرافيا السياسية العالمية أكثر أهمية من أي وقت مضى. اقتصادياً، تعد القارة موطناً لبعض أسرع الاقتصادات نمواً في العالم وأصغر السكان سناً، حيث يزيد عمر أكثر من 60% من مواطنيها عن 25 عاماً.
تخلق هذه الديناميكية الديموغرافية فرصاً كبيرة للنمو الاقتصادي والابتكار والتنمية. ومع ذلك، فإنها تفرض أيضاً تحديات، وخاصة فيما يتعلق بتلبية احتياجات البنية الأساسية والرعاية الصحية والتعليم. وسوف يتطلب معالجة هذه التحديات استثمارات كبيرة، ويسعى القادة الأفارقة بنشاط إلى إيجاد شركاء لدعم هذه الجهود.
وبجانب الاقتصاد، تلعب أفريقيا دوراً مهماً في قضايا الهجرة وتغير المناخ والأمن؛ فهي نقطة عبور للهجرة، مما يؤثر على الاستقرار الإقليمي في أوروبا والشرق الأوسط وخارجهما؛ وضعف أفريقيا في مواجهة تغير المناخ يجعل تقدمها هشاً بطبيعته، مع ارتفاع مخاطر انعدام الأمن الغذائي والنزوح والصراع في المناطق التي تعتمد على الزراعة، وكلها تحديات تتطلب مشاركة أكبر من جانب الولايات المتحدة لضمان التواجد والمنافسة.
صعود الصين وروسيا في إفريقيا
وأشارت هارفي إلى النفوذ المتزايد للصين وروسيا في القارة الأفريقية، مسلطةً الضوء على استراتيجياتهما المتميزة في التفاعل والمشاركة. فقد وضعت الصين نفسها كأكبر شريك اقتصادي لإفريقيا، حيث بلغ حجم التجارة السنوية 282 مليار دولار. وطورت بكين البنية التحتية لإفريقيا بشكل كبير، من السكك الحديدية إلى الموانئ، من خلال “مبادرة الحزام والطريق” الطموحة.
وأوضحت الباحثة أن المساعدات المالية الصينية تأتي غالباً بشروط أقل من المساعدات الغربية، مما يجعلها جذابة للغاية للحكومات الأفريقية. لم يعمل هذا النهج على تهميش الشركات الأمريكية فحسب، بل عزز أيضاً رواية الشراكة والامتنان بين الدول الأفريقية، وهو ما يتناقض بشكل حاد مع الموقف الأكثر انتقاداً المرتبط غالباً بالتدخلات الغربية.
من ناحية أخرى، تستخدم روسيا تكتيكات حقبة الحرب الباردة لتوسيع نفوذها من خلال كيانات مثل مجموعة فاغنر (تغير الاسم مؤخراً إلى فيلق أفريقيا)، وتستغل وسائل الإعلام لتأطير نفسها كشريك في التنمية لتقويض النفوذ الغربي.
فرصة للقيادة الأمريكية
ورغم هذه التحديات، ترى هارفي فرصة كبيرة للولايات المتحدة لإعادة تأكيد نفوذها في أفريقيا. وتزعم أن إدارة ترامب القادمة يمكن أن ترسم مساراً جديداً من خلال تنمية شراكة تتجاوز الدبلوماسية التقليدية. وينبغي أن تركز هذه الشراكة على تكثيف العلاقات الاقتصادية، وموازنة الالتزامات الأمنية، وإحياء جهود التنمية مع تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأوضحت الباحثة أن مثل هذه الاستراتيجية تتطلب من الولايات المتحدة أن تنظر إلى أفريقيا كشريك في الوقت الحاضر وليس كمنطقة ذات إمكانات مستقبلية. إن هذا التحول في المنظور يعني إعطاء الأولوية للسياسات التي تعمل على تمكين الشركات المحلية، ودعم التجارة العادلة، ومعالجة الاحتياجات الملحة للقارة. ويمكن للولايات المتحدة أن تضع نفسها كحليف موثوق به في رحلة التنمية في إفريقيا من خلال تعزيز النمو الاقتصادي الشامل وتوفير الدعم الهادف.
مخاطر التقاعس
وحذرت الباحثة من أن الفشل في التعامل بشكل حاسم مع أفريقيا قد يكون له عواقب وخيمة على المصالح الأمريكية ونفوذها في القارة، بما يسمح للصين وروسيا بتشكيل مستقبل القارة، وإعادة تعريف معايير التجارة والتنمية العالمية، وتآكل النفوذ الأمريكي.
من هنا، تقول الباحثة، إن المخاطر عالية، ويجب على إدارة ترامب أن تدرك أهمية أفريقيا كلاعب رئيس في العلاقات الدولية، بما يضمن بقاءها قادرة على المنافسة في عالم متعدد الأقطاب على نحو متزايد.