حمى تصيب أمريكا كل 4 أعوام.. الشرق الأوسط ليس مستنقعاً
وجّه المدير التنفيذي في مركز الشرق الأوسط لإعداد التقارير والتحليلات سيث فرانتزمان انتقاداً لما سماه “الحمى” الأمريكية التي تطال المراقبين وصناع القرار في واشنطن كل بضع سنوات، وتتجلى في المطالبات الحثيثة بالانسحاب من الشرق الأوسط.
يحرص فرانتزمان في مجلة “نيوزويك” الأمريكية على توضيح أن هذه الحمى ليست جديدة. ثمة دعوة مشابهة للخروج من “مستنقع” الشرق الأوسط نشرتها مجلة فورين أفيرز سنة 1992. الرئيس الأسبق جورج بوش الابن وصف بلاده بأنها مدمنة على النفط ولهذا السبب هي مدمنة على البقاء في الشرق الأوسط. وفي 2011، اقترح فيلم “منتصف مارس” من بطولة جورج كلوني أن تقليص حاجة الولايات المتحدة إلى النفط سيقلص الإرهاب. كذلك، قال باراك أوباما إن الشرق الأوسط يعاني من نزاعات تعود إلى ألف سنة خلت. وشجب ترامب الشرق الأوسط “الملطخ بالدماء” والمكوّن بمعظمه من الرمال، قائلاً إن بإمكان الولايات المتحدة ترك “الحروب الأبدية” وراءها.
وأضاف أمام مجموعة من الجنود في أكاديمية وست بوينت العسكرية أن دور الجنود الأمريكيين لا يكمن في “حل نزاعات قديمة على أراض بعيدة لم يسمع بها كثر حتى». الآن عادت هذه النزعة إلى الظهور مجدداً. ذكرت مجلة بوليتيكو أن مستشار جو بايدن لشؤون الأمن القومي جايك سوليفان أعاد هيكلة فريق الأمن القومي في مديريات الشرق الأوسط وآسيا مقلصاً الفريق المعني بالشرق الأوسط ومعززاً الوحدة التي تنسق السياسة الأمريكية في المنطقة الممتدة من المحيط الهندي إلى المحيط الهادئ. وأشار التقرير إلى أن إدارة بايدن تريد تفادي “مستنقع” آخر في الشرق الأوسط.
أضاف فرانتزمان أن الرواية الحتمية التي يسوقها مؤيدو الانسحاب تتمثل في عدم أهمية الشرق الأوسط وفي ضرورة تركيز واشنطن جهدها على “أقرانها القريبين” المنافسين لها مثل الصين وروسيا. تحتاج الولايات المتحدة إلى الابتعاد عن مكافحة التمرد وإطلاق جهود “جيوسياسية” كما إلى التعامل مع الدول الكبيرة لا مع أماكن غير محكومة مثل اليمن والصومال، وفقاً لادعاءات هذه الرواية.
يشرح الكاتب أن العطش لـ”سياسات الدولة الكبيرة” كان دوماً في صلب السياسة الخارجية الأمريكية لأنه يناسب نظريات النظام الدولي ونقاشات السياسة الخارجية “الواقعية”. يتعلق الأمر بالمصالح القومية وهو لا يتطلب خبرة إقليمية أو ضرورة معرفة المجموعات المختلفة في نيجيريا وأفغانستان مثلاً. من جهتها، بدأت مجموعة من الخبراء بنشر مقالات على أمل أن تحظى باهتمام الإدارة الجديدة. على سبيل المثال، كتب السفير الأمريكي السابق إلى سوريا روبرت فورد أن الولايات المتحدة فشلت في شرق سوريا وبأنه يمكنها أن تعتمد على تركيا وروسيا في سوريا.
يرد فرانتزمان بأن النظام التركي التسلطي الذي يشتري صواريخ أس-400 الروسية ويتعاون مع إيران يحب فكرة فورد، وكذلك روسيا. حجة الديبلوماسي أن الولايات المتحدة غير ناجحة في “بناء الدول”. وهذه رؤية خطأ للدور الأمريكي الناجح في سوريا. لم تحاول واشنطن قط بناء دولة شرقي سوريا. لم تقم الولايات المتحدة بالشيء الكثير هناك لكن حلفاءها في قوات سوريا الديموقراطية أنجزوا الكثير. واستغرب الكاتب كيف تخلّص الولايات المتحدة شرق سوريا من داعش ثم تقوم بتسليم المنطقة إلى أعداء أو دول مثل تركيا التي أثبتت أن دورها في سوريا هو القيام بتطهير عرقي للأقليات، الأقليات نفسها التي كانت الولايات المتحدة تعمل معها. ثمة غرابة أخرى في الحجة الدائمة عن كون الشرق الأوسط “مستنقعاً” وعن أن واشنطن “فشلت” وعليها “المغادرة».
يوضح فرانتزمان أن روسيا لا تنظر إلى المنطقة كمستنقع. هي تبني نفوذها في سوريا وليبيا وتعرض سلاحها للبيع على امتداد دول المنطقة. تعمل تركيا مع إيران وروسيا والصين لإقامة علاقات تجارية. وتريد إيران العمل مع الصين وروسيا وهي تزيد نفوذها في العراق وسوريا واليمن ولبنان. تنتقل الصين أيضاً إلى المنطقة. لا تبدو أي من هذه الدول قلقة من الالتزام المفتوح أو بناء الدول أو الحروب التي لا تنتهي. هي تريد زيادة التجارة والمبيعات العسكرية ودعم الحكومات أو المجموعات الوكيلة.
الحمى تصيب أمريكا فقط
يبدو أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تعاني من حمى كل أربعة أعوام حول دورها في الشرق الأوسط، وفقاً لفرانتزمان. سيكون حسناً لواشنطن أن تأخذ قسطاً من الراحة وأن تقنع نفسها بأن انسحاباً عشوائياً آخر يفيد مصلحتها. وأكد الكاتب ختاماً أن المنطقة ليست مستنقعاً وأن على الولايات المتحدة تأدية دور دعم الحلفاء والأصدقاء في الشرق الأوسط.