رئيس الدولة ورئيس أوزبكستان يبحثان علاقات البلدين وعدداً من القضايا الإقليمية والدولية
هوبير فيدرين: مذكرات أوباما كتاب يترك انطباعًا غريبًا
رحلة في قلب المكتب البيضاوي وحدود القوة الغربية
-- مذكرات الرئيس السابق أوباما تسمح لنا بالتغلغل بشكل أعمق في جحيم واشنطن
-- لا يخفي أوباما التناقض الذي لا يُغلب في كثير من الأحيان بين المثالية والواقعية
-- بدأت مقاربته للعالم بالتعامل مع عواقب الأزمة المالية الهائلة
-- هناك عشرات البلدان، كما قال أوباما مازحا، لا يستطيع الأمريكيون تحديد موقعها على الخريطة
-- كان لاذعا مع الفرنسي ساركوزي، وقاسيا على البريطاني ديفيد كاميرون، ولا يثق إلا في ميركل
لأي شخص يهتم بكيفية سير العالم وشؤونه، وطبعا، كيفية اتخاذ القرارات -أو عدم اتخاذها -في البيت الأبيض (باستثناء حلقة ترامب البشعة)، فإن 842 صفحة من المجلد الأول لمذكرات باراك أوباما آسرة.
بالتأكيد، سبق ان قرأنا مذكرات رؤساء آخرين، ولا سيما مذكرات جورج بوش الأب، بالتعاون مع الجنرال سكوكروفت، أو وزراء خارجية سابقين، مثل هيلاري كلينتون أو مادلين أولبرايت، لكن مذكرات الرئيس السابق أوباما تسمح لنا بالتغلغل بشكل أعمق في جحيم واشنطن.
ربما يعود ذلك الى ذكائه ووضوحه وموهبته البيداغوجية (هو نفسه يعترف بأنه غالبًا ما تكون نبرته نبرة أستاذ)؟ ومع ذلك، يمكننا أن نقيس بشكل أفضل الى أي حدّ يواجه “أقوى رجل على وجه البسيطة” عوائق دائمة، من الكونجرس -على سبيل المثال من ميتش مكونيل الذي سيتعايش معه جو بايدن -ومن البيروقراطيات، إلى الترهيب وأعمال من جميع الأشكال لجماعات الضغط القوية للغاية، إلى القوة المضايقة لوسائل الإعلام التي تجبره على مفاوضات مرهقة وقاسية.
يضاف إلى هذا، في حالته، الحرب البغيضة التي شنها ضده بعض الجمهوريين، وفي وقت مبكر من قبل دونالد ترامب، مما أدى إلى تفاقم حمّى حزب الشاي. وكان حينها الحزب الجمهوري، في نسخ نيكسون وكيسنجر وريغان وجورج بوش الأب، مجرد ذكرى، وقد نجا فقط من خلال جون ماكين.
ويشرح باراك أوباما بالتفصيل، وجيدا، وبحرارة، وبالأسلوب الأمريكي، الأسباب التي من أجلها اختار هذا او ذاك، والعلاقات في العمل، والمسار الذي من خلاله يعطي الرئيس موافقته في نهاية المطاف على هذا المشروع أو ذاك، أو بدء هذه العملية أو تلك. وجلي بالنسبة له أن “النضال النبيل” -لبناء نظام رعاية صحية لائق في الولايات المتحدة، أوباما كير -ضد كل العوائق، يفوق كل الاعتبارات الأخرى. ولوقف الاندفاع المتهور في العمليات الخارجية، الحروب الصليبية الحديثة، صرح ان “بناء الأمة يبدأ بنا”. لقد كان شبه استحالة التوصل إلى اتفاقات بين الحزبين، أمر مفجع بالنسبة له.
لا مسؤولية النظام الأمريكي
«هل كنت على استعداد لأن أصبح قائدًا دوليًا عظيمًا؟”، يسأل نفسه. بدأت مقاربته للعالم بالتعامل مع عواقب الأزمة المالية الهائلة الناجمة عن لا مسؤولية نظام الرهن العقاري الأمريكي. وعندما يتعلق الأمر بالأزمات الجيوسياسية بالمعنى الكلاسيكي، غالبًا ما يتبنى نظرة شاملة لدوافع ومشاعر خصومه. وهكذا يفضح مطولاً شكاوى بوتين، رئيس الوزراء آنذاك، من أن الغرب كذب على الروس وخدعهم، في حين أنه لا يخفي نفوره من شخصيته. ونفهم حينها الفشل المبرمج لسياسة إعادة الترتيب والتنسيق.
كان منتظرا بشدة بخصوص الشرق الأوسط، وها هو يشرح ذلك. إنه يظهر قربا وتفهماً تجاه العالم اليهودي وإسرائيل، يتعارض مع ما يصفه خصومه. قد يكون حادا بخصوص لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) ، “لوبي قوي، عابر للأحزاب، يضمن استمرار الولايات المتحدة في دعم إسرائيل دون قيد أو شرط” ، والذي “يمكن أن يمارس نفوذه على جميع مقاطعات البلاد تقريبًا، وكل السياسيين في واشنطن “(من بينهم هو، كما يشير). ويمكنه الاعتراف أن “البرلمانيين الذين ينتقدون إسرائيل بقسوة شديدة يتعرضون لخطر وصفهم بأنهم معادون لإسرائيل، وربما معادون للسامية، وأن يجدوا أمامهم في الانتخابات القادمة معارضًا له ميزانية مريحة. «
وفي نفس الوقت، يكتب “أن هناك صلة أساسية بين التجربة الحية للسود وتجربة اليهود”، “أن عرفات استخدم في كثير من الأحيان تكتيكات وضيعة (...) وأن القادة الفلسطينيين اضاعوا الكثير من فرص صنع السلام “، ووصف نتنياهو بأنه” ذكي، وماهر، وقوي».
ومن هنا، جاءت هذه الملاحظة بدون مكياج: “ان اختلافا طبيعيا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، حتى لو كان على رأس حكومة ائتلافية هشة، يكون له تكلفة سياسية لا مثيل لها في العلاقات مع الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا واليابان وكندا، أو أي حليف وثيق آخر. «
وسبق ان جرّب جورج دبليو بوش وجيمس بيكر ذلك. ونفهم بشكل أفضل من خلال قراءة هذه السطور الصادقة، انه في الأخير لم يكن لخطاب القاهرة الشهير، عام 2009، أي نتائج ملموسة، لهذا، عندما سيطلب منه جون كيري، الذي اختاره الرئيس وزيرًا للخارجية بعد هيلاري كلينتون، قبل مغادرته إلى الشرق الأوسط، تعليماته، سيقتصر رد اوباما على: “في حماية الرب!».
قصة عملية «جيرونيمو»
فيما يتعلق بإيران، يبدو أنه أكثر إصرارًا، وأقل تمزقًا، وأكثر واقعية، وبالتالي أكثر فاعلية، في تأمين الصفقة النووية الإيرانية الشهيرة التي شرع ترامب لاحقًا في تفكيكها بطريقة يأمل أن تكون نهائية، وأن بايدن -ربما -ينعشها.
ملاحظة مستمدة من سرد عملية القضاء على أسامة بن لادن: هي الاسم الرمزي الذي أطلق على هذا الاخير لأغراض العملية: “جيرونيمو”. هذا التشبيه بين زعيم قبائل الأباتشي، الذي اعترف في الأخير، قبل وفاته عام 1909، بهزيمة شعوبه بشرط أن يحميهم الرئيس كليفلاند -ولن يكون الأمر كذلك -والعدو اللدود للولايات المتحدة، الذي صمم أسوأ هجوم ضدهم، 11 سبتمبر، تقول الكثير عن النفسية الأمريكية العميقة، تجاه الذين يتحدونهم، دون أن يكون لديهم القوة، مثل الاتحاد السوفياتي لفترة طويلة، أو الصين اليوم، لترهيبهم.
واللافت في هذا الكتاب، هو أن كل الشرور الذي ينخر الديمقراطيات المعاصرة موجود، وتم توصيفه بشكل مثالي. وسبق ان أشرت إلى جماعات الضغط وقوتها الهائلة. ولعبتها هناك أكثر وضوحا من أي مكان آخر، إنها جزء لا يتجزأ من النظام الأمريكي... تكلفة وتمويل الحملات.
ما نعنيه بالمصطلح العام للشعبوية منذ أن بدأت الطبقات الشعبية، وتبعتها الطبقات الوسطى، في الانفصال عن العولمة، والتي يعتبر تطرف الحزب الجمهوري حتى تحوله الترامبي تعبيرًا عنها، بائنة للغاية. المعضلات الصارخة للقادة التقدميين. حول الربيع العربي، على سبيل المثال، وفيما يتعلق بالهجرة، حيث الإحراج الذي تعرض له الرئيس أوباما قابل للمقارنة (باستثناء الإسلاموية) بذاك الذي يعاني منه القادة الأوروبيون الأعضاء في شنغن.
ولا يخفي أوباما التناقض الذي لا يُغلب في كثير من الأحيان بين المثالية والواقعية. وأحيانًا ما يكون مؤثرًا في حواراته مع سامانثا باور، التي دعاها الى جانبه حتى تذكّره بصوت المثالية في بداياته، صوت تبشيري في الواقع، ونشر “قيمنا الكونية”. وكأنه الندم؟
مناورات صينية ولعب مزدوج
فيما يتعلق بالبيئة -سيكون من الأفضل القول الحاجة إلى تخضير جميع الأنشطة البشرية -نكتشف أن باراك أوباما أكثر قناعة مما قد نعتقد عند تذكر فشل مؤتمر كوبنهاغن عام 2009. لقد كان مقتنعًا في ذلك الوقت بأن قضية المناخ مهمة، وكذلك قضية التنوع البيولوجي، وليس فقط لأن ابنته ماليا سألته عما سيفعله لإنقاذ النمور.
انه يصف التقلبات والمنعطفات في الاستعدادات لمؤتمر كوبنهاغن، والمزالق، والمناورات التي أجبر عليها، واللعبة المزدوجة للصينيين. انه عرض جيد لعجز العمل المتعدد الاطراف، طريقة يمكن أن تثبت شللها، عندما لا يتم وضعها في خدمة إرادة واضحة وحازمة للغاية، كما كان الحال في باريس عام 2016.
وماذا عنا؟ حتى لو تأثرت ادعاءاتنا الطبيعية بذلك، يجب أن نعترف بأنه لا اعتبار لنا. ملهموه هم غاندي أو مانديلا أو هافيل. السياسة الخارجية الفرنسية لم تذكر تقريبا. لقد نقدنا ملاحظات أوباما اللاذعة بشأن نيكولا ساركوزي، لكن ديفيد كاميرون لم يعامل بشكل أفضل. علاوة على ذلك، من الواضح أن مبادرات القادة الفرنسيين والبريطانيين في الأزمة الليبية أغضبت الرئيس الأمريكي الذي سعى لاستعادة السيطرة دون أن يتدخل كثيرا.
عندما يستحضر زيارته إلى نورماندي، حيث تمت دعوته من قبل الرئيس ساركوزي إلى فعاليات “دي داي”، يلقي بفقرة في صفحة واحدة يستحضر فيها مقبرة عسكرية أمريكية، بعد أن سرد في عدة صفحات الزيارة التي قام بها سابقًا إلى ألمانيا وإلى معسكر بوخنفالد. من الواضح أنه في أوروبا، يثق فقط بأنجيلا ميركل، لكن هذا لم يدفعه إلى فعل أي شيء مهم معها.
أوروبا ليست في الحساب
في الواقع، في العالم الخارجي، “الفضلات” هم نحن، الحلفاء الأقل أهمية. وجليّا أن هناك عشرات البلدان، كما قال أوباما مازحا، لا يستطيع الأمريكيون تحديد موقعها على الخريطة.
ما يهم حقًا هو إسرائيل، والشركاء الذين لا يمكن تعويضهم مثل شبه الجزيرة العربية، والدول التي تثير المشاكل مثل إيران، والدول التي تمثل تهديدا بزعماء غير وديين مثل روسيا، ودول مهمة ولكننا لا نعرف ما يجب أن نفعله معها مثل الهند، وحلفاء آسيويون لا يجب إهمالهم مثل اليابان أو كوريا الجنوبية (وتايوان؟)، وبالطبع، الصين التي يبدو أن أوباما هو ما قبل ترامب، بما أنه ابرم اتفاقية تجارية كبرى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من دون الصين، والتي كنسها ترامب بغباء، واستعادتها في النهاية الصين واليابان!
اذن، في الحقيقة، تنتظر واشنطن من حلفائها في المحيط الأطلسي أن يصطفوا وراءها مطيعين وديعين. ويبدو أن هذا يناسبها. وفي عهد أوباما أيضًا، صاغ وزير الدفاع روبرت جيتس بوضوح مطلبًا بأن يزيد الحلفاء داخل الناتو جهودهم في الإنفاق إلى 2 بالمائة من ميزانيتهم.
ويجب علينا أن نكون على دراية بهذا عند صياغة مبادراتنا لأوروبا، لأنها تعبر عن الواقع العميق لأمريكا في القرن الحادي والعشرين، التي تتحداها الصين، حتى عندما لا تتخذ شكل الأحادية المدمرة على غرار ترامب. نحن والأمريكيون أصبحنا “أبناء عمومة».
حدود القوة الغربية
هذا الكتاب الاخاذ، الذي يحتوي على العديد من التطورات الأخرى، يترك انطباعًا غريبًا. يتم نقلنا، كما في تمرين في الواقع المعزز، الى قلب المكتب البيضاوي، والى حيث نلمس حدود القوة الغربية: الحدود الداخلية للديمقراطيات الحديثة التي تنخرها جميع أنواع الشرور (ولكن، دعونا نكرر، الشعبوية هي نتيجة، ومنتج ثانوي، وليست سببًا)، وحدود خارجية في عالم يصفه الأمين العام للأمم المتحدة بأنه فوضوي، وهو أقرب إلى حلبة صراع حيث يدافع كل عن مصالحه، منه إلى “مجتمع” دولي. اننا نرى بوضوح سلطات الممانعة، ولكن في النهاية من يقرر ماذا؟ نفكر في الماضي بحنين إلى الرئيس ترومان، عندما سئل عن برنامجه وأجاب، “سأكون من يقرر. «
سيجد البعض أن أوباما أستاذ للغاية، وأبوي للغاية، ومتعال، بالمعنى الفكري بعض الشيء. ومع ذلك. قلت يوما لهنري كيسنجر، “مهما يكن، فهم أوباما العالم”، قال، “نعم، لكنه لم يفهم أمريكا”، ولأول مرة، سأعبّر عن اختلاف بسيط مع هنري الشهير. ان أوباما، لحسن الحظ، أحد وجوه أمريكا. نظرته إلى العالم، بما فيها نظرته الينا، ونجاحاته وإخفاقاته، هي منتوج أمريكي خالص. ونتيجة لذلك، ورغم جاذبيته التي لا تضاهى، والأوهام التي ولدتها ظاهرة أن الأمريكيين “انتخبوا رجلاً أسودًا”، أو تلك التي أثارها خطابه عن العالم عام 2009 بين المحلفين الحائزين على جائزة نوبل حول عالم خالٍ من الأسلحة النووية، لا يملك إجابة لمشاكلنا، حتى عندما يكون رائعًا أو جذابًا بجنون. والاهتمام الذي قد نعيره اياه، لا يعفينا من القرارات الصعبة التي يتعين علينا نحن الأوروبيين اتخاذها، إذا كنا لا نريد الخروج من التاريخ.
أود أن أنهي حديثي بمديح غير تقليدي لأوباما. أولاً، فكاهته التي أغضبت بعض مواطنيه، على سبيل المثال عندما قال إن الأمريكيين يعتبرون أنفسهم استثنائيين، لكن الشعوب الأخرى أيضًا! ومن ثم الوضوح والشجاعة التي أظهرها في بعض الموضوعات الحساسة للغاية. خطابه في فيلادلفيا قبل انتخابه عن أمريكا ما بعد العنصرية، وخطابه في أكرا عام 2009 حيث قال للأفارقة أنهم لم يعودوا قادرين على شرح مشاكلهم وإخفاقاتهم من خلال العبودية والاستعمار وحدهما. بل وأكثر من ذلك، تحذيره الأخير ضد ثقافة الإلغاء والاقصاء، هذا الشكل الشمولي من الحرمان أو الشمولية التي تولد من جديد في الجامعات وفي بعض وسائل الإعلام الأمريكية. لا أعرف من هو الشعب الاستثنائي، لكنني أعلم أنه هو بالتأكيد كذلك.
* الأمين العام السابق للإليزيه في عهد فرانسوا ميتران ووزيراً للخارجية من 1997 إلى 2002. وقد نشر في الآونة الأخيرة “وماذا بعد؟ “، منشورات فايارد
-- لا يخفي أوباما التناقض الذي لا يُغلب في كثير من الأحيان بين المثالية والواقعية
-- بدأت مقاربته للعالم بالتعامل مع عواقب الأزمة المالية الهائلة
-- هناك عشرات البلدان، كما قال أوباما مازحا، لا يستطيع الأمريكيون تحديد موقعها على الخريطة
-- كان لاذعا مع الفرنسي ساركوزي، وقاسيا على البريطاني ديفيد كاميرون، ولا يثق إلا في ميركل
لأي شخص يهتم بكيفية سير العالم وشؤونه، وطبعا، كيفية اتخاذ القرارات -أو عدم اتخاذها -في البيت الأبيض (باستثناء حلقة ترامب البشعة)، فإن 842 صفحة من المجلد الأول لمذكرات باراك أوباما آسرة.
بالتأكيد، سبق ان قرأنا مذكرات رؤساء آخرين، ولا سيما مذكرات جورج بوش الأب، بالتعاون مع الجنرال سكوكروفت، أو وزراء خارجية سابقين، مثل هيلاري كلينتون أو مادلين أولبرايت، لكن مذكرات الرئيس السابق أوباما تسمح لنا بالتغلغل بشكل أعمق في جحيم واشنطن.
ربما يعود ذلك الى ذكائه ووضوحه وموهبته البيداغوجية (هو نفسه يعترف بأنه غالبًا ما تكون نبرته نبرة أستاذ)؟ ومع ذلك، يمكننا أن نقيس بشكل أفضل الى أي حدّ يواجه “أقوى رجل على وجه البسيطة” عوائق دائمة، من الكونجرس -على سبيل المثال من ميتش مكونيل الذي سيتعايش معه جو بايدن -ومن البيروقراطيات، إلى الترهيب وأعمال من جميع الأشكال لجماعات الضغط القوية للغاية، إلى القوة المضايقة لوسائل الإعلام التي تجبره على مفاوضات مرهقة وقاسية.
يضاف إلى هذا، في حالته، الحرب البغيضة التي شنها ضده بعض الجمهوريين، وفي وقت مبكر من قبل دونالد ترامب، مما أدى إلى تفاقم حمّى حزب الشاي. وكان حينها الحزب الجمهوري، في نسخ نيكسون وكيسنجر وريغان وجورج بوش الأب، مجرد ذكرى، وقد نجا فقط من خلال جون ماكين.
ويشرح باراك أوباما بالتفصيل، وجيدا، وبحرارة، وبالأسلوب الأمريكي، الأسباب التي من أجلها اختار هذا او ذاك، والعلاقات في العمل، والمسار الذي من خلاله يعطي الرئيس موافقته في نهاية المطاف على هذا المشروع أو ذاك، أو بدء هذه العملية أو تلك. وجلي بالنسبة له أن “النضال النبيل” -لبناء نظام رعاية صحية لائق في الولايات المتحدة، أوباما كير -ضد كل العوائق، يفوق كل الاعتبارات الأخرى. ولوقف الاندفاع المتهور في العمليات الخارجية، الحروب الصليبية الحديثة، صرح ان “بناء الأمة يبدأ بنا”. لقد كان شبه استحالة التوصل إلى اتفاقات بين الحزبين، أمر مفجع بالنسبة له.
لا مسؤولية النظام الأمريكي
«هل كنت على استعداد لأن أصبح قائدًا دوليًا عظيمًا؟”، يسأل نفسه. بدأت مقاربته للعالم بالتعامل مع عواقب الأزمة المالية الهائلة الناجمة عن لا مسؤولية نظام الرهن العقاري الأمريكي. وعندما يتعلق الأمر بالأزمات الجيوسياسية بالمعنى الكلاسيكي، غالبًا ما يتبنى نظرة شاملة لدوافع ومشاعر خصومه. وهكذا يفضح مطولاً شكاوى بوتين، رئيس الوزراء آنذاك، من أن الغرب كذب على الروس وخدعهم، في حين أنه لا يخفي نفوره من شخصيته. ونفهم حينها الفشل المبرمج لسياسة إعادة الترتيب والتنسيق.
كان منتظرا بشدة بخصوص الشرق الأوسط، وها هو يشرح ذلك. إنه يظهر قربا وتفهماً تجاه العالم اليهودي وإسرائيل، يتعارض مع ما يصفه خصومه. قد يكون حادا بخصوص لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) ، “لوبي قوي، عابر للأحزاب، يضمن استمرار الولايات المتحدة في دعم إسرائيل دون قيد أو شرط” ، والذي “يمكن أن يمارس نفوذه على جميع مقاطعات البلاد تقريبًا، وكل السياسيين في واشنطن “(من بينهم هو، كما يشير). ويمكنه الاعتراف أن “البرلمانيين الذين ينتقدون إسرائيل بقسوة شديدة يتعرضون لخطر وصفهم بأنهم معادون لإسرائيل، وربما معادون للسامية، وأن يجدوا أمامهم في الانتخابات القادمة معارضًا له ميزانية مريحة. «
وفي نفس الوقت، يكتب “أن هناك صلة أساسية بين التجربة الحية للسود وتجربة اليهود”، “أن عرفات استخدم في كثير من الأحيان تكتيكات وضيعة (...) وأن القادة الفلسطينيين اضاعوا الكثير من فرص صنع السلام “، ووصف نتنياهو بأنه” ذكي، وماهر، وقوي».
ومن هنا، جاءت هذه الملاحظة بدون مكياج: “ان اختلافا طبيعيا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، حتى لو كان على رأس حكومة ائتلافية هشة، يكون له تكلفة سياسية لا مثيل لها في العلاقات مع الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا واليابان وكندا، أو أي حليف وثيق آخر. «
وسبق ان جرّب جورج دبليو بوش وجيمس بيكر ذلك. ونفهم بشكل أفضل من خلال قراءة هذه السطور الصادقة، انه في الأخير لم يكن لخطاب القاهرة الشهير، عام 2009، أي نتائج ملموسة، لهذا، عندما سيطلب منه جون كيري، الذي اختاره الرئيس وزيرًا للخارجية بعد هيلاري كلينتون، قبل مغادرته إلى الشرق الأوسط، تعليماته، سيقتصر رد اوباما على: “في حماية الرب!».
قصة عملية «جيرونيمو»
فيما يتعلق بإيران، يبدو أنه أكثر إصرارًا، وأقل تمزقًا، وأكثر واقعية، وبالتالي أكثر فاعلية، في تأمين الصفقة النووية الإيرانية الشهيرة التي شرع ترامب لاحقًا في تفكيكها بطريقة يأمل أن تكون نهائية، وأن بايدن -ربما -ينعشها.
ملاحظة مستمدة من سرد عملية القضاء على أسامة بن لادن: هي الاسم الرمزي الذي أطلق على هذا الاخير لأغراض العملية: “جيرونيمو”. هذا التشبيه بين زعيم قبائل الأباتشي، الذي اعترف في الأخير، قبل وفاته عام 1909، بهزيمة شعوبه بشرط أن يحميهم الرئيس كليفلاند -ولن يكون الأمر كذلك -والعدو اللدود للولايات المتحدة، الذي صمم أسوأ هجوم ضدهم، 11 سبتمبر، تقول الكثير عن النفسية الأمريكية العميقة، تجاه الذين يتحدونهم، دون أن يكون لديهم القوة، مثل الاتحاد السوفياتي لفترة طويلة، أو الصين اليوم، لترهيبهم.
واللافت في هذا الكتاب، هو أن كل الشرور الذي ينخر الديمقراطيات المعاصرة موجود، وتم توصيفه بشكل مثالي. وسبق ان أشرت إلى جماعات الضغط وقوتها الهائلة. ولعبتها هناك أكثر وضوحا من أي مكان آخر، إنها جزء لا يتجزأ من النظام الأمريكي... تكلفة وتمويل الحملات.
ما نعنيه بالمصطلح العام للشعبوية منذ أن بدأت الطبقات الشعبية، وتبعتها الطبقات الوسطى، في الانفصال عن العولمة، والتي يعتبر تطرف الحزب الجمهوري حتى تحوله الترامبي تعبيرًا عنها، بائنة للغاية. المعضلات الصارخة للقادة التقدميين. حول الربيع العربي، على سبيل المثال، وفيما يتعلق بالهجرة، حيث الإحراج الذي تعرض له الرئيس أوباما قابل للمقارنة (باستثناء الإسلاموية) بذاك الذي يعاني منه القادة الأوروبيون الأعضاء في شنغن.
ولا يخفي أوباما التناقض الذي لا يُغلب في كثير من الأحيان بين المثالية والواقعية. وأحيانًا ما يكون مؤثرًا في حواراته مع سامانثا باور، التي دعاها الى جانبه حتى تذكّره بصوت المثالية في بداياته، صوت تبشيري في الواقع، ونشر “قيمنا الكونية”. وكأنه الندم؟
مناورات صينية ولعب مزدوج
فيما يتعلق بالبيئة -سيكون من الأفضل القول الحاجة إلى تخضير جميع الأنشطة البشرية -نكتشف أن باراك أوباما أكثر قناعة مما قد نعتقد عند تذكر فشل مؤتمر كوبنهاغن عام 2009. لقد كان مقتنعًا في ذلك الوقت بأن قضية المناخ مهمة، وكذلك قضية التنوع البيولوجي، وليس فقط لأن ابنته ماليا سألته عما سيفعله لإنقاذ النمور.
انه يصف التقلبات والمنعطفات في الاستعدادات لمؤتمر كوبنهاغن، والمزالق، والمناورات التي أجبر عليها، واللعبة المزدوجة للصينيين. انه عرض جيد لعجز العمل المتعدد الاطراف، طريقة يمكن أن تثبت شللها، عندما لا يتم وضعها في خدمة إرادة واضحة وحازمة للغاية، كما كان الحال في باريس عام 2016.
وماذا عنا؟ حتى لو تأثرت ادعاءاتنا الطبيعية بذلك، يجب أن نعترف بأنه لا اعتبار لنا. ملهموه هم غاندي أو مانديلا أو هافيل. السياسة الخارجية الفرنسية لم تذكر تقريبا. لقد نقدنا ملاحظات أوباما اللاذعة بشأن نيكولا ساركوزي، لكن ديفيد كاميرون لم يعامل بشكل أفضل. علاوة على ذلك، من الواضح أن مبادرات القادة الفرنسيين والبريطانيين في الأزمة الليبية أغضبت الرئيس الأمريكي الذي سعى لاستعادة السيطرة دون أن يتدخل كثيرا.
عندما يستحضر زيارته إلى نورماندي، حيث تمت دعوته من قبل الرئيس ساركوزي إلى فعاليات “دي داي”، يلقي بفقرة في صفحة واحدة يستحضر فيها مقبرة عسكرية أمريكية، بعد أن سرد في عدة صفحات الزيارة التي قام بها سابقًا إلى ألمانيا وإلى معسكر بوخنفالد. من الواضح أنه في أوروبا، يثق فقط بأنجيلا ميركل، لكن هذا لم يدفعه إلى فعل أي شيء مهم معها.
أوروبا ليست في الحساب
في الواقع، في العالم الخارجي، “الفضلات” هم نحن، الحلفاء الأقل أهمية. وجليّا أن هناك عشرات البلدان، كما قال أوباما مازحا، لا يستطيع الأمريكيون تحديد موقعها على الخريطة.
ما يهم حقًا هو إسرائيل، والشركاء الذين لا يمكن تعويضهم مثل شبه الجزيرة العربية، والدول التي تثير المشاكل مثل إيران، والدول التي تمثل تهديدا بزعماء غير وديين مثل روسيا، ودول مهمة ولكننا لا نعرف ما يجب أن نفعله معها مثل الهند، وحلفاء آسيويون لا يجب إهمالهم مثل اليابان أو كوريا الجنوبية (وتايوان؟)، وبالطبع، الصين التي يبدو أن أوباما هو ما قبل ترامب، بما أنه ابرم اتفاقية تجارية كبرى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من دون الصين، والتي كنسها ترامب بغباء، واستعادتها في النهاية الصين واليابان!
اذن، في الحقيقة، تنتظر واشنطن من حلفائها في المحيط الأطلسي أن يصطفوا وراءها مطيعين وديعين. ويبدو أن هذا يناسبها. وفي عهد أوباما أيضًا، صاغ وزير الدفاع روبرت جيتس بوضوح مطلبًا بأن يزيد الحلفاء داخل الناتو جهودهم في الإنفاق إلى 2 بالمائة من ميزانيتهم.
ويجب علينا أن نكون على دراية بهذا عند صياغة مبادراتنا لأوروبا، لأنها تعبر عن الواقع العميق لأمريكا في القرن الحادي والعشرين، التي تتحداها الصين، حتى عندما لا تتخذ شكل الأحادية المدمرة على غرار ترامب. نحن والأمريكيون أصبحنا “أبناء عمومة».
حدود القوة الغربية
هذا الكتاب الاخاذ، الذي يحتوي على العديد من التطورات الأخرى، يترك انطباعًا غريبًا. يتم نقلنا، كما في تمرين في الواقع المعزز، الى قلب المكتب البيضاوي، والى حيث نلمس حدود القوة الغربية: الحدود الداخلية للديمقراطيات الحديثة التي تنخرها جميع أنواع الشرور (ولكن، دعونا نكرر، الشعبوية هي نتيجة، ومنتج ثانوي، وليست سببًا)، وحدود خارجية في عالم يصفه الأمين العام للأمم المتحدة بأنه فوضوي، وهو أقرب إلى حلبة صراع حيث يدافع كل عن مصالحه، منه إلى “مجتمع” دولي. اننا نرى بوضوح سلطات الممانعة، ولكن في النهاية من يقرر ماذا؟ نفكر في الماضي بحنين إلى الرئيس ترومان، عندما سئل عن برنامجه وأجاب، “سأكون من يقرر. «
سيجد البعض أن أوباما أستاذ للغاية، وأبوي للغاية، ومتعال، بالمعنى الفكري بعض الشيء. ومع ذلك. قلت يوما لهنري كيسنجر، “مهما يكن، فهم أوباما العالم”، قال، “نعم، لكنه لم يفهم أمريكا”، ولأول مرة، سأعبّر عن اختلاف بسيط مع هنري الشهير. ان أوباما، لحسن الحظ، أحد وجوه أمريكا. نظرته إلى العالم، بما فيها نظرته الينا، ونجاحاته وإخفاقاته، هي منتوج أمريكي خالص. ونتيجة لذلك، ورغم جاذبيته التي لا تضاهى، والأوهام التي ولدتها ظاهرة أن الأمريكيين “انتخبوا رجلاً أسودًا”، أو تلك التي أثارها خطابه عن العالم عام 2009 بين المحلفين الحائزين على جائزة نوبل حول عالم خالٍ من الأسلحة النووية، لا يملك إجابة لمشاكلنا، حتى عندما يكون رائعًا أو جذابًا بجنون. والاهتمام الذي قد نعيره اياه، لا يعفينا من القرارات الصعبة التي يتعين علينا نحن الأوروبيين اتخاذها، إذا كنا لا نريد الخروج من التاريخ.
أود أن أنهي حديثي بمديح غير تقليدي لأوباما. أولاً، فكاهته التي أغضبت بعض مواطنيه، على سبيل المثال عندما قال إن الأمريكيين يعتبرون أنفسهم استثنائيين، لكن الشعوب الأخرى أيضًا! ومن ثم الوضوح والشجاعة التي أظهرها في بعض الموضوعات الحساسة للغاية. خطابه في فيلادلفيا قبل انتخابه عن أمريكا ما بعد العنصرية، وخطابه في أكرا عام 2009 حيث قال للأفارقة أنهم لم يعودوا قادرين على شرح مشاكلهم وإخفاقاتهم من خلال العبودية والاستعمار وحدهما. بل وأكثر من ذلك، تحذيره الأخير ضد ثقافة الإلغاء والاقصاء، هذا الشكل الشمولي من الحرمان أو الشمولية التي تولد من جديد في الجامعات وفي بعض وسائل الإعلام الأمريكية. لا أعرف من هو الشعب الاستثنائي، لكنني أعلم أنه هو بالتأكيد كذلك.
* الأمين العام السابق للإليزيه في عهد فرانسوا ميتران ووزيراً للخارجية من 1997 إلى 2002. وقد نشر في الآونة الأخيرة “وماذا بعد؟ “، منشورات فايارد