في أعلى دوائر السلطة:

روسيا: جرائم الساونا تثير القلق وتطرح أسئلة...!

روسيا: جرائم الساونا تثير القلق وتطرح أسئلة...!

-- اشتهر ماروغوف بإمبراطوريته الصناعية، ولكن بشكل خاص بسبب مشاكله مع زوجته السابقة، الشاعرة تاتيانا ماروفا
-- مع الأزمة الاقتصادية، راكم رجل الأعمال فواتير غير مدفوعة
-- تحمل الاغتيالات بصمة أسوأ ساعات التسعينات، عندما كانت الخلافات الاقتصادية تسوّى بالدم
-- مقتل بيتروف، تـم قبل يومين من الاستماع إليه كشاهد في قضية اختلاس أموال البلدية
-- هيلينا بيرود: ليس هناك التباس ولا غموض: قتل «سيد فيبورغ» جريمة مافيا


   السبت 24 أكتوبر 2020، 6.30 مساءً، مع غروب النهار فوق قرية فيليكوي الهادئة، تبلغ درجة الحرارة بالكاد درجتين.
يقضي النائب ألكسندر بيتروف بعض عطـــــلات نهاية الأســــبوع في قصره الضخم المسيَّج والمحروس جيدًا، والـذي يقــــــع على بعد حوالي 30 كيلومترًا من مدينة فيبورغ الساحلية، على الحدود مع فنلندا.

 وصل رجل الأعمال البالغ من العمر 61 عامًا، وهو شخصية مؤثرة في هذه المنطقة القريبة من سانت بطرسبرغ، وعضو في حزب روسيا الموحدة بقيادة الرئيس فلاديميـــر بوتين، في وقت سابق بعد الظهر.
   وككل مرة يذهب فيها إلى مقرّ إجازته، طلب من موظفيه تدفئة بانيا، الساونا الروسية التقليدية، التي تقع في شاليه خشبي، حيث يحب الاسترخاء. وعندما يخرج، يتجه إلى ذراع بحر البلطيق بجانب فيلاه للحصول على حمام جليدي. لكن في ذلك المساء، لم يكن امام ألكسندر بيتروف متّسع من الوقت للوصول إلى الشـــاطئ... أصابته نيران قناص برصاصة في صدره. مات “سيد فيبورغ” كما يلقّب.

«بوتين لا يريد أي ضجة»
   حسب الشرطة، التي تم إرسالها من سانت بطرسبرغ بعد أن استنجد بها أحد حراس بتروف الشخصيين، كان القاتل يقف على الجانب الآخر من المدخل، على بعد 250 مترًا من هدفه. سهّل الليل هروبه في المستنقعات، ولم يتم العثور على أسلحة. مجرد طوف متروك وبعض آثار الأقدام.
  من قتل رجل الأعمال؟ هناك العديد من الفرضيات. وفقًا للموقع الاخباري كورييه دو روسي، كان لدى بيتروف -المالك الجزئي لشركة فيبورغ لبناء السفن كاسحة الجليد، وحوالي 40 شركة إقليمية كبيرة أخرى -العديد من الأعداء.
   بعد يومين من مقتله، كان من المقرر الاستماع إليه كشاهد في قضية اختلاس أموال البلدية، التي تقدر حسب العدالة بـ 1.5 مليار روبل، أي أكثر من 16 مليون يورو.

 هل منع من الكلام؟ “بوتين لا يريد قصصًا ولا رؤوسًا بارزة”، هذا ما صرح به ضابط شرطة فرنسي سابق، متخصص في روسيا.
   تنتشر الشائعات أيضًا حول أنشطة ألكسندر بيتروف في التسعينات، عندما كان يمتلك جزءً كبيرًا من حوض بناء السفن في فيبورغ، والذي يمكن ربطه بالجريمة المنظمة. كهربائي في الأصل، أقام بعد ذلك شراكة مع إيليا ترابر، الذي تقدمه المخابرات الفرنسية على أنه ينتمي إلى جماعة تامبوف الإجرامية، المعروف هو نفسه بأساليب الابتزاز في سوق الوقود. وفي ذاك الوقت، نمت دائرة نفوذ بتروف.
   وخلال هذه الفترة أيضًا قُتل صديق إيليا ترابر، نائب حاكم سانت بطرسبرغ ... برصاصة قناص. بعد أكثر من ثلاثين عامًا، هل جرائم القتل هذه مترابطة؟ “كل هذا العالم الصغير له ماض، يشرح الشرطي الفرنسي السابق، وفي مرحلة ما يتخاصم هؤلاء الرجال، ويصبحون غير قابلين للإدارة، ويقتلون بعضهم البعض. «

«لم يكن بيتروف ساذجا»
   كما تذكّرنا صحيفة “نوفايا غازيتا” الجادة للغاية، سبق أن اعتقل ألكسندر بيتروف عام 1994. وقضى عقوبة شهر في السجن بسبب الاشتباه في قيامه بالابتزاز. وقد خفّضت مدة السجن إلى الحد الأدنى لشهادته ضد زعيم جماعة إجرامية في فيبورغ، فلاديمير شكوروفسكي. وقُتل هذا الأخير برصاصة بندقية بعد بضعة أيام.
   «لم يكن بيتروف ساذجا”، تقول هيلينا بيرود، مؤلفة كتاب “روسي اسمه بوتين” (منشورات دو روشيه، 2018)، هذه المتعاونة السابقة لجاك شيراك في قصر الإليزيه، والمديرة السابقة للمعهد الفرنسي في سانت بطرسبرغ، على دراية جيدة بأسرار السلطة الروسية. ووفق رؤيتها، ليس هناك التباس ولا غموض: قتل “سيد فيبورغ” جريمة مافيا. “هذا الاغتيال يحمل ملامح ورائحة التسعينات، عندما، مع سقوط الاتحاد السوفياتي، حدثت الكثير من تصفية الحسابات في الدوائر الإجرامية.  وخلال تلك الفترة، كانت فيبورغ تشبه إلى حد ما شيكاغو في الثلاثينات”، كما تقول.

   كان بيتروف نفسه قد بدأ “التجارة غير المشروعة”، لمّا كان يعمل في دروزبا، وهو فندق كبير في فيبورغ، مع السياح الأجانب الذين تستهويهم البغايا والسوق السوداء والفودكا الرخيصة. ربما تم التحضير لاغتياله منذ فترة طويلة من قبل منافس. أو من قبل شركاء تجاريين تحاصرهم الديون. مع الأزمة الاقتصادية، رآكم رجل الأعمال فواتير غير مدفوعة.
   هل قام راعي جريمة القتل، المخطط لها بدقة، باستدعاء “فوري زاكون” (لصوص بالقانون، باللغة الروسية)؟ يشكل هؤلاء المجرمون المولودون في جورجيا نخبة المافيا، وخدموا في الجيش الأحمر، ويمكن التعرف عليهم من خلال وشمهم المشفر، بمناسبة سنوات سجنهم أو عدد الأشخاص الذين قتلوا.
   ويشتهر “الفوري” بالسرقة، ولكن أيضًا بقدرتهم على حل النزاعات بين الجماعات الإجرامية. عندما يتم القبض عليهم، لا ينحنون امام المحكمة أبدًا. وفي السنوات الأخيرة، انتقل الكثير منهم إلى أوروبا، غير ان القليل منهم ما زال ينشط سرا في روسيا. وهذا المسار هو أيضا قيد الدراسة.

سرقة غامضة لخزنة
   لكن، قبل أسبوع من مقتله، سُرقت خزنة لألكسندر بيتروف من احدى فيلاته الأخرى في تابيولا، وهي قرية ليست بعيدة عن فيبورغ، بينما كان في رحلة عمل إلى إسرائيل. لا توجد علامة على السطو، ولا بصمات لصوص، ولا أشياء ثمينة أخرى مفقودة. أبلغ الضحية السلطات عن السرقة لكنه لم يرغب في تقديم شكوى من أجل “عدم تشويه سمعته”، حسب قوله.

  داخل الخزنة، لا يزال، حسب بيتروف، 500 ألف روبل (حوالي 5500 يورو)، ساعات ووثائق قيمة. ما هي؟ هل كانت لهم علاقة بالمحاكمة التي كان سيشهد فيها؟ الغموض مرة أخرى. ولم يصدر أي تصريح من نجله، سائق الفورمولا 1 السابق، فيتالي بيتروف، الذي بلغ مجده عام 2010 في حلبات الصين وألمانيا والمجر. في روسيا، راكم أيضًا الألقاب، الى درجة أن الرئيس فلاديمير بوتين نفسه أراد اختبار سيارته.    علم فيتالي بوفاة والده، الذي موّل مسيرته إلى حد كبير، أثناء عمله كمفوض لسباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1 في بورتيماو، البرتغال. وغادر سائق فريق رينو السابق، الحلبة في عجلة من أمره للعودة إلى شقيقه الأصغر ووالدته: “إنه أسوأ شيء يمكن أن يحدث لي”، قال، لا حدود لألمي... فقدت عائلتنا أقرب شخص، والاحبّ، والأكثر اخلاصًا، والأطيب في العالم».
   لا يزال التحقيق في وفاة ألكسندر بيتروف مستمراً، وعهد بالقضية إلى المكتب المركزي للجنة التحقيق في روسيا، وهي مجموعة من قضاة التحقيق الموضوعين مباشرة تحت سلطة الرئيس بوتين، ويتولون الجرائم التي تتعلق بشخصيات مرموقة ورفيعة المستوى. و”هذا يؤكد أهمية الحدث”، يعتبر الشرطي الفرنسي السابق.

قتل “ملك النقانق” بقوس
  الروس يتساءلون، لأن رجل أعمال آخر أقل شهرة، فلاديمير ماروغوف، اغتيل. توفي الرجل الملقب بـ “ملك النقانق” في 2 نوفمبر، في استرا بالقرب من موسكو وعلى بعد أكثر من 800 كيلومتر من فيبورغ.
   رجل الأعمال الثري هذا، 54 عامًا، والمتخصص في اللحوم الباردة، قُتل أيضًا بالرصاص ... في بانيا. كان يأخذ حمام بخار مع شريكته سابينا غازييفا، عندما دخل رجلان إلى الساونا وقيداهما، مطالبان بالمال. تمكنت الفتاة، 36 عامًا، من الفرار، لكن عشيقها قتل بقوس ونشاب.

  اشتهر ماروغوف بإمبراطوريته الصناعية، ولكن بشكل خاص بسبب مشاكله الزوجية مع زوجته السابقة، الشاعرة تاتيانا ماروفا. أثناء طلاقهما، صرخت على شاشات التلفزيون الروسي: “تلقيت تهديدات بالقتل منه، صدقوني، لن يتوقف حتى يسحقني”. تنازل ماروغوف عن جزء من ثروته لها، قبل أن يتراجع، لتبدأ حربًا زوجية ضروسا. تمكن القتلة من الفرار قبل اعتقالهم.
 من هم؟ ألكسندر مافريدي وباشا أحمدوف، وهما من صغار البلطجية معروفان لدى الشرطة.
   تضرب أزمة كوفيد -19 السكان بشدة، وفقد العديد من المواطنين الروس وظائفهم وزادت الجريمة بنسبة 91 بالمائة في ستة أشهر، من يناير إلى يونيو 2020.
وتخشى وزارة الداخلية من ظهور عصابات جديدة، حتى لو لم تكن هناك، وفق العناصر الأولى من التحقيقات، صلة بين القضيتين، فإن جرائم القتل في البانيا تثير العديد من بخار الشك والريبة.