الصين والهند:

ضياع فرصة الانفراج بعد عامين من أحداث لاداخ...!

ضياع فرصة الانفراج بعد عامين من أحداث لاداخ...!

-- تقف الصين ضد اقتراح الهند تنظيم القمة السنوية لمجموعة العشرين عام 2023 في جامو وكشمير الهندية
-- قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند لم تتجاوز بالنسبة للصين والهند المشاركة في الصورة العائلية


   في 15 و16 سبتمبر، تمت دعوة ناريندرا مودي وشي جين بينغ لحضور القمة السنوية الثانية والعشرين لمنظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند. التحق رئيس الوزراء الهندي والرئيس الصيني بهذه المدينة القديمة في آسيا الوسطى، والتي كانت لبعض الوقت على طريق الحرير القديم، بنظرائهما من الدول الأعضاء الست الأخرى: روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان وباكستان.

   من هنا، أتيحت على الأقل فرصة لرئيس وزراء “أكبر ديمقراطية في العالم”، ورئيس الديموغرافيا العالمية الأولى، للقاء خلال هذا المنتدى، وللظهور في نهاية يومين من الحوار على الصورة العائلية التقليدية مع رؤساء دول وحكومات هذه المؤسسة الإقليمية المتحفظة نسبيا، والتي ينظر اليها الغرب بعين الريبة، هذا ان لم تتأكد ملامح التحسن الأخير -لنتحدث بشكل أكثر تواضعا عن تحسن طفيف -في العلاقات بين نيودلهي وبكين، من خلال اجتماع ثنائي محتمل بين الرجلين. والذي كان سيصبح حينها، الأول من نوعه منذ عام 2019 بين هذين الزعيمين اللذين يترأس كل منهما، لأكثر من عقد، مصائر ثاني وخامس اقتصادات العالم.
   في الواقع، كانت الصورة الاحتفالية التي اختتمت اليومين من اجتماع آسيا الوسطى فرصة لجمع الرجلين جنبًا إلى جنب في نفس اللقطة، بين نظرائهما. لكن من الواضح انه لا شيء طفح من المصافحات والابتسامات، والمجاملات... ولا حتى اجتماعات ثنائية على هامش النقاشات.

«القرن الآسيوي»
مع انه، قبل تلك اللحظة، التي كان من الممكن أن تسمح بلمّ الشمل على أرض محايدة إلى حد ما، يبدو أن السلطات الهندية والصينية قد حددتا الطريق. قبل أيام قليلة على وجه الخصوص، من خلال الإعلان يوم الاثنين 12 سبتمبر عن بدء انسحاب * قواتهما التي لا تزال منتشرة في محيط لاداخ المتنازع عليها، في منطقة جوجرا -الينابيع الساخنة **، بالقرب من مسرح المواجهة الأخير بين الصين والهند في ربيع 2020 -في منطقة غالوان، قطاع لاداخ من الحدود الهندية التبتية، بالقرب من خط السيطرة الفعلية.

   الصحافة الرسمية الصينية، ذهبت إلى هناك أيضًا قبل فترة وجيزة -في 7 سبتمبر -ببضع الكلمات الممتعة والمشجعة -وهو حدث نادر -للدعوة إلى “قرن آسيوي” يقوم على “أعمدة” صينية وهندية. وكتبت صحيفة تشاينا ديلي الرسمية، أن الصين والهند لديهما الكثير من العمل لتحسين رفاهية شعبيهما، وتتفوّق مصالحهما المشتركة على خلافاتهما بكثير، ولا ينبغي أن يتركا نزاعهما الحدودي، الذي هو في الأساس مشكلة موروثة من الحقبة الاستعمارية، يظل عقبة أمام تقدم شراكتهما، وليس لدى الجارتين أي سبب لعدم العمل معًا للدخول في “القرن الآسيوي” -وهو ما تخيلته الأجيال الأولى من القادة على كلا الجانبين منذ عقود عندما دافعتا بقوة عن مبدأ عدم الانحياز والمبادئ الخمسة للتعايش السلمي مع دول نامية أخرى».     

ومع ذلك، لا تزال هذه الارهاصات المشجعة بالتأكيد بعيدة كل البعد عن الانفراج -وهو مفهوم غير مألوف للعلاقات الصينية الهندية المضطربة، حتى بعد ستين عامًا من الصراع الحدودي القصير في الخريف بين العملاقين الآسيويين. خاصة أن هذه الارهاصات قد نالت بالتوازي نصيبها من التدخل والصدمات المختلفة، والتي لا يمكن التقليل من أهميتها بأي حال من الأحوال، مثل مسألة كشمير الحساسة للغاية.

   وهكذا، في بداية يوليو، علمنا أن الصين -في دعم غير مشروط لباكستان، حليفتها  وهي نفسها معادية للمشروع  -تقف ضد اقتراح الهند تنظيم القمة السنوية لمجموعة العشرين عام 2023 في جامو وكشمير الهندية. بعد شهر، في 5 أغسطس، بينما عادت الصحافة الإقليمية إلى الذكرى الثالثة لتعديل الوضع الإداري لجامو وكشمير “المادة 370 من الدستور الهندي”، تدخلت بكين في النقاش على لسان الناطق باسم وزارة خارجيتها، و”دعت” نيودلهي وإسلام أباد إلى “حل نزاعهما على سيادة كشمير سلمياً”... اقتراح لم يحظ مرة أخرى بالتقدير في العاصمة الهندية.

   لنتوقف بإيجاز عند “لعبة” بكين في السنوات الأخيرة في كشمير. أو بتعبير أدق عن أعمالها ومشاريعها في الجزء الذي تديره باكستان. هذا الموضوع لم يترك العالم الأكاديمي غير حساس في بداية العام الدراسي 2022، وفي 13 سبتمبر، نظم معهد سياسات الأمن والتنمية في ستوكهولم ندوة حول موضوع “خطة الصين الاستراتيجية لكشمير».
   في الواقع، إن سلطات بكين بشكل عام ليست صريحة جدًا بشأن هذا الموضوع. خاصة عندما نذكر وجود القوات الصينية في باكستان  على وجه الخصوص لضمان حماية بعض البنى التحتية الحساسة على طول الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان والعبور عبر كشمير الباكستانية، أو حتى إنشاء سدود كهرومائية بصيغة كبيرة في جيلجيت بالتستان، مثل سد ديمر بهاشا  على نهر اندوس.

«الهند الصين وداعا»
   في نهاية شهر أغسطس، ظهر موضوع آخر للخلاف في جنوب آسيا -إن لم يكن في أصل تبادلات مباشرة وقوية عبر الشبكات الاجتماعية بين دبلوماسيين صينيين وهنود -مما تسبب في بعض الاضطرابات الواضحة بين نيودلهي وبكين. السبب، التوقف المرتجل في سريلانكا لسفينة تجسس صينية ضخمة: يوان وانغ 5، 220 مترا، واحدة من الأكثر تطورا التي تملكها الصين.
   توقفت السفينة في ميناء هامبانتوتا، التي عهد بإدارته منذ عام 2017 إلى شركة صينية، تشاينا ميرشانتس بورت هولدنجز. وكانت السلطات السريلانكية حينها قد عجزت على سداد تمويل البنية التحتية للموانئ، مجسدة قبل ست سنوات، واقعا فخ الديون المرتبط بهذا النوع من البنية التحتية بتكلفة تتجاوز بكثير إمكانات البلد المستفيد.

   على الأرجح، إن الغياب الارادي خلال قمة سمرقند الأخيرة لأي تفاعل مباشر بين ناريندرا مودي وشي جين بينغ يقدم بعض المؤشرات البليغة على فرص الانفراج على المدى القصير بين هذين الخصمين الاستراتيجيين اللذين تفصل بينهما جبال الهيمالايا، وتاريخ طويل من الخلافات السياسية والإقليمية أو الفلسفية    ومع غروب الصيف، بدا أن بناء الكثير من الأمل على هذا الاحتمال الضعيف للتقارب -أو الانفراج -الصيني الهندي كان على أي حال رهانًا جريئًا للغاية. علاوة على ذلك، ردد في الأيام الأخيرة بعض كتاب الافتتاحيات الهنود صدى هذه الانتكاسة غير المفاجئة في النهاية، من خلال السخرية من مفهوم “هندي شيني بهاي بهاي” -“الهنود والصينيون أخوة”، مفضلين في الظروف الراهنة “الهند الصين باي-باي».

* كما ورد ، تفكيك منشآت عسكرية مؤقتة أقيمت في الموقع.
 ** على بعد حوالي 240 كم شرق ليه (3500 متر فوق مستوى سطح البحر) ، عاصمة ولاية لاداخ الهندية
- في ربيع 2005 ، وقعت بكين وإسلام أباد بالأحرف الأولى معاهدة سلام وصداقة وحسن جوار. بعد ثماني سنوات، عام 2013، دخلت الصين وباكستان، بعشرات المليارات من الدولارات التي أقرضها الصينيون للباكستانيين بشروط محاسبية مجحفة، في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني المكلف، المدمج في “طرق الحرير الجديدة».
- معارضة شفهية من السلطات الباكستانية اعتبارًا من 25 يونيو
- القوات الباكستانية موجودة أيضًا إلى جانب قوات الحدود الصينية على الجزء الشرقي من الحدود الصينية الهندية الطويلة  - ثالث أكبر سد في باكستان بطاقة 4500 ميغاواط وارتفاع 272 مترًا. تم بناؤه بتكلفة 8 مليارات دولار من قبل منظمة الصين للطاقة والأعمال الحدودية؛ في منطقة زلزالية محددة.
- بعقد إيجار مدته 99 سنة.
- حكاية سريعة الزوال روجت لها نيودلهي وبكين في منتصف الخمسينيات.
أوليفييه جيلارد، متخصص في آسيا، باحث في مركز الدراسات والبحوث حول الهند وجنوب آسيا والشتات “جامعة كيبيك في مونتريال»