رئيس الدولة يؤكد حرص الإمارات على تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية
من عام 2002 إلى عام 2022:
فرنسا: فهم الحضور المتزايد لليمين المتطرف في الرئاسية
• خلال 20 عامًا، زاد اليمين المتطرف من أرقام نتائجه بشكل كبير
• زادت نسبة الامتناع عن التصويت والأوراق البيضاء والملغاة بشكل ملحوظ مقارنة بعام 2002
• تعديل برنامج التجمع، أكسبه جزءًا عريضا من أصوات العمال والموظفين، وسهّل انتقال أصوات اليسار الراديكالي إليه
• أصبح الفرنسيون أكثر تشككًا وانتقادًا لكل السلطات، سواء تعلق الأمر بأطباء أو مدرسين أو سياسيين
للمرة الثالثة خلال 20 عامًا، جمعت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية مرشحًا من أقصى اليمين، واخر من اليمين أو من الوسط، مع استبعاد اليسار من الجولة الحاسمة. ما هي التغييرات التي لوحظت بين هذه الانتخابات الثلاثة وكيف يمكن تفسيرها؟ هل يمكن، على وجه الخصوص، تفسيرها وفقًا لتطور قيم الفرنسيين؟ في غضون 20 عامًا، زاد اليمين المتطرف من ارقام نتائجه بشكل كبير، الى درجة أن بعض استطلاعات الرأي مساء الجولة الأولى، توقعت نتيجة متقاربة جدًا. أعيد انتخاب إيمانويل ماكرون أخيرًا بشكل مريح في الجولة الثانية، ولكن أقل مما حققه عام 2017. في نفس الوقت، زادت نسبة الامتناع عن التصويت والأوراق البيضاء والملغاة بشكل ملحوظ مقارنة بعام 2002.
ثقل الظروف الاقتصادية على نتائج الانتخابات
بالطبع، يمكن تفسير جزء من هذه التطورات بظروف كل انتخابات. عام 2002، حصل اليمين المتطرف على 19 فاصل 2 بالمائة من الأصوات في الجولة الأولى (16 فاصل 9 بالمائة لجان ماري لوبان و2 فاصل 3 بالمائة للمنشق برونو ميغريه).
لم يجد جان ماري لوبان حتى جميع أصوات عائلته السياسية في الجولة الحاسمة. وبعبارة أخرى، لم تكن لديه ديناميكيات توسيع قاعدة ناخبيه إلى قوى سياسية أخرى، والتي فضلت جميعها إلى حد كبير جاك شيراك، الذي تم انتخابه بنتيجة استثنائية (82 فاصل 2 بالمائة)، مستفيدًا من جزء كبير جدًا من الأصوات اليسارية. وقد شهدت الفترة بين الجولتين تعبئة قوية للغاية للمواطنين، مع العديد من المظاهرات المعارضة لليمين المتطرف: في 1 مايو، تظاهر حوالي 1.5 مليون شخص في شوارع المدن الرئيسية.
ولئن حشدت الجولة الأولى عددًا قليلاً جدًا من الناخبين (28 فاصل 4 بالمائة نسبة الامتناع عن التصويت)، فقد كانت الثانية مختلفة تمامًا: زادت المشاركة بنسبة 8 فاصل 1 نقطة. قبل الجولة الأولى، اعتُبر رئيسا السلطة التنفيذية، جاك شيراك، الرئيس، وليونيل جوسبان، رئيس الوزراء الاشتراكي، بعد أن حكما البلاد خمس سنوات في ظل التعايش، على أنهما المؤهلان مسبقا للمعركة النهائية. هذا الموقف، لم يشجّع الناس على التصويت. ومع ازاحة ليونيل جوسبان من المنافسة النهائية ووجود زعيم الجبهة الوطنية، حشد الشعور بالذنب قافلة الممتنعين عن التصويت في الجولة الأولى، لعرقلة أقصى اليمين، بمنطق "الجبهة الجمهورية".
منعطف عام 2017
عام 2017، حلت مارين لوبان محل والدها كرئيسة للجبهة الوطنية وبدأت تحاول تقديم برنامج أقل تطرفا. فازت بنسبة 21 فاصل 3 بالمائة من الأصوات في الجولة الأولى (أي 3 فاصل 4 نقاط أكثر من والدها قبل 15 عامًا) و33 فاصل 9 بالمائة في الثانية، مما يدل على أنها باتت تستطيع الاعتماد على انتقال الأصوات من ناخبي اليمين واليسار: حوالي 20 بالمائة من ناخبي فيون في الجولة الأولى، و10 بالمائة من أصوات اليسار الراديكالي صوتوا لصالحها.
انتُخب إيمانويل ماكرون، بفارق كبير في فترته الأولى بـ 66 فاصل 1 بالمائة من الأصوات المدلى بها، وقد حصل على انتقال أصوات بينوا هامون بنسبة 79 بالمائة، وحوالي 50 بالمائة من أصوات فيون وميلينشون. ومع ذلك، لم تكن هناك تعبئة مناهضة للوبان كما في عام 2002، حتى أن الامتناع عن التصويت تقدم بمقدار 3 فاصل 2 نقطة بين الجولتين الأولى والثانية، وارتفعت الأوراق البيضاء والملغاة إلى 8 فاصل 6 بالمائة من الناخبين المسجلين، وهو رقم قياسي مطلق في الانتخابات الرئاسية. وهو يعني خصوصا، رفض جزء من ناخبي ميلينشون الاختيار بين ما اعتبروه الطاعون والكوليرا.
عام 2022، يمثل اليمين الراديكالي ويمين الهوية في الجولة الأولى ما يقرب من ثلث الأصوات المدلى بها (لوبان، 23 فاصل 1 بالمائة؛ زمور: 7 فاصل 1 بالمائة؛ دوبونت-آيجنان: 2 فاصل 1 بالمائة)، في ارتفاع حاد مقارنة بعام 2017. وأدى هذا إلى النتيجة العالية التي حققتها مارين لوبان في الجولة الثانية. لقد كسبت حوالي 7 فاصل 6 نقاط، وخسر إيمانويل ماكرون نفس القدر. ومع ذلك، يجب التأكيد على أنه احتفظ بقاعدة مهمة للغاية لرئيس منتهية ولايته، وأن استراتيجيته الوسطية المتمثلة في "في نفس الوقت" -واليسار والوسط واليمين -صمدت جيدًا خلال فترة الخمس سنوات هذه.
ازداد الامتناع عن التصويت بشكل أكبر في الجولة الثانية لعام 2022 (28 بالمائة)، دون الوصول إلى الرقم القياسي لعام 1969 (31 فاصل 1 بالمائة امتنعوا عن التصويت و6 فاصل 4 بالمائة من الأوراق البيضاء والملغاة، في مبارزة بين الوسط واليمين). ويبدو أن عملية نقل الاصوات الخاصة بالمترشحين المهزومين لصالح إيمانويل ماكرون كانت أسوأ من عام 2017. فوفق معهد إبسوس، اختاره 42 بالمائة، مقابل 52 بالمائة عام 2017، بينما صوت 17 بالمائة للوبان مقابل 7 بالمائة قبل 5 سنوات، خلافًا لطلب زعيم فرنسا المتمردة بـ "عدم إعطاء صوت واحد لليمين المتطرف". ويبدو أن عملية نزع الشيطنة عن رئيسة التجمع الوطني قد آتت ثمارها حتى لو أدت أيضًا إلى ترشّح إريك زمور المنشق إلى حد ما.
تطور البرنامج الانتخابي للجبهة الوطنية
إن تطور أصوات اليمين المتطرف لا يُفسّر فقط من خلال نزع الشيطنة على الشكل، ولكن أيضًا من خلال تطور برنامج التجمّع الوطني.
عام 2002، دافعت الجبهة الوطنية عن سياسة اقتصادية ليبرالية إلى حد ما، تركزت بشكل خاص على الدفاع عن التجار والحرفيين، وكذلك الشركات الصغرى. ويدعم التجمع الوطني اليوم سياسة أكثر تدخلًا للدولة في خدمة السيادة الوطنية، وقد أدرج في برنامجه سياسة اجتماعية لصالح الفرنسيين من الطبقات الشعبية. إعادة التوجيه البرامجي هذه، أكسبته جزءً كبيرًا من أصوات العمال والموظفين، وسهلت انتقال اصوات اليسار الراديكالي، الغاضب جدًا من الليبرالية الاقتصادية لإيمانويل ماكرون وازدرائه الواضح لقاع السُلّم الاجتماعي.
غير ان البرامج لا تشرح الخيارات الانتخابية بشكل كامل. تلعب شخصيات المترشحين دورًا أيضًا، لا سيما صورتهم الودودة ومدى "اهليتهم للرئاسة"، أي قدرتهم على أداء الوظيفة الرئاسية، خاصة على الصعيد الدولي. من الواضح أن المنصب الرئاسي للرئيس المنتهية ولايته أقوى بكثير من موقف منافسته. ويمكن لمارين لوبان أن تقدم نفسها بشكل رابح كمرشحة للشعب والمنطق، لكنها ليست مقنعة حقًا في بدلة الرئيسة امام ماكرون المهيمن إلى حد ما، لا سيما في مناظرة الجولة الثانية.
اختيارات انتخابية تترجم -جزئيًا -نظام القيم
أخيرًا، يجب التأكيد على أن تقييم الناخبين لبرنامج المرشحين يرتبط ارتباطًا وثيقًا بنظام قيمهم. ومن وجهة النظر هذه، فإن التطور الانتخابي يعكس العديد من الظواهر. تعود إعادة انتخاب الرئيس المريحة إلى حد كبير الى تعلق نسبة كبيرة من الشعب الفرنسي بالقيم الليبرالية، سواء من الناحية الاقتصادية (الانفتاح على اقتصاد السوق والعولمة) ومن حيث الحريات، ليتسنى لهم اختيار طريقة حياتهم بحرية.
ويمكن تفسير ذلك أيضًا من خلال الانفتاح على أوروبا وبعض التفاؤل بشأن إمكانيات تحسين المجتمع. عام 1990، كان 60 بالمائة من الفرنسيين يؤيدون المنافسة الاقتصادية وفقًا لمسح قيم الفرنسيين والأوروبيين، ولا يزال هذا هو الحال بالنسبة لـ 50 بالمائة منهم. إن ليبرالية الأخلاق آخذة في الارتفاع، وهو ما يفسر دعم الناخبين لإصلاحات الزواج للجميع أو الرغبة في تحرير القتل الرحيم.
على العكس من ذلك، يؤيد اليمين الراديكالي التفضيل القومي، ويخشى وجود المهاجرين في فرنسا، ويؤيد العلاقات بين مكونات الذات حول رؤية تقليدية لما هو فرنسي والمغالاة في القومية، ويظهر تشاؤمًا قويًا تجاه الطبقة السياسية. إنه يدافع عن مجتمع نظام، مع وجود زعيم لفرضه، مجتمع حيث يؤدي الأفراد فيه واجباتهم بدلاً من المطالبة دائمًا بحقوقهم. هذه التوجهات لا تملك الأغلبية في البلاد، والأجيال الشابة والفئات المحظوظة هي الأكثر ترددًا، ولكن سُجّل تقدم ما لهذه القيم على مدار العشرين عامًا الماضية، ربما في ارتباط بالخطابات التحذيرية لليمين واليمين المتطرف بشأن الهجرة وانعدام الأمن، مع تصاعد الاجرام الصغير والإرهاب.
في نفس الوقت، من الواضح أن اليسار، الذي تم إضعافه انتخابيًا، تهيمن عليه اليوم بوضوح رؤية راديكالية يحملها جان لوك ميلينشون، في حين انهار توجهه المعتدل، الذي يجسده الحزب الاشتراكي، لصالح معسكر ماكرون. إنه مدفوع بقيم العدالة الاجتماعية، ومكافحة عدم المساواة والأخوة، التي تظل قوية جدًا في المجتمع الفرنسي الا انها لا تنجح في تحديد الاختيار الانتخابي لعدد كبير من الناخبين كما كان في الماضي: إجمالي الأصوات اليسارية في الجولة الأولى من 42 فاصل 9 بالمائة عام 2002 إلى 31 فاصل 9 بالمائة عام 2022.
أما بالنسبة لارتفاع نسبة الامتناع عن التصويت والأوراق البيضاء في الجولة الثانية، فلا يمكن تفسيره فقط بالتقليل من أهمية التصويت لليمين المتطرف وسخط بعض الناخبين تجاه الرئيس المنتهية ولايته، بل يرجع أيضًا إلى توجهات قيم أقل تقليدية من ذي قبل.
لقد أصبح الفرنسيون أكثر تشككًا وانتقادًا لكل السلطات، سواء تعلق الامر بأطباء أو مدرسين أو سياسيين. لذلك صار من الصعب الإشارة إلى مرشح في الجولة الثانية يعتبر الأقل سوءً، فهناك تردد كبير في إعطاء الفرنسي صوته لشخص لم يكن مرشحه المفضل. هناك سمة من السمات تم تطويرها خصيصًا في فرنسا مقارنة بدول أخرى، لا سيما في شمال أوروبا، حيث الناس أكثر استعدادًا للحكم معًا على المدى الطويل دون الاتفاق على كل شيء. ويجد الفرنسيون صعوبة في تقديم تنازلات والقبول بالحلول الوسط، والتجمّع حول ما لديهم في غياب ما يريدون.
-----------
أستاذ مميز للعلوم السياسية، بمعهد العلوم السياسية بغرونوبل ، نشر مؤخرًا "الانتخابات الرئاسية الفرنسية" ، عن منشورات جامعة غرونوبل ، فبراير 2022.
• زادت نسبة الامتناع عن التصويت والأوراق البيضاء والملغاة بشكل ملحوظ مقارنة بعام 2002
• تعديل برنامج التجمع، أكسبه جزءًا عريضا من أصوات العمال والموظفين، وسهّل انتقال أصوات اليسار الراديكالي إليه
• أصبح الفرنسيون أكثر تشككًا وانتقادًا لكل السلطات، سواء تعلق الأمر بأطباء أو مدرسين أو سياسيين
للمرة الثالثة خلال 20 عامًا، جمعت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية مرشحًا من أقصى اليمين، واخر من اليمين أو من الوسط، مع استبعاد اليسار من الجولة الحاسمة. ما هي التغييرات التي لوحظت بين هذه الانتخابات الثلاثة وكيف يمكن تفسيرها؟ هل يمكن، على وجه الخصوص، تفسيرها وفقًا لتطور قيم الفرنسيين؟ في غضون 20 عامًا، زاد اليمين المتطرف من ارقام نتائجه بشكل كبير، الى درجة أن بعض استطلاعات الرأي مساء الجولة الأولى، توقعت نتيجة متقاربة جدًا. أعيد انتخاب إيمانويل ماكرون أخيرًا بشكل مريح في الجولة الثانية، ولكن أقل مما حققه عام 2017. في نفس الوقت، زادت نسبة الامتناع عن التصويت والأوراق البيضاء والملغاة بشكل ملحوظ مقارنة بعام 2002.
ثقل الظروف الاقتصادية على نتائج الانتخابات
بالطبع، يمكن تفسير جزء من هذه التطورات بظروف كل انتخابات. عام 2002، حصل اليمين المتطرف على 19 فاصل 2 بالمائة من الأصوات في الجولة الأولى (16 فاصل 9 بالمائة لجان ماري لوبان و2 فاصل 3 بالمائة للمنشق برونو ميغريه).
لم يجد جان ماري لوبان حتى جميع أصوات عائلته السياسية في الجولة الحاسمة. وبعبارة أخرى، لم تكن لديه ديناميكيات توسيع قاعدة ناخبيه إلى قوى سياسية أخرى، والتي فضلت جميعها إلى حد كبير جاك شيراك، الذي تم انتخابه بنتيجة استثنائية (82 فاصل 2 بالمائة)، مستفيدًا من جزء كبير جدًا من الأصوات اليسارية. وقد شهدت الفترة بين الجولتين تعبئة قوية للغاية للمواطنين، مع العديد من المظاهرات المعارضة لليمين المتطرف: في 1 مايو، تظاهر حوالي 1.5 مليون شخص في شوارع المدن الرئيسية.
ولئن حشدت الجولة الأولى عددًا قليلاً جدًا من الناخبين (28 فاصل 4 بالمائة نسبة الامتناع عن التصويت)، فقد كانت الثانية مختلفة تمامًا: زادت المشاركة بنسبة 8 فاصل 1 نقطة. قبل الجولة الأولى، اعتُبر رئيسا السلطة التنفيذية، جاك شيراك، الرئيس، وليونيل جوسبان، رئيس الوزراء الاشتراكي، بعد أن حكما البلاد خمس سنوات في ظل التعايش، على أنهما المؤهلان مسبقا للمعركة النهائية. هذا الموقف، لم يشجّع الناس على التصويت. ومع ازاحة ليونيل جوسبان من المنافسة النهائية ووجود زعيم الجبهة الوطنية، حشد الشعور بالذنب قافلة الممتنعين عن التصويت في الجولة الأولى، لعرقلة أقصى اليمين، بمنطق "الجبهة الجمهورية".
منعطف عام 2017
عام 2017، حلت مارين لوبان محل والدها كرئيسة للجبهة الوطنية وبدأت تحاول تقديم برنامج أقل تطرفا. فازت بنسبة 21 فاصل 3 بالمائة من الأصوات في الجولة الأولى (أي 3 فاصل 4 نقاط أكثر من والدها قبل 15 عامًا) و33 فاصل 9 بالمائة في الثانية، مما يدل على أنها باتت تستطيع الاعتماد على انتقال الأصوات من ناخبي اليمين واليسار: حوالي 20 بالمائة من ناخبي فيون في الجولة الأولى، و10 بالمائة من أصوات اليسار الراديكالي صوتوا لصالحها.
انتُخب إيمانويل ماكرون، بفارق كبير في فترته الأولى بـ 66 فاصل 1 بالمائة من الأصوات المدلى بها، وقد حصل على انتقال أصوات بينوا هامون بنسبة 79 بالمائة، وحوالي 50 بالمائة من أصوات فيون وميلينشون. ومع ذلك، لم تكن هناك تعبئة مناهضة للوبان كما في عام 2002، حتى أن الامتناع عن التصويت تقدم بمقدار 3 فاصل 2 نقطة بين الجولتين الأولى والثانية، وارتفعت الأوراق البيضاء والملغاة إلى 8 فاصل 6 بالمائة من الناخبين المسجلين، وهو رقم قياسي مطلق في الانتخابات الرئاسية. وهو يعني خصوصا، رفض جزء من ناخبي ميلينشون الاختيار بين ما اعتبروه الطاعون والكوليرا.
عام 2022، يمثل اليمين الراديكالي ويمين الهوية في الجولة الأولى ما يقرب من ثلث الأصوات المدلى بها (لوبان، 23 فاصل 1 بالمائة؛ زمور: 7 فاصل 1 بالمائة؛ دوبونت-آيجنان: 2 فاصل 1 بالمائة)، في ارتفاع حاد مقارنة بعام 2017. وأدى هذا إلى النتيجة العالية التي حققتها مارين لوبان في الجولة الثانية. لقد كسبت حوالي 7 فاصل 6 نقاط، وخسر إيمانويل ماكرون نفس القدر. ومع ذلك، يجب التأكيد على أنه احتفظ بقاعدة مهمة للغاية لرئيس منتهية ولايته، وأن استراتيجيته الوسطية المتمثلة في "في نفس الوقت" -واليسار والوسط واليمين -صمدت جيدًا خلال فترة الخمس سنوات هذه.
ازداد الامتناع عن التصويت بشكل أكبر في الجولة الثانية لعام 2022 (28 بالمائة)، دون الوصول إلى الرقم القياسي لعام 1969 (31 فاصل 1 بالمائة امتنعوا عن التصويت و6 فاصل 4 بالمائة من الأوراق البيضاء والملغاة، في مبارزة بين الوسط واليمين). ويبدو أن عملية نقل الاصوات الخاصة بالمترشحين المهزومين لصالح إيمانويل ماكرون كانت أسوأ من عام 2017. فوفق معهد إبسوس، اختاره 42 بالمائة، مقابل 52 بالمائة عام 2017، بينما صوت 17 بالمائة للوبان مقابل 7 بالمائة قبل 5 سنوات، خلافًا لطلب زعيم فرنسا المتمردة بـ "عدم إعطاء صوت واحد لليمين المتطرف". ويبدو أن عملية نزع الشيطنة عن رئيسة التجمع الوطني قد آتت ثمارها حتى لو أدت أيضًا إلى ترشّح إريك زمور المنشق إلى حد ما.
تطور البرنامج الانتخابي للجبهة الوطنية
إن تطور أصوات اليمين المتطرف لا يُفسّر فقط من خلال نزع الشيطنة على الشكل، ولكن أيضًا من خلال تطور برنامج التجمّع الوطني.
عام 2002، دافعت الجبهة الوطنية عن سياسة اقتصادية ليبرالية إلى حد ما، تركزت بشكل خاص على الدفاع عن التجار والحرفيين، وكذلك الشركات الصغرى. ويدعم التجمع الوطني اليوم سياسة أكثر تدخلًا للدولة في خدمة السيادة الوطنية، وقد أدرج في برنامجه سياسة اجتماعية لصالح الفرنسيين من الطبقات الشعبية. إعادة التوجيه البرامجي هذه، أكسبته جزءً كبيرًا من أصوات العمال والموظفين، وسهلت انتقال اصوات اليسار الراديكالي، الغاضب جدًا من الليبرالية الاقتصادية لإيمانويل ماكرون وازدرائه الواضح لقاع السُلّم الاجتماعي.
غير ان البرامج لا تشرح الخيارات الانتخابية بشكل كامل. تلعب شخصيات المترشحين دورًا أيضًا، لا سيما صورتهم الودودة ومدى "اهليتهم للرئاسة"، أي قدرتهم على أداء الوظيفة الرئاسية، خاصة على الصعيد الدولي. من الواضح أن المنصب الرئاسي للرئيس المنتهية ولايته أقوى بكثير من موقف منافسته. ويمكن لمارين لوبان أن تقدم نفسها بشكل رابح كمرشحة للشعب والمنطق، لكنها ليست مقنعة حقًا في بدلة الرئيسة امام ماكرون المهيمن إلى حد ما، لا سيما في مناظرة الجولة الثانية.
اختيارات انتخابية تترجم -جزئيًا -نظام القيم
أخيرًا، يجب التأكيد على أن تقييم الناخبين لبرنامج المرشحين يرتبط ارتباطًا وثيقًا بنظام قيمهم. ومن وجهة النظر هذه، فإن التطور الانتخابي يعكس العديد من الظواهر. تعود إعادة انتخاب الرئيس المريحة إلى حد كبير الى تعلق نسبة كبيرة من الشعب الفرنسي بالقيم الليبرالية، سواء من الناحية الاقتصادية (الانفتاح على اقتصاد السوق والعولمة) ومن حيث الحريات، ليتسنى لهم اختيار طريقة حياتهم بحرية.
ويمكن تفسير ذلك أيضًا من خلال الانفتاح على أوروبا وبعض التفاؤل بشأن إمكانيات تحسين المجتمع. عام 1990، كان 60 بالمائة من الفرنسيين يؤيدون المنافسة الاقتصادية وفقًا لمسح قيم الفرنسيين والأوروبيين، ولا يزال هذا هو الحال بالنسبة لـ 50 بالمائة منهم. إن ليبرالية الأخلاق آخذة في الارتفاع، وهو ما يفسر دعم الناخبين لإصلاحات الزواج للجميع أو الرغبة في تحرير القتل الرحيم.
على العكس من ذلك، يؤيد اليمين الراديكالي التفضيل القومي، ويخشى وجود المهاجرين في فرنسا، ويؤيد العلاقات بين مكونات الذات حول رؤية تقليدية لما هو فرنسي والمغالاة في القومية، ويظهر تشاؤمًا قويًا تجاه الطبقة السياسية. إنه يدافع عن مجتمع نظام، مع وجود زعيم لفرضه، مجتمع حيث يؤدي الأفراد فيه واجباتهم بدلاً من المطالبة دائمًا بحقوقهم. هذه التوجهات لا تملك الأغلبية في البلاد، والأجيال الشابة والفئات المحظوظة هي الأكثر ترددًا، ولكن سُجّل تقدم ما لهذه القيم على مدار العشرين عامًا الماضية، ربما في ارتباط بالخطابات التحذيرية لليمين واليمين المتطرف بشأن الهجرة وانعدام الأمن، مع تصاعد الاجرام الصغير والإرهاب.
في نفس الوقت، من الواضح أن اليسار، الذي تم إضعافه انتخابيًا، تهيمن عليه اليوم بوضوح رؤية راديكالية يحملها جان لوك ميلينشون، في حين انهار توجهه المعتدل، الذي يجسده الحزب الاشتراكي، لصالح معسكر ماكرون. إنه مدفوع بقيم العدالة الاجتماعية، ومكافحة عدم المساواة والأخوة، التي تظل قوية جدًا في المجتمع الفرنسي الا انها لا تنجح في تحديد الاختيار الانتخابي لعدد كبير من الناخبين كما كان في الماضي: إجمالي الأصوات اليسارية في الجولة الأولى من 42 فاصل 9 بالمائة عام 2002 إلى 31 فاصل 9 بالمائة عام 2022.
أما بالنسبة لارتفاع نسبة الامتناع عن التصويت والأوراق البيضاء في الجولة الثانية، فلا يمكن تفسيره فقط بالتقليل من أهمية التصويت لليمين المتطرف وسخط بعض الناخبين تجاه الرئيس المنتهية ولايته، بل يرجع أيضًا إلى توجهات قيم أقل تقليدية من ذي قبل.
لقد أصبح الفرنسيون أكثر تشككًا وانتقادًا لكل السلطات، سواء تعلق الامر بأطباء أو مدرسين أو سياسيين. لذلك صار من الصعب الإشارة إلى مرشح في الجولة الثانية يعتبر الأقل سوءً، فهناك تردد كبير في إعطاء الفرنسي صوته لشخص لم يكن مرشحه المفضل. هناك سمة من السمات تم تطويرها خصيصًا في فرنسا مقارنة بدول أخرى، لا سيما في شمال أوروبا، حيث الناس أكثر استعدادًا للحكم معًا على المدى الطويل دون الاتفاق على كل شيء. ويجد الفرنسيون صعوبة في تقديم تنازلات والقبول بالحلول الوسط، والتجمّع حول ما لديهم في غياب ما يريدون.
-----------
أستاذ مميز للعلوم السياسية، بمعهد العلوم السياسية بغرونوبل ، نشر مؤخرًا "الانتخابات الرئاسية الفرنسية" ، عن منشورات جامعة غرونوبل ، فبراير 2022.