يقوم على الطاعة مقابل الرفاه:

فيروس كورونا: العقد الاجتماعي الصيني في خطر...!

فيروس كورونا: العقد الاجتماعي الصيني في خطر...!

-- عوّض النمو الاقتصادي مصادر الشرعية التقليدية في النظام السياسي
-- قطع دنغ شياو بينغ  عام 1978 مع الشيوعية الماوية  وأقام «رأسمالية حمراء»
-- شكلا، الصين مركزية، ولكن في الواقع سيطرة بكين، حتى الصحيّة، أمر صعب
-- في مواجهة أزمة كوفيد-19، لا يمكن للشرعية الإيديولوجية أن تكون ركيزة السلطة الصينية
-- قدم الحزب الشيوعي عام 1949، للصينيــــــين سيادة بلا منازع ووحدة أراضي حقيقية
-- يتهدد  الصين خطر  مواجهة اضطرابات اجتماعية ناجمة عن الصعوبات الاقتصادية


منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في 1 أكتوبر 1949، أبرم الحزب الشيوعي الصيني عقدًا ضمنيًا مع الشعب.
في مقابل الطاعة السياسية، أعطى الحزب الشيوعي تباعًا للصينيين، ضمانات ضد منازعة سلطة الدولة والهيمنة الأجنبية والفقر.   لكن أزمة كوفيد-19 تطرح السؤال حول هذا الميثاق السياسي الأساسي.
   في الأنظمة السلطوية، التوافق السياسي مفروض بدل التوصّل اليه وتحقيقه. ولما كان من باب المخاطرة أن تستمد سلطة شــي جيـــن بينـــغ شرعيتها في انتخابات حرة، يبقى لها بالنتيجـــة العزف على الوتــــر القومــي، بما في ذلك في تعبيراته العدوانية. ان الفترة التي تُفتح، ســــتكون فيها الصين، معلقة بين الرغبـــة في الظهــــور كقوة طبية نموذجية، والرغبة في فرض نفسها في الصراعات الإقليمية والعالمية بسلوك عدواني.
 نهاية الشيوعية الماوية
 كمصدر للشرعية التاريخية
   لقد توقفت الشيوعية ونسختها القومية، الماوية، منذ فترة طويلة عن كونها مصدر شرعية لسلطة الحزب الشيوعي الصيني.
ومنذ الثورة الثقافية 1966-1976، فقدت الماوية الثورية مصداقيتها بشكل ضمني بسبب الوهن السياسي والاقتصادي الذي تسببت فيه للشعب الصيني. وأدى وصول دنغ شياو بينغ إلى السلطة عام 1978 إلى سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية قطعت مع الشيوعية الماوية، وأقامت “رأسمالية حمراء” تحمي الصين من الفقر المادي، ومن الانحطاط السياسي، الناجم عن البيريسترويكا في الاتحاد السوفياتي. لقد هزت زيادة التفاوت الاقتصادي الماوية الرسمية بشكل خطير.
   بعد قمع الحركات الديمقراطية في ميدان تيانانمن في 4 يونيو 1989، تخلى الحزب الشيوعي الصيني بشكل قاطع عن فكرة إضفاء الشرعية على سلطته من قبل الماوية. وأصلح ورثة دنغ العقد الاجتماعي دون تغيير النظام: ستعتمد الوحدة الوطنية على الطاعة السياسية المطلقة مقابل الازدهار الاقتصادي. واليوم، في مواجهة أزمة كوفيد-19، لا يمكن للشرعية الإيديولوجية أن تكون ركيزة السلطة الصينية: أصبح السكان غير مبالين بالسردية الشيوعية الجماعية، ويتسامحون إلى حد كبير مع التفاوت.

حدود الوحدة الوطنية
   عام 1949، قدم الحزب الشيوعي الصيني للصينيين ما حرموا منه منذ منتصف القرن التاسع عشر: سيادة بلا منازع، ووحدة أراضي حقيقية، أي دولة فعالة في إرساء احتكار العنف المشروع. لقد أنهت جمهورية الصين الشعبية فعلا، قرن تفتيت الأراضي الصينية: “المعاهدات غير المتكافئة” للسنوات 1840-1850 كانت قد سلمت للقوى الغربية أقاليم على السواحل الصينية: أطالت الغزوات الروسية واليابانية هذا التفكك خلال القرن العشرين. الا ان الحروب الأهلية، على وجه الخصوص، تركت مناطق بأكملها تهرب من السلطة المركزية، وتخضع لقوى محلية أو لأمراء الحرب.
  بالنسبة للصينيين، كان تفوق الحزب الشيوعي الصيني على الكومينتانغ هو نجاحه في استعادة وحدة الدولة، كما يبيّن لوسيان بيانكو في كتابه “أصول الثورة الصينية”. ومع ذلك، اليوم، تمرّ تلك الوحدة بظرف واختبار صعب بسبب أزمة كوفيد-19: في الواقع، شهدت العلاقات بين المركز بكين، والمقاطعات زيادة التوتر. في غياب خضوعها التام للحزب الشيوعي الصيني المركزي، اتبعت المحافظات سياساتها الخاصة، وقام الحكام المحليون ببناء زبائنهم السياسيين عبر عقود من النمو الاقتصادي المستدام. شكلا، جمهورية الصين الشعبية مركزية، ولكن في الواقع سيطرة بكين، بما في ذلك الصحيّة، أمر صعب.
   وأدى وصول شي جين بينغ إلى السلطة، في المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني في 14 نوفمبر 2012، إلى إطلاق حركة من اجل إعادة مركزة السلطة. وأظهر اعتقال منافس شي جين بينغ، زعيم الحزب في تشونغتشين بو شيلاي، قبل المؤتمر، كيف ان الحكومة الجديدة ستحاول استعادة السيطرة على المقاطعات. وبالمثل، تعمل حملة مكافحة الفساد الجارية منذ عام 2013 بانتظام على عزل السياسيين المحليين الأقل خضوعًا للحكومة المركزية وفريق الإدارة.
  وتم التأكيد على هذا منذ بداية عهد شي، من قبل فرانسوا غودمينت في كتابه “ماذا تريد الصين؟”، الا ان إعادة الوحدة السياسية أصبحت الآن موضوعًا لا يعبّئ كثيرًا الشعب الصيني. وهنا ايضا، هذه الركيزة أضعف من أن تحافظ على العقد الاجتماعي الضمني في أوقات الأزمات.

نهاية النمو المرتفع
    كما أن أزمة كوفيد-19 باتت تهدد الركيزة التي اصبحت أساسية للميثاق السياسي الذي اقترحه الحزب الشيوعي الصيني على الصينيين. وفعلا، فقد استولى النمو الاقتصادي على مصادر الشرعية التقليدية في النظام السياسي.
   من خلال تطوير الصناعات النسيجية والميكانيكية والكيميائية ثم الإلكترونية في الثمانينات والتسعينات على ساحلها، تمكنت الصين بتتالي السنوات من الإقلاع الاقتصادي: خلال الثمانينات، شهد الناتج المحلي الإجمالي بشكل منتظم نسب نموّ فاقت 10 بالمئة، وخلال عقد التسعينات، حافظت على نمو سنوي أعلى من 8 بالمائة.
  وانضم مصنع العالم إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، واكتسب مكانة مهيمنة في التوازنات الاقتصادية والمالية العالمية الكبرى. وبذلك صمدت الصين أمام الأزمات الاقتصادية في 1998-1999 ثم 2008-2009 من خلال ضمان زيادة الازدهار المادي والرفاه لسكانها رغم كل شيء. في تلك السنوات، تمكن النمو الصيني من البقاء فوق 8 بالمائة.
  بالنسبة للشعب، كان للنمو الاقتصادي تأثير هائل وسريع: فقد تم انتشال أكثر من نصف مليار صيني من الفقر خلال جيل واحد. وطال التغيير مفهوم الاعتزاز الوطني: لم يعد الحزب الشيوعي الثوري فخورًا بكونه طليعة الثورة الماوية، ولكنه سيتجاوز قريبا الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم.
   واليوم، بسبب الأزمة الصحية، يتعثر النمو، حتى باعتباره رباطا سياسيا. مخيبة للآمال نسبيًا عام 2019 بنسبة + 6 فاصل 1 بالمئة، يقدر صندوق النقد الدولي الآن نسبة النمو + 1 فاصل 2 بالمئة لعام 2020. بل ويعتبر عدد من الاقتصاديين، أن انكماشا في الناتج المحلي الإجمالي سيحدث عام 2020 للاقتصاد الصيني. وسيؤذي هذا مقايضة الطاعة مقابل الازدهار.
   بطبيعة الحال، تتوقع مؤسسات بريتون وودز (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) انتعاشا قويا لعام 2021 بنسبة + 9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الصيني. ومع ذلك، لا يزال التحدي الاقتصادي هائلاً بالنسبة للصين: ستغلق نافذة الفرصة الديموغرافية الصينية قريبًا لأن نسبة غير الناشطين في عدد السكان ستزداد بشكل كبير بسبب التأثير المشترك لشيخوخة السكان وانخفاض معدل الولادة.
  وبالنسبة لعام 2020، لا يمكن إحصاء حجم الدمار السياسي الداخلي في عام بلا نمو. ومن هنا كانت الحاجة إلى تعزيز الركيزة الأخيرة للميثاق السياسي الحالي: القومية في صيغتها الأكثر شوفينية.

عودة القومية الشوفينية؟
   في مواجهة مثل هذا التهديد للنظام السياسي العام، لم يعد في حوزة الحزب الشيوعي الصيني الا رافعة فعالة فقط لإضفاء الشرعية على هيمنته السياسية: الاعتزاز والكبرياء القومي.
  لقد أدى وصول شي جين بينغ إلى السلطة إلى زيادة الشوفينية هان في الداخل (ضد التبت والأويغور وهونغ كونغ) والخارج (ضد تايوان واليابان والولايات المتحدة). والسؤال اليوم هو معرفة كيف ينوي شي استخدام هذه القومية المتصاعدة للخروج من الأزمة.
  منذ بداية الأزمة الصحية، تحاول جمهورية الصين الشعبية التعويض عن وضعها كمركز للوباء عن طريق مضاعفة النشاط على الساحة الدولية، فالرهان يتعلق بشرعية الحزب الشيوعي الصيني في أعين الجماهير. وقامت الصين، على سبيل المثال، بأعمال إنسانية ضخمة لدعم إيطاليا: تصدر الأطباء الصينيون عناوين الأخبار بانتظام. وبالمثل، فهي نشطة بشكل خاص في المناقشات العلمية من أجل إظهار قوة معاهد البحوث والجامعات والصناعات الطبية. إن اكتساب وضع القوة الطبية النموذجية، هو الجانب المضيء من استراتيجية التأثير الدولي هذه ما بعد الأزمة.
   لكن الحركية الدولية للصين لها وجه أكثر شراسة وعدوانية. على المستوى الإقليمي، تتزايد التوترات وتتعزز، جراء الأزمة الصحية، مع تايوان وكوريا الجنوبية وجميع الدول المجاورة. بالنسبة لفرنسا، التصريحات الأخيرة للسفير الصيني في باريس مسيئة على أقل تقدير. وفي اتجاه تايوان، يقترن التوتر السياسي حاليًا بتوغلات عسكرية. وانخرطت الصين في منافسة شرسة من أجل الانتعاش الاقتصادي، ولكنها قد تعمل على ان تنسي “الثغرة” الاقتصادية من خلال تجديد النشاط في المنطقة. ومع الولايات المتحدة، تقترن الحرب التجارية الآن بمنافسة سياسية محورها مصداقية إدارة ترامب في إدارة الأزمة الصحية.
   ان التعويض عن نقاط الضعف السياسية الداخلية برفع منسوب العدوانيـــــة الخارجيــــة، هي ممارسة اعتيادية للأنظمة الســلطوية.
 غير قادرة على ضمان شرعيتها على التوافق الواضح والحر لشــــعوبها، تغريهــــا بانتظام المغامرات الاستراتيجية للتعويض عن صعوبات التوافقــــــــات السياسية.
  بعد الأزمة الصحية، يتهدد الصين خطر مواجهة اضطرابات اجتماعيــــة ناجمة عن الصعوبات الاقتصادية... ويبقى أن نرى ما هي أولويتها: القوة الناعمة الصحية، أو العدوان العسكري.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot