مراقبون: لن تكون هناك فرصة أفضل من التطورات الحالية
قمة جدة ترسم شكلاً جديداً للعلاقات العربية الأمريكية
رسمت قمة جدة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة دول مجلس التعاون وعدد من القادة العرب، شكلاً جديداً للعلاقات العربية الأمريكية، ووضعت القمة حدوداً واضحة لعلاقات باتت تقوم على تبادل المصالح والاحترام المشترك، ولم تعد لها صلة بعلاقات كانت الولايات المتحدة تضع إطارها وحدودها.
ووفق صحف عربية صادرة أمس الاثنين، أكد مراقبون أنه لن تكون هناك فرصة أفضل من التطورات الحالية لحض واشنطن على تغيير رؤيتها التي لم تجلب للمنطقة سوى تهديم كثير من أركان الأمن والاستقرار بعدد من دولها.
موقف غريب
وقال الصحف العربية إن كل التقديرات التي تحدثت عن ناتو عربي أو تحالف إقليمي يضم إسرائيل ويعزل إيران أو حتى شكل جديد للتعاون الاقتصادي أصبحت حبيسة الأدراج، وربما يكون العنوان المناسب للقمة هو الصدمة، فالرئيس بايدن وجد موقفاً عربياً غريباً عليه.
وأوضح الكاتب أن القضية الفلسطينية بدأت مسألة عسيرة، وظهرت في كلمات عدد من الزعماء أنها لا تزال أم القضايا في المنطقة، كما جرى رفض الدخول في مواجهة ساخنة مع إيران، وقال “على العكس جاء الخطاب العربي العام الموجه إلى طهران ليناً سياسياً ومرناً أكثر من أي وقت مضى، وحوى في جوهره رغبة في تصحيح المسارات، ومساواة بينها وبين إسرائيل عندما تجددت الدعوة إلى شرق أوسط خال من الأسلحة النووية».
وأوضحت الصحف أن الرئيس بايدن أمامه وجد أمامه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مختلفا عن كل ما سمع عنه، حيث وقف كرجل دولة قوي، لا يخضع لتهديدات أو ابتزازات من واشنطن أو غيرها. كما أشار الكاتب إلى أن الأمير محمد بن سلمان قلب الطاولة عندما أعاد على مسمع الرئيس الأمريكي ما جرى في سجن أبوغريب، وما حدث للصحافية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة التي لقيت مصرعها مؤخرا، والنتائج الكارثية التي أسفر عنها التدخل الأميركي بالقوة في كل من أفغانستان والعراق، ما جعله يكسب واحدة من الجولات المهمة التي حاولت الإدارة الأمريكية أن تجعل منها فتحا جديدا لها في الشرق الأوسط.
كما أوضحت الصحف العربية أن الرئيس الأمريكي جنى في قمة جدة ثمار ارتباكاته في مواقفه تجاه الشرق الأوسط وتناقضاته في تقدير الآلية التي سيتعامل بها مع المملكة وولي العهد السعودي، حيث جاءت النتيجة مخيبة للآمال، لأن بايدن جعل الدولة العظمى الأولى في العالم غير كفء بهذه المكانة، وسوف تضطر إلى إعادة التفكير في رؤاها ومراجعة تصوراتها، فلم يعد في وسع واشنطن ضمان تطبيق خططها الاستراتيجية الكبرى.
وأكد أبو الفضل أن قمة جدة تحولت من حلم لإرساء قواعد لهيكل جديد للأمن في الشرق الوسط إلى سراب، وعلى الإدارة الأمريكية أن توقن أنها لن تتمكن من القبض على مفاتيحها مرة أخرى، وعليها تعديل الدفة والمضي في طريق آخر كي تتمكن من الحفاظ على مصالحها، فالاتجاهات التي تم ضبطها عبر عقود طويلة فقدت بوصلتها.
قوة عربية موحدة
وتحدثت الصحف العربية عن الموقف العربي في قمة جدة والذي كان واضحاً في تأكيد التضامن العربي من جهة، وفي تحديد الأولويات العربية تجاه مختلف القضايا والأزمات الإقليمية والدولية، وكان ذلك واضحاً في كلمات القادة العرب من جهة، وفي صياغة البيان الختامي الذي حدد الموقف المشترك تجاه المنطقة العربية وأسس قيام منطقة يسودها الأمن والسلام والعدالة والتنمية، وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لتطوير التعاون والاستقرار في المنطقة.
وأوضحت أن الموقف العربي واضحاً تجاه التطورات الدولية، ومنها الحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة، ومواجهة مسألة سلاسل الإمداد العالمية المتعلقة بتصدير القمح والحبوب جراء الحرب الأوكرانية، إضافة إلى تداعيات تغير المناخ والمخاطر التي تهدد الكرة الأرضية على أثر ذلك.
كما أشارت الصحيفة إلى أن الدول العربية أرادت من خلال قمة جدة أن توجه رسالة واضحة مفادها أن العالم يتغير، وأن هناك نظاماً عالمياً جديداً يتشكل، وأن هناك دولاً بازغة تفرض نفسها على الساحة الدولية من خلال قدرات اقتصادية وتنموية وعسكرية وتقنية، بدأت تنافس على مساحة العالم وتشكل قوة تبحث عن دور أساسي في هذا النظام، خصوصاً أنها دول تطرح التعاون والشراكة والعلاقات المتكافئة أساساً للعلاقات من دون السعي إلى الهيمنة أو فرض السياسات.
وأكدت الصحف أن الدول العربية، وهي تقيم علاقات متوازنة مع هذه الدول إنما تريد أن تؤكد استقلالها وسيادتها من جهة، وحرية قرارها من جهة أخرى، وأنها ليست تابعة لأحد ولا تدخل محاور ضد أحد. ولعل بايدن أدرك أيضاً الخطأ في أن فرض السياسات الأمريكية يأتي بنتائج سلبية ولا يخدم مصالح أمريكا، وإن قمة جدة تشكل بداية لعلاقات عربية أمريكية جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والندية والمصالح المشتركة.
استراتيجية الاحتواء
وقالت الصحف العربية إن ما فشلت واشنطن في إدراكه عبر علاقتها المديدة بالمنطقة هو الإقرار بفشلها في تطوير استراتيجية احتواء فاعل تجاه إيران، وتسبب ذلك التعثر المستمر في إرباك العلاقات البينية الخليجية الأميركية منذ 2003. واليوم تدفع ارهاصات الأزمة الأوكرانية بواشنطن نحو القدوم للشرق الأوسط بعد تجاهل لحلفائها الاستراتيجيين لما قارب العامين من عُمر هذه الإدارة، فهل ستكون رسائل واشنطن السياسية متفهمة لاحتياجات حلفائها في تعزيز فرص استدامة الاستقرار النسبي، أم هي ستتجاهل ذلك وتستمر في الإمساك “بخيوط الأزمات” بدل إدارتها بالتماثل مع رؤى حلفائها، وذلك تحديداً لن يجيب عنه الرئيس بايدن، وليكن موقف إدارته من “الحوثي” أنموذجاً.
كما أشارت الجنيد إلى أن معايير واشنطن في تصنيف التنظيمات الإرهابية أو تلك التي تسير في فلك طهران، فهل ذلك يعتمد مبدأ “خيار وفقوس” مثلاً؟ المنطقة في حاجة ماسة لإعادة الاستقرار القابل للاستدامة واليمن أولها، والأمر نفسه ينطبق على الحالة الليبية أو اللبنانية أو السورية.
وأوضحت الصحف أن تنظيم أنصار الله “الحوثي” هو تنظيم لا يحترم الإرادة الوطنية اليمنية، ولا يحترم مواثيقه الدولية والإقليمية، وإن عدم إعادته لقائمة التنظيمات الإرهابية سيغلق كل الآفاق المحتملة لاستدامة الهدنة، أو دخول اليمن حالة من التوازن الداعم لمشروع انتقال سياسي على أسس وطنية.
كما أكدت أن الاستقرار العالمي “اجتماعياً” الآن مهدد نتيجة عودة ظهور وباء كوفيد-19، مما سيعمق من تعثر سلاسل الامداد الغذاء والطاقة ذلك بالإضافة لتأثيرات الأزمة الأوكرانية. وتصاعد مساحة عدم الاستقرار الاجتماعي وبشكل يومي دولياً قد يُحوّل بعضها إلى حالة عامة من عدم الاستقرار السياسي أو تحول بعضها لحروب أهلية.