«عشرون لوحة من رسم أبي الطيب المُتنبيْ»

كتاب جديد للأديب الكبير عبد الغفار حسين

كتاب جديد للأديب الكبير عبد الغفار حسين

• فيه تمتزج جماليات الأدب مع متعة التاريخ وموضوعية النقد والتحليل والتعليل
• الكتاب إضافة متميزة للمكتبة العربية ، واستجابة للجيل الجديد المتعطّش لأصالة التُراث، ولغة القصيد


كأنّي بالقرن الهِجريّ الرابع، وَقَد أبى إلاّْ أنْ يحمِلَ مَعَهُ مُنْذُ بُزوغِهِ، مَنْ ينفُخُ فيهِ روحاً، كأنّها الأعْصار هَبّ على مُسْتنقع . فكان أن وُلِد في العام الثالِثِ منهُ ذلك الغُلام، الذي كان عليه فيما بعد أنْ يَمْلأ الدُنيْا بشِعْرِهِ ، ويُشغِل الناس.

ولايزال أبو الطيب المُتنبى حتى يومنا هذا في سيرته، وفي مراحل حياته، وفي مواقفه وحكمِهِ التي أثرانا بها، موضِع اهتمام القُراء و الدارسين، والنقاد و الباحثين و المؤرخين، جيلا بعد جيل. لأنه كان بالفعل مرآة عصره بكل تفاصليه السياسية والإجتماعية والفكرية، وبكل آلامه وآماله التي نقلها بشعره وصورها بقصائده، واستخلص دروسها بِحكمه التي ازدان بها شعره، فغدت أبرز سِماته. لقد كان أبو الطيب المتنبي رائداً في مدرسة الرسم بالكلمات، وملهماً بالرغبة والنقمة، فتأتي مفرداته ومعانيه وحرارة انطباعاته وخلجاته خيوطاَ متشابكة ترسم لوحة ناطقة ومثيرة، تجسد عبقرية المتنبي بقدر ما تنبض بمفرداته وقوافيه وأحاسيسه النبيلة والشامخة في آن واحد، لقد كان أبو الطيب بحق شاهداَ أميناً على عصره، متفاعلاً وفاعلاً في شعره، ولسان حال أمته في تطلعاته.

عشرون لوحة من رسم أبي الطيب
    وقد صدر في الآونة الأخيرة عن ندوة الثقافة والعلوم بدبي كتاب جديد للأديب الكبير والباحث المبدع الأستاذ عبدالغفار حسين، المفكر المخضرم، بعنوان (عشرون لوحة من رسم أبي الطيب) وقد قدم له الإعلامي والأديب محمد حسن الحربي بمقدمة مستفيضة تناولت حياة أبي الطيب من جميع جوانبها.

ريشة متينة الصُنع
    يقول الأديب الكبير والمخضرم الأستاذ: عبدالغفار حسين في مقدمته لكتابه: كلما وقفت على أمر يخص أبي الطيب أحمد المتنبي طوال سنين قد تربو على العشرين، حاولت أن أتصور في ذهنه، أنني أشاهد لوحات رسمها أبي الطيب بريشة متينة الصنع، والتي عصِيت على البلِي، وهي تجتاز دهراً يربو على مائتين وألف من السنين.
    ويتابع الأستاذ عبدالغفار حسين: والواقع أن المرء يقف مشدوهاً أمام هذه اللوحات التي رسم أبي الطيب معالمها وخطوطها وألوانها بالدقة المتناهية، وجعل منها رواية محكمة السكب والسبك، تنقلها لنا الأيام دون أن يكلّ البصر من النظر إليها مهما مر الزمن ومهما دالت الأيام والليالي، ولعل أبا الطيب نفسه شعر وأحس بأن كلامه الذي رسمه في شكل حروف منظومة سوف تقاوم تقادم الأيام، ويحمل كل جيل منظومته إلى الجيل الذي يليه وينحتها على جدارية الزمن العتيق.

وما الدهر ألا من رواة قصائدي
إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشداً
فصار به من لا يسير مشمراً
وغنى به من لا يغني مغردا

     أليس أبو الطيب بهذه الأقوال المدوية قد اخترق السنين الضوئية ليجلس معنا في عصرنا هذا مستمعاً وقارئاً لأفكارناً، وما يدور في خُلدِنا وبيننا و بينه بعد زمني سحيق؟
    ويتابع الأديب الكبير الأستاذ عبدالغفار حسين في مقدمته يقول: وبهذه المعاينة لرسومات أبي الطيب وبهذه الإعادة لبعض المواقف من رواياته أحاول في هذا الملف المختصر أن أسجل إنطباعاً على هامش براويز هذه اللوحات المرسومة، وأستوحي منها الكلمات التي خطها قلمي حول هذه البراويز، ولست أزعُمُ بأن حديثي على قدر مقام هذا الكبير الشامخ، أو أنني أضيف جديداً إلى ما قاله الباحثون والدارسون عن أبي الطيب وهم كُثر، بلا حصر، ولكن حديثي حديث معجب ينظر بعين الرضا الكليلة عن العيوب، لا يحيدُ كثيراً عن دروب المحبة، والقول الحسن.
فأبو الطيب نفسه استعاض واستكفى بسماع الكلمة الحسنة، إن لم تسعفه حسنة أخرى.

لاخيل عندك تهديها ولا مال             فليسعد النطق إن لم تُسعِد الحال
     ويختم الأستاذ عبدالغفار حسين مقدمته يقول: وأرجو أن يسعد ما قلته تعليقاً على هذه اللوحات معجبي أبي الطيب. وكعادتي في قراءة أي كتاب، أو الإطلاع على أي عمل فكري، حاولت أن أتصفح لوحات أبي الطيب بعين نقدية، لا أنجر مغمض العين متجاوزاً بعض المواقف السلبية لشاعرنا الكبير، ورأيت ان الإشارة لهذه السلبيات، قد تكون مفيدة لإلقاء الضوء على هذه الشخصية النادرة في تاريخ العرب القديم والحديث.

اللوحات تتوالى
     وتتوالى اللوحات العشرون من رسم أبي الطيب المتنبي في الكتاب، اللوحة الأولى: المتنبي في دبي، واللوحة الثانية: المتنبي وجمال عبد الناصر، واللوحة الثالثة: بين أبي الطيب وشوقي، واللوحة الرابعة: بين المتنبي وأبي نواس، واللوحة الخامسة: بين نابليون والمتنبي، واللوحة السادسة: شخصية المتنبي بين الحب والكره، واللوحة السابعة: مع أبي الطيب في شيراز، واللوحة الثامنة: المتنبي بين العربية والشعوبية، واللوحة التاسعة: فرائد من شعر المتنبي، واللوحة العاشرة: أبو الطيب والشعر الوجداني، واللوحة الحادية عشرة: أبو الطيب والشرف المُكتسب، اللوحة الثانية عشرة: أبو الطيب الشاعر الملهم المحبوب، واللوحة الثالثة عشرة: أبو الطيب شاعِر الخاصة، واللوحة الرابعة عشرة: ابو الطيب وإختراع المعاني، واللوحة الخامسة عشرة: أبو الطيب الشرس الوديع، واللوحة السادسة عشرة: مفردات أبي الطيب، واللوحة السابعة عشرة: الاحتفاء بأبي الطيب، واللوحة الثامنة عشرة: رحلة أبي الطيب في رمضان بين بغداد وشيراز، واللوحة التاسعة عشرة: أبو الطيب وأبو المسك، واللوحة العشرون: قراءات في شعر المتنبي.

وتمضي القافلة يواكبها المؤلف مع من قالوا عن المتنبي امثال الشريف الرضي، إبن شرف القيرواني، وأبو البقاء العكبري، وإبن الأثير، وإبن فورّجة، وأبو العلاء المعري، وأبو الفدا المؤرخ الحموي، والثعالبي، وإبن خلكان، والواحدي، ومصطفى صادق الرافعي.
  خلاصة القول، أن كتاب (عشرون لوحة من رسم أبي الطيب المتنبي) يعتبر إضاءة نوعية جديدة على حياة شاعر عملاق، واستثنائي ملأ الدنيا بشعره وشغل الناس، وأثيرت حوله سجالات نقدية وجدلية وإبداعية، اثرت مسيرة الأدب العربي بالأمس واليوم، بما شملته من دراسات وحوارات، فيها تعددية آراء وإجتهادات، تلتقي جميعها مهما تباينت، أو تناقضت أو تفاوتت على عظمة المتنبي الشاعر والإنسان، إيماناً بإرادة الشعوب، وشعورا بالتبِعة، والمجسّد لصورة عصره السياسية والإجتماعية، مع الفهم الصحيح للرسالة الإنسانية ومتطلباتها. فلم يكن المتنبي بشعره مرآة عصره فحسب، وإنما المتصدر لمسيرة الأدب والنقد، والفلسفة والإجتماع، والآلام والآمال، بالأمس واليوم وغداً، فتراه وكأنه يعيش بيننا ناطقاً بالمعاناة، من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر.

ختاماً، فإن هذا الكتاب القيِم يعتبر إضافة متميزة ولافتة إلى المكتبة العربية، إلى جانب باقة فواحة من مؤلفات الأديب الكبير عبدالغفار حسين رائد مدرسة الأدب المسؤول في الإمارات. ومن المؤسسين الأوائل لاتحاد كُتاب وأدباء الإمارات، ولندوة الثقافة والعلوم بدبي، ولنادي دبي للصحافة، يحمِل دائماً وبلا كلل ولا تردد، مشعل الثقافة الوضّاءة في حِلّهِ كما في ترحالِهِ، في مكتبه، وبين كتبهِ في مكتبته الحافِلة بأمهات الكتب والمصادر والمراجع، وكذلك في مجلسه،
 وفي المنتديات الثقافية العامة، والمجالس الثقافية المتنوعة، كاتباً ومحاوراً ومتحدثاً، ومحاضراً، وموجهاً، زاده الدائم إكتنازه لثقافة واسعة، وإطلاع شامل، ومتابعته لكل جديد، مع إنفتاحه بحصافة راسخة، وخلق رفيع، وبأدب جم،
وتواضع أسِر، وإثراء دائم للجميع، فيشارك في كل حدث أو مناسبة، ولذا فنحن ننتظر دائماً المزيد من إبداعاته المتميزة، ومؤلفاته المتوالية التي تزين المكتبة العربية في كل حين وينعم بها القراء والدارسون والباحثون بلا تردد. وإلى المزيد بإذن الله.