رئيس الدولة يبحث مع وزير الدفاع السعودي علاقات التعاون وتطورات الأوضاع في المنطقة
تقرير: ماكرون يحضّر لمعركة فكرية ضد التطرف
كيف نجحت النمسا في ما فشلت به فرنسا لمواجهة الإرهاب؟
تحت العنوان أعلاه، اعتبر الكاتب إد حسين في مقالة له سوف تصدر بالعدد المقبل من مجلة “ذي سبكتاتور” البريطانية المرموقة أنه من السهل معرفة سبب تخلف بعض القادة الغربيين عن الوقوف إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الفترة الأخيرة، فعند مراجعة المتطرفين يتهمون بأنهم من كارهي الإسلام.
منذ خطاب الرئيس الفرنسي الشهر الماضي عن الإسلام في بلاد الغرب، تم اتهامه، من قبل سياسيين إسلاميين شعبويين مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بأنه معادٍ للإسلام.
ورأى الكاتب أن ماكرون كان صريحاً بما يتعلق بمخاطر الإسلام السياسي، لكن خطابه كان أيضاً دفاعاً عما أسماه “الإسلام التنويري».
من النادر جداً أن يخرج زعيم سياسي للإشارة إلى مشكلة وإلى البديل في آن واحد. ماكرون يفهم أن المسلمين واجهوا نفس هؤلاء الأعداء داخلياً من قبل وانتصروا.
أولئك الذين يصورون خطاب ماكرون على أنه معاد للإسلام يميلون إلى غض النظر وعدم التحدث عن الجزء الذي وعد فيه بمبلغ 10 ملايين يورو للأبحاث المتعلقة بالثقافة الإسلامية، التاريخ والعلوم وإنشاء “معهد علمي لعلم الإسلام».
لقد قال ماكرون: “أريد أن تصبح فرنسا دولة يمكننا فيها تعليم فكر ابن رشد وابن خلدون”. إن سماع أسماء هذه الشخصيات في خطاب سياسي أمر مثير للاهتمام، إذ يظهر أن ماكرون يستعد لمعركة فكرية، مستشهداً بخصوم المتطرفين الإسلاميين.
كان ابن خلدون (1332-1406) من أعظم فلاسفة العصور الوسطى. رفض فكرة إنشاء الخلافة، وطبّق أساليب الفكر الأرسطية في الكتابة عن التاريخ والهوية وتقسيم العمل والضرائب المنخفضة والحوكمة الصغيرة. من خلال تسميته، شدد ماكرون على أهمية الرأسمالية بالنسبة للغرب. إذ غالباً ما يتحد الإسلاميون واليسار المتطرف في كراهيتهم للرأسمالية، لكن ابن خلدون يوضح أن هذا لا ينبغي أن يكون هو الحال بالنسبة للمسلمين. على الرغم من كل شيء، كان النبي محمد تاجراً عربياً لمعظم حياته، أو كما يعرف بالمصطلحات الحديثة، مدير الأصول - مدير الاستثمار.
ابن رشد (1126-1198) شخصية أندلسيّة متعددة الثقافات، هو المسلم الوحيد الذي ظهر في مدرسة أثينا للفنان الإيطالي رفاييل. إن إدراجه في اللوحة الجصية بالفاتيكان، جنباً إلى جنب مع فيثاغورس وأرخميدس وغيرهم من المفكرين الغربيين العظماء، يثبت وجهة نظر ماكرون بأنه لا يوجد توتر متأصل بين الإسلام والقيم الغربية.
كلاهما لديهما عدو في التطبيق الحرفي للدين.
صاغ ابن رشد كتاب “تهافت التهافت” ضد أفكار أبو حامد الغزالي الكارثية. ناشد بضرورة أن يقدم المسلمون على طرح الأسئلة واتباع الأدلة. وجادل بأن السعي وراء المعرفة كان التزاماً تقوياً للمؤمنين، وأن التطبيق الحرفي للدين طريقة خطيرة للتفسير البشري، وكتب أن العقل يعمّق معاني الكتب المقدسة.
أعمال ابن رشد أثرت على الفيلسوف توما الأكويني والفيلسوف ابن ميمون، وكان التنوير تقدماً للمنهج العلمي وأولوية العقل البشري المستقل، كما دافع عنه ابن رشد.
العالم الإسلامي اليوم غارق في إرث الغزالي ورافض للفلسفة الأرسطية.
هذه الطريقة في التفكير بشكل غير علمي معادية لقيم الغرب التي شكّلها التنوير. المشكلة، بالنسبة للكاتب، أن العديد من المسلمين اليوم تم جرهم إلى عصر مظلم جديد من التعصب، فأصبحوا غير قادرين على قبول الحداثة. إلا أن ابن رشد يقدم مع ابن خلدون وإلى جانب التنوير مخرجاً.
في بريطانيا، يتم تجاهل، بشكل مقلق، مخاطر ادعاءات تنظيم الإخوان الإرهابي وحركة حماس وحلفائهما.
ويختم التقرير البريطاني إن خوض هذا النقاش لدعم التنوير يعني الانضمام إلى حملة ماكرون في الدفاع عن الحضارة، إنه “ضرورة لتذكير الغرب مرة أخرى بمن نحن ودعوة المسلمين بثقة للانضمام. والوقت ليس في صالحنا».
هجوم فيينا
رغم تعرض فيينا قبل أيام لهجوم دام، اعتبرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أن النمسا تعتبر “النموذج الأمثل” في التصدي للإرهابيين والمتشددين في القارة الأوروبية، بعكس فرنسا التي فشلت في ذلك.
ومع أن حكومة المستشار النمساوي سيباستيان كورتس لم تنجح في إحباط هجوم فيينا الإرهابي، لكنها تكافح الإرهاب بخطوات حازمة وتتحدث منذ سنوات باللغة التي يستخدمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حاليا.
وكان هجوم إرهابي وقع في العاصمة النمساوية مطلع نوفمبر الجاري، وقتل فيه 4 أشخاص وأصيب 20 آخرين، قبل أن تقتل السلطات المهاجم الذي تبين أنه كان معروفا لأجهزة الأمن.
وبقدر ما كان هجوم فيينا مأساويا، فإنه لم يكن مفاجئا لخبراء مكافحة الإرهاب.
وقبل أسبوع من هذا الهجوم، قتل 3 فرنسيين في هجوم إرهابي على كنيسة بمدينة نيس الفرنسية.
وسلط الهجومان الضوء على ظاهرة الإرهاب في القارة الأوروبية، وهو تهديد لم يتبخر بحسب خبراء مكافحة هذه الظاهرة.
لكن ما هو مؤكد، أن التهديد الإرهابي في الوقت الراهن أقل حدة مما كان عليه الوضع بين عامي 2014 و2017، عندما نفذ متطرفون هجمات دامية بدا بعضها وكأنه يحدث بصورة منتظمة، وكان بعضها بتحريض من تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي انهار في معقليه بسوريا والعراق.
أولوية مكافحة التشدد
تقول “فورين بوليسي” إن كورتس وحزبه جعلوا من مواجهة “الإسلاموية” بشقيها العنيف وغير العنيف، إحدى أولويات سياستهم.
وأضافت أن كورتس متقدم كثيرا على ماكرون، الذي يتحدث في هذه الأيام عن ضرورة مواجهة الأصولية، إذ إن المستشار النمساوي يتحدث عن الأمر منذ سنوات طويلة.
ولدى كورتس رؤية بشأن “الإسلاموية”، إذ يعتبرها تهديدا للحياة الديمقراطية والتماسك الاجتماعي في النمسا، كما أثار الانتباه بشأن التمويل الأجنبي للمؤسسات الإسلامية المحلية في بلاده وتأثيرات ذلك.
إجراءات ملموسة
وقالت المجلة الأميركية إن “المستشار النمساوي اتخذ إجراءات ملموسة بهذا الشأن، فعلى سبيل المثال، أقرت النمسا في 2015 مراجعات للقانون الذي ينظم العلاقة بين الدولة والمجتمع المسلم فيها».
وأعاد كورتس تنظيم معايير تعيين الأئمة، بالإضافة إلى حظر التمويل الأجنبي للمؤسسات الإسلامية في النمسا، وقدمت الحكومة قانونا يحظر رموز تنظيم الإخوان الإرهابي.
كما شرعت فيينا في إجراءات لإغلاق العديد من المساجد المتطرفة وطرد الأئمة المتشددين، وأنشأت مرصدا دائما للإسلام السياسي.
تأخر فرنسي
على الجهة الأخرى، بدأت فرنسا في اتخاذ هذه الإجراءات في الآونة الأخيرة، بعدما قطع متطرف شيشاني رأس أستاذ تاريخ وجغرافيا في باريس، فيما بدا أنها متأخرة للغاية مقارنة بالنمسا.
واعتبرت “فورين بوليسي” أن “السياسة النمساوية في مواجهة التطرف والإرهاب حققت نجاحا نسبيا، رغم كل العقبات على اعترضت طريق الحكومة».
ومن بين التحديات التي واجهت حكومة كورتس عقبات من قبيل قلة الموارد المخصصة والصعوبات القانونية في ترحيل المتطرفين وحل المنظمات المتشددة، والأحكام القضائية المخففة كما ظهر في حالة منفذ هجوم فيينا، إلا أن المستشار النمساوي لم يقف مكتوف الأيدي.
التهديدات في النمسا
قد يظن البعض أن النمسا بصورتها الهادئة في أذهان الجميع، بعيدة عن التهديدات الإرهابية، لكن ذلك ليس صحيحا على الإطلاق.
وواجهت النمسا تهديدا إرهابيا خطيرا في السنوات الماضية، فنحو 300 من مواطنيها غادروا البلاد للانضمام لتنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا والعراق، في واحد من أعلى المعدلات في أوروبا.
وكان المتشددون قد وجدوا في النمسا ملاذا لهم منذ أمد بعيد، الأمر الذي أفضى فيما بعد إلى تنامي ظاهرة التطرف في البلاد.
وعلى سبيل المثال، استقر عضو مصري في تنظيم الإخوان في النمسا، ثم بدأ نجله العمل الدعائي لصالح التنظيمات الإرهابية، قبل أن يسافر إلى سوريا حيث التحق بـ”داعش”، وقتل في غارة جوية أميركية.