كيف يمكن لإدارة بايدن حل أزمة شرق المتوسط؟
طرح المستشار البارز في “مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات” السفير السابق إريك إدلمان والمدير البارز لبرنامج تركيا في المؤسسة نفسها الدكتور أيكان إردمير التحديات التي تواجه الإدارة الأمريكية المقبلة في شرق المتوسط إضافة إلى نصائح للتغلب عليها.
شكل موقع شرق المتوسط صلة وصل استراتيجية بين أفريقيا وآسيا وأوروبا ولهذا السبب كانت المنطقة مركزاً لتنافس القوى العظمى لأكثر من ألفي عام.
لم يكن من قبيل المصادفة أن تبدأ مقاومة واشنطن للتوسع السوفياتي، من تلك المنطقة، سنة 1947 مع حزمة مساعدة إلى تركيا واليونان كجزء من عقيدة ترومان. لكن أهميتها بالنسبة إلى الولايات المتحدة ضعفت مع نهاية النزاع الأمريكي-السوفياتي ومع تحويل واشنطن اهتمامها إلى الشرق عقب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية.
سببان ملحّان
أطلقت إدارة أوباما استدارتها إلى آسيا وأصبحت ليبيا القضية الأولى التي جسدت ما سماه مستشارو ترامب “القيادة من الخلف”. مع هذه التطورات، راجع اللاعبون، دولاً كانوا أم غير دول، طموحاتهم واستراتيجياتهم تحسباً لدور أمريكي متقلص في السنوات المقبلة. أما إشارات إدارة ترامب المتضاربة حول مصالح واشنطن والتزاماتها، بما فيها محاولات سحب القوات الأمريكية من سوريا، فقد عمقت الشعور بأن الولايات المتحدة تغادر المنطقة.
ثمة سببان أساسيان لضرورة تطوير واشنطن بشكل ملح استراتيجية متجانسة لشرق المتوسط. أولاً، ملء لائحة متنامية من اللاعبين المعادين لأمريكا الفراغ الإقليمي وهم يفرضون تهديداً متصاعداً على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها المهمّين. أما السبب الثاني فهو تحول تركيا إلى متمرد بعد حوالي 18 عاماً من حكم الإسلاموي رجب طيب أردوغان. لا يستهدف موقع أنقرة العدواني قبرص ومصر واليونان وإسرائيل وحسب، لكنه يعرض للخطر أيضاً الجهود الأمريكية من أجل الترويج لتطوير الطاقة الإقليمية الذي سيسمح لأوروبا بتقليل اعتمادها على الغاز الروسي الطبيعي.
روسيا وإيران
وتركيا... والوكلاء
لقد سمحت الحرب السورية لروسيا وإيران بتوسيع حضورهما في البلاد. تفرض قواعد الكرملين العسكرية ودفاعاته الجوية المتطورة في سوريا تهديداً متزايداً على الولايات المتحدة وحلفائها. ولإيران شبكة طويلة من الوكلاء، من بينهم حزب الله وميليشيات شيعية أخرى. تمارس هذه الشبكة تأثيراً شبه كامل على المستويين السياسي والعسكري في سوريا ولبنان وقد أعطت إيران فرصة تمديد “الجسر البري” إلى المتوسط.
ويرى الكاتبان أن تأمين طهران لذخائر دقيقة التوجيه يعدّل قواعد اللعبة وقد لا يترك لإسرائيل سوى شن جهد عسكري بارز في لبنان ضد المنظمة الإرهابية الأمر الذي قد يشعل حرباً واسعة مع إيران.
إن اللاعبين الذين لا يُصنفون في خانة الدول مثل داعش والقاعدة وحزب الله يواصلون تهديد الجيوش التقليدية.
يؤكد التدفق السريع للمقاتلين الأجانب على امتداد المنطقة، بما فيه إنشاء تركيا جسراً جوياً للمسلحين السوريين نحو ليبيا، صعوبات احتواء اللاعبين من غير الدول خصوصاً حين يتلقون المساعدة من دول راعية. يجسد البحر الأبيض المتوسط نقطة انطلاق للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
لا يمثل النزوح الجماعي للأشخاص، وما يترتب عنه من هجرة للأدمغة وهروب للرساميل، تحديات للدول المرسِلة وحسب.
يزعزع هذا الأمر استقرار الدول الأوروبية عبر تحفيز التيارات الشعبوية والقومية التي دافعت غالباً عن سياسات موالية للروس. واستخدمت روسيا وتركيا النزوح الجماعي كسلاح في إطار استراتيجيتيهما اللاتماثليتين.
أردوغان جزء
متزايد من المشكلة
تابع المحللان أن ما يرفع هذه التحديات إلى مستوى جديد هو الانعطافة الإسلاموية في تركيا وسلوكها المارق باطراد. يشمل ذلك شراء أنقرة لمنظومة أس-400 الروسية وديبلوماسية الزوارق العسكرية في تحدٍ للحدود البحرية. كما يشمل السلوك التركي المارق استخدام الوكلاء في حرب أنقرة داخل ليبيا وتحويل المهاجرين إلى أسلحة ورعاية تنظيم الإخوان وحماس الإرهابيين ونية أنقرة العمل مع مسلحين آخرين كوكلاء لها.
على الرغم من أن أنقرة تقدم نفسها دوماً على أنها ثقل موازِن لروسيا وإيران في المنطقة، تصبح تركيا الأردوغانية جزءاً متزايداً من المشكلة. لقد عززت تركيا مراراً مختلف أنواع اللاعبين المعادين للولايات المتحدة كما لعبت دور المفسِد في حلف شمال الأطلسي. وعلى الرغم من هذه التحديات الخطيرة، يوفر اكتشاف موارد هايدروكربونية بارزة في شرق المتوسط فرصاً لتقوية موقف واشنطن في المنطقة.
على أمل استغلال احتياطات الغاز في المتوسط، التقت دول أساسية مثل قبرص ومصر واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن إضافة إلى السلطة الفلسطينية في القاهرة شهر يناير (كانون الثاني) 2019 لتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط. طلبت فرنسا الانضمام إلى المنتدى، وتريد الولايات المتحدة أن تصبح مراقباً دائماً فيه. دفع تصلب تركيا عدداً من الدول بما فيها قبرص ومصر واليونان إلى البحث عن طرق لتعزيز التعاون السياسي
والعسكري مع
الولايات المتحدة
بعد دعوات لرفع الحظر الأمريكي عن تصدير الأسلحة إلى قبرص، تم سن قانون شراكة الطاقة والأمن في شرق المتوسط في ديسمبر (كانون الأول) 2019. هو يفوض تأسيس مركز أمريكي-شرق متوسطي للطاقة من أجل تسهيل التعاون في هذا المجال بين الولايات المتحدة وإسرائيل واليونان وقبرص.
ويفوض أيضاً مساعدة التمويل العسكري الخارجي لليونان ويوفر التعليم العسكري الدولي ومساعدة تدريب قبرص واليونان.
يحض المحللان الولايات المتحدة على رؤية المنطقة ككيان استراتيجي متناسق وعلى تخطي العوائق التنظيمية أمام صناعة القرار داخل بيروقراطية الأمن القومي. إن الخطوات الأخيرة لإعادة تأكيد الحضور العسكري الأمريكي في شرق المتوسط هي نقطة انطلاق جيدة لكن وضعية القوة الإقليمية الحالية لواشنطن هي ظل لما كانت عليه في السابق وغير كافية لردع الأعداء.
لهذه الغاية، وبالنظر إلى نقاط الاختناق البحرية وخطوط الاتصال البحرية الحيوية، على الولايات المتحدة مواصلة تعزيز حضورها البحري في المنطقة وتعاونها الدفاعي مع اليونان من خلال الاستناد إلى الاتفاقات الأخيرة التي أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس.
وينبغي أن يكون الإبقاء على حضور عسكري صغير في شمال شرق سوريا لمنع تأسيس إيران جسراً برياً إلى المتوسط جزءاً من الحسابات الاستراتيجية الأمريكية. كذلك، على واشنطن تعيين موفد خاص إلى شرق المتوسط للعمل عن كثب مع منتدى غاز شرق المتوسط وتحدي مزاعم الأوفشور التخريبية لدى تركيا.
بإمكان واشنطن أيضاً قيادة مناورة بحرية سنوية مشتركة تهدف إلى حماية أمن الطاقة البحرية وتجمع إسرائيل واليونان
وقبرص والدول
العربية المهتمة
في ليبيا، جعلَ الفراغ الأمني المحاولات الروسية والتركية لزعزعة استقرار الدولة أكثر تجرؤاً. حض إردمير وإدلمان واشنطن على تولي القيادة الديبلوماسية وعلى بذل جهد أكبر لتحقيق حل تفاوضي بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي. وعليها أيضاً تقديم حوافز ومثبطات أقوى، بما فيها العقوبات، لدفع أنقرة كي تقلب سلوكها الخبيث. وبالنظر إلى أن تراجع العلاقات الأمريكية-التركية يضع إمكانية وصول واشنطن المستقبلية إلى قاعدة إنجرليك التركية في خطر، سيكون على واشنطن وضع خطط طوارئ لخيارات إنشاء قواعد بديلة.
لكن لن يكون بإمكان واشنطن البقاء منفصلة عن المنطقة لفترة أطول بما أن روسيا وتركيا ستزيدان زعزعة الاستقرار. فالتدخلية التركية الجديدة تثير المخاوف لأنها تعتمد على الوكلاء الإسلامويين المحليين في سوريا حيث أن تصدير هذه المجموعات إلى ليبيا عمّق النزاع هناك. ويثير هذا الأمر أسئلة مقلقة حول توجه هؤلاء الجهاديين من شمال أفريقيا وشرق المتوسط إلى الدول الأوروبية الأطلسية وإلى الأراضي الأمريكية في نهاية المطاف.
وينبّه المحللان ختاماً إلى أن التوترات المتصاعدة حتى بين الدول الأطلسية نفسها مثل إيطاليا وفرنسا تتطلب قيادة أمريكية.
فالإخفاق في إعطاء الأولوية لشرق المتوسط سيحكم عليه بمواصلة الانزلاق في دوامة مع عواقب وخيمة للمنطقة وأوروبا والولايات المتحدة نفسها.