الرئيس الأوكراني لم يعرب عن أي أمل نحو إنهاء الحرب
ماذا يعني الاتصال الهاتفي بين زيلينسكي والرئيس الصيني؟
تطرقت رئيسة تحرير مجلة “ذا ديبلومات” شانون تييزي إلى الاتصال الذي أجراه الرئيس الصيني شي جين بينغ بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء الماضي.. ففي الشكل والمضمون ثمة ما استرعى اهتمام تييزي فلفتت إلى أن الاتصال جاء بعد عام وشهرين ويومين على شن روسيا غزوها الواسع النطاق لأوكرانيا. على النقيض من ذلك، منذ بدء الغزو في فبراير (شباط) 2022، التقى شي مرتين بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، بما في ذلك خلال زيارة دولة إلى روسيا في مارس (آذار) 2023. قبل زيارة روسيا مباشرة، انتشرت شائعات بأن شي سيقرن الرحلة بمكالمة هاتفية مع زيلينسكي. لكن الاتصال لم يتحقق. ظلت الصين صامتة بشأن الموضوع، بينما قال مسؤولون أوكرانيون إنهم على تواصل مع الصين بشأن مكالمة محتملة، مع إعرابهم عن درجات متفاوتة من الإحباط بشأن العملية. بعد أكثر من شهر على زيارة روسيا، تحدث شي أخيراً إلى زيلينسكي.
,حسب قراءة بيان وزارة الخارجية الصينية عن المكالمة، بدأ شي بمحاولة تضخيم العلاقات الصينية-الأوكرانية، وهي مهمة شاقة، باعتبار أنه يُنظر إلى بكين بشكل واسع على أنها تدعم ضمناً غزو روسيا لأوكرانيا. وأعلن شي أن “العلاقات بين الصين وأوكرانيا، بعد 31 عاماً من التطوير، وصلت إلى مستوى من الشراكة الاستراتيجية، معززة التنمية وتنشيط البلدين”. وأضاف: “يحتاج الجانبان للتطلع إلى المستقبل، ورؤية العلاقات الثنائية والتعامل معها من منظور طويل الأجل، والمضي قدماً في (اعتناق) تقليد الاحترام المتبادل والصدق، ودفع الشراكة الاستراتيجية بين الصين وأوكرانيا إلى الأمام».
بين التشابه والاختلاف
في ترجمة أكثر حرفية، أخبر شي زيلينسكي أن الصين “على استعداد” للعمل مع أوكرانيا من أجل “تعزيز التعاون ذي المنفعة المتبادلة”. على النقيض من ذلك، قال شي لبوتين في مارس إنه “بصرف النظر عن كيفية تطور الوضع الدولي، سوف تواصل الصين بذل الجهود لدفع شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا من أجل عصر جديد».
أوجه التشابه واضحة، لكن الاختلافات مهمة: “استعداد” الصين للتعاون مع أوكرانيا أقل تأكيداً من قولها إن الصين سوف تتعاون مع روسيا. في الحالة الأولى، المعنى الضمني هو أن بكين ترغب في القيام بشيء ما، من الناحية النظرية، لكن العبء يقع على الطرف الآخر لجعل ذلك ممكناً. على سبيل المثال، تدعو الكاتبة القراء إلى الأخذ بالاعتبار المرات الكثيرة التي يقول فيها المسؤولون الصينيون إن الصين “مستعدة” لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة.
والصين هي أيضاً “مستعدة” فقط للتعاون مع أوكرانيا في مجالات غير محددة للتعاون “المتبادل المنفعة” – وهي خطوة أقل من دفع علاقتها مع روسيا قدماً في جميع المجالات. بعبارة أخرى، العلاقات بين الصين وروسيا لا حدود لها؛ العلاقات بين الصين وأوكرانيا لها حدود.
مثير للدهشة
أنشودة شي عن العلاقة بين الصين وأوكرانيا تجنبت في الغالب أي ذكر للحرب المستعرة حالياً على الأراضي الأوكرانية، لكنه أشار إلى أن “الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي هو الأساس السياسي للعلاقات بين الصين وأوكرانيا».
حاولت أوكرانيا باستمرار استخدام سجل الصين في التأكيد على أهمية هذه المفاهيم من أجل إقناع بكين بإدانة انتهاكات روسيا الصارخة لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها.
لما يفعل شي ذلك بعد، ولم ينتقد روسيا في تلك المكالمة أيضاً. عوضاً عن ذلك، كرر شي موقف الصين بأنه “مصطف إلى جانب السلام”.
وأوضح: “موقفها الأساسي هو تسهيل المحادثات من أجل السلام”. أضاف شي: “بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ودولة رئيسية مسؤولة، لن تقف الصين مكتوفة الأيدي، ولن تصب الزيت على النار، ناهيكم عن استغلال الموقف لتحقيق مكاسب ذاتية».
حسب تييزي، إن النقطتين الأخيرتين موجهتان إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي اللذين تتهمهما الصين بإطالة الحرب لمصلحتهما. لكن تعهد شي بأن “الصين لن تقف مكتوفة الأيدي” يثير الدهشة، بالنظر إلى أن بكين قد فعلت ذلك بالضبط طوال عام ونيف على اندلاع الحرب.
هذا ما يراه شي
يبدو أن شي يرى فرصة سانحة لمحادثات سلام. تعكس مكالمته مع زيلينسكي في هذا الوقت بالتحديد ذلك الأمر، لكن شي أعلن أيضاً بصراحة أنه “مع ارتفاع التفكير والأصوات العقلانية الآن، من المهم اغتنام الفرصة وبناء ظروف مواتية للتسوية السياسية للأزمة”. ولهذه الغاية، قال إن الصين سترسل ممثلها الخاص المعني بالشؤون الأوراسية إلى أوكرانيا ودول أخرى “لإجراء اتصالات معمقة مع جميع الأطراف بشأن التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية». هذا هو أكبر استنتاج من المكالمة وفق الكاتبة: يجب أن نتوقع جولة من الدبلوماسية المكوكية يشارك فيها مسؤول صيني. ما إذا كانت أي نتيجة ستصدر عن هذا هو سؤال مفتوح. يتراوح تاريخ الوساطة في الصين من المبادرات الشكلية المصممة في الغالب لتبدو خيّرة مثل نهج الصين تجاه الأزمة الإسرائيلية-الفلسطينية إلى الوساطة الجدية ذات النتائج الملموسة وأبرزها الاختراق الإيراني-السعودي الذي تحقق في مارس. وتبقى متابعة النموذج الذي ستتبعه وساطة الصين في أوكرانيا.
رؤية زيلينسكي
من جانبه، قال زيلينسكي على تويتر إنه “أجرى مكالمة هاتفية طويلة وهادفة مع الرئيس (الصيني) شي جين بينغ”. لطالما أراد الزعيم الأوكراني فرصة لإطلاع شي شخصياً على الدمار الذي تسببه الحرب في بلاده؛ لخصت وزارة الخارجية الصينية هذا الجانب من المكالمة بملاحظة جافة مفادها أن “زيلينسكي شارك بآرائه حول الوضع الحالي للأزمة الأوكرانية». في تغريدته، أشار زيلينسكي أيضاً إلى نتيجة ملموسة أخرى: عينت أوكرانيا سفيراً في الصين سيوفر قناة اتصال أخرى بين كييف وبكين. وقال زيلينسكي “أعتقد أن هذه المكالمة، كما تعيين سفير أوكرانيا لدى الصين، سيعطيان دفعة قوية لتطوير علاقاتنا الثنائية”. لكنّ تييزي تلاحظ في الختام أن الرئيس الأوكراني لم يعرب عن أمل بأن المكالمة “ستعطي دفعة قوية” نحو إنهاء الحرب.