ماكرون أدرك التهديد..فرنسا تستيقظ على خطر تنظيم الإخوان الإرهابي بعد تقرير سري
لفت الكاتب غافين مورتيمر إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جمع بعض كبار وزرائه في قصر الإليزيه، يوم الأربعاء، وكان هدفهم وضع استراتيجية لمكافحة التوسع المتزايد لتنظيم الإخوان الإرهابي في فرنسا. كتب مورتيمر في مجلة «سبكتيتور» أن هذه المنظمة الضبابية التي تأسست في مصر عام 1928 تهدف إلى إقامة خلافة عالمية، وهي تتمتع في أوروبا تحديداً بأعظم نجاحاتها. تنظيم الإخوان الإرهابي محظور في العديد من دول الشرق الأوسط.
هذا ما كشفته الأبحاث
وُصف نفوذ الإخوان في فرنسا بالتفصيل في تقرير من 73 صفحة، وقد رفع عنه السرية هذا الأسبوع وزير الداخلية برونو ريتايو، الذي لطالما حذر من تسللهم إلى جميع مناحي الحياة الفرنسية.
أجرى مؤلفا التقرير، وهما سفير ومحافظ بارز، أبحاثاً مكثفة في فرنسا، لكن أيضاً في أماكن أخرى من أوروبا. وكان من بين من قابلاهم أكاديميون وقادة مسلمون على المستويين الوطني والمحلي.
كشف التقرير أن 7% من أصل 2800 مسجد في فرنسا تتمتع بروابط مع تنظيم الإخوان الإرهابي، يمثل ذلك نحو 91 ألف شخص يؤدون الصلاة بانتظام. وللجماعة أيضاً حضور قوي في الجمعيات الثقافية والرياضية. لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو نفوذها في المدارس. ولعل هذا ليس مفاجئاً. فقد أفاد استطلاع أجري سنة 2021 أن 65% من تلاميذ المدارس الثانوية المسلمين في فرنسا يولون قوانين الإسلام أهمية أكبر من الأهمية التي يولونها لقوانين الجمهورية.
وبالرغم من أن هذا الاستطلاع أثار الكثير من التعليقات في فرنسا، لم يتم بذل الكثير من الجهود لمحاولة وقف ما يُطلق عليه الفرنسيون «إعادة أسلمة» سكانهم المسلمين. فهل سيحفز هذا التقرير الأخير الجمهورية على اتخاذ إجراءات ملموسة؟.
ماكرون أدرك التهديد
وفق تقارير، أعرب ماكرون عن قلقه إزاء «خطورة الوقائع»، ووجه حكومته إلى تقديم مجموعة من المقترحات الجديدة لمكافحة تنظيم الإخوان الإرهابي في بداية الشهر المقبل. صرح متحدث باسم قصر الإليزيه بأن الرئيس أدرك أن تنظيم الإخوان يشكل «تهديداً للتماسك الوطني»، وأنه من الضروري «إبلاغ عامة الناس والممثلين المنتخبين المحليين بهذا التهديد وكيفية عمله».
من بين المجالات المثيرة للقلق وسائل التواصل الاجتماعي التي يقول التقرير إن تنظيم الإخوان الإرهابي يستخدمها «للتشكيك بمبادئ الجمهورية من حيث العلمانية، ولا سيما لمحاولة إثبات أن الدولة إسلاموفوبية (تعاني من رهاب الإسلام)».
ويركز التقرير بشكل خاص على استراتيجية الإخوان القائمة على الإسلاموفوبيا، «وما يترتب عليها من تحويل (المسلمين) إلى ضحايا»، فقد أثبتت هذه الاستراتيجية فاعليتها الكبيرة في كسب قلوب وعقول الشباب القابلين للتأثر على وسائل التواصل الاجتماعي.
وسلط ريتايو الضوء على هذه الاستراتيجية في لندن الشهر الماضي عندما ألقى كلمة في منتدى تبادل السياسات بعنوان «التحدي الإسلاموي: كيف ينبغي على المجتمعات الحرة أن تستجيب الآن؟».
قاعدة متقدمة
حذر وزير الداخلية من أن الإسلاموية السياسية «استغلت سردية الضحية الكبيرة لتقديم المسلمين الأوروبيين على أنهم أكباش الفداء الجدد، والملعونون الجدد على وجه الأرض». عرّف الإسلاموفوبيا بأنها استراتيجية لـ «شل الضمائر وشل الإرادات».
بحسب مورتيمر، يمكن القول إن هذه الاستراتيجية لم تحقق نجاحاً يذكر في أي مكان أوروبي أكثر من بريطانيا. يصف التقرير الفرنسي بريطانيا بأنها «قاعدة متقدمة» لفرع تنظيم الإخوان في الشرق الأوسط، وثمة قلق متزايد في فرنسا إزاء ما يحدث على الضفة الأخرى من القناة.
خلال السنة الماضية، حذر ألكسندر ديل فال الذي كان مستشاراً للدفاع الوطني الفرنسي في أواخر التسعينات من أن العديد من البلدات والمدن الشمالية في إنجلترا «أصبحت معاقل إسلامية، بتشجيع من الدعاية السياسية للإخوان». وهذا وضع استثنائي ومقلق، بالنظر إلى أن بريطانيا أجرت تحقيقها الخاص في تنظيم الإخوان المسلمين قبل عقد من الزمن.
«هذا لن يحدث»
بتكليف من رئيس الوزراء آنذاك ديفيد كاميرون، ترأس المراجعة السير جون جينكينز، السفير البريطاني الأسبق لدى المملكة العربية السعودية، لكن نتائجه قوبلت بتجاهل واسع.
كما كتب السير جون في مجلة سبكتيتور في وقت سابق من السنة الحالية «يبدو أن الحكومات البريطانية المتعاقبة تعتقد أنه إذا تجاهلنا الإسلاموية أو اكتفينا بالانتباه إلى انفجار قنبلة في مترو الأنفاق أو إلى مقتل شخص بطريقة بشعة.. فسيتأقلم الجميع وسيكون كل شيء على ما يرام. هذا لن يحدث».
يُسهل عمل تنظيم الإخوان في بريطانيا واقع أن «الإسلاموفوبيا» أصبحت بنداً إيمانياً لدى الكثيرين في المؤسسة. ومن المتوقع أن تشدد حكومة حزب العمال قريباً تعريف ما يشكل «الإسلاموفوبيا» بناء على تقرير صدر عام 2019 عن مجموعة برلمانية من جميع الأحزاب.
ما أراده ريتايو
لا يستخدم الإخوان في أوروبا العنف، فالقوة الناعمة أكثر فاعلية بكثير. كما كانت السياسة المحلية وسيلة ناجحة بشكل خاص لهم لترسيخ جذورهم في جميع أنحاء أوروبا.
أضاف الكاتب أن أحد أسباب قيام برونو ريتايو برفع السرية عن هذا التقرير هو لفت انتباه الجمهور إلى تنظيم الإخوان الإرهابي قبل الانتخابات المحلية المقررة في عام 2026 في فرنسا، وقال في مقابلة أجريت معه مؤخراً: «هناك خطر في العام المقبل من أنهم سيخوضون الانتخابات المحلية بخطاب: (إذا واجهتمونا، فسوف نحضر مجموعة من الأصوات)».
وذكر مورتيمر في الختام أن رفع السرية عن التقرير واجتماع الإليزيه هيمنا هذا الأسبوع على الأخبار المطبوعة والمذاعة في فرنسا. لن يرضى الإخوان بمثل هذا التسريب. ولحسن حظه، لا يزال التنظيم قادراً على العمل في الظل في بريطانيا.