يسعى إلى بناء تحالف مع القوى المتطرفة لدعم مساعيه السلطوية

من واشنطن إلى باريس.. ترامب يصدّر أجندته إلى أوروبا

من واشنطن إلى باريس.. ترامب يصدّر أجندته إلى أوروبا


لم يُخفِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مؤتمره الصحفي في المكتب البيضوي في الأول من أبريل -نيسان، رأيه بأن منع السياسية الفرنسية اليمينية المتطرفة مارين لوبان من الترشح للمناصب العامة «أمر خطير»، بل شبهه بـ»فضيحة القرن»، ووصف إدانتها بأنها «مطاردة ساحرات»، مقارناً ما تواجهه من تحديات قانونية بما يواجهه هو، ومصوّراً نفسه مجدداً كضحية.
وكتب مساعد أستاذ السياسة العامة في الكلية الملكية بلندن جوروجيوس ساماراس في النسخة الأورووبية من موقع بوليتيكو الأمريكي، أن استراتيجية ترامب وجدت صدى لها على الجانب الآخر من الأطلسي، إذ سارعت لوبان إلى تبنّي سردية المظلومية، على غرار ما فعله ترامب بعد أحداث اقتحام الكابيتول في 6 يناير -كانون الثاني 2021. 
وتُظهر استطلاعات الرأي حالياً تقدُّم جوردان بارديلا، وريث لوبان السياسي، في الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2027.

«اللاعقاب» كأيديولوجيا
في أوساط أنصار حركة «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً»، لم يعد تصوُّر الزعيم على أنه فوق القانون أمراً مستهجناً، بل أصبح متوقعاً. وهذه هي الرسالة التي يسعى ترامب إلى ترسيخها من خلال حملته غير المسبوقة ضد المؤسسات القضائية الأمريكية من المحاكم إلى القضاة، ومن الأحكام إلى مكاتب المحاماة، كل من يقف بوجه سياساته يُستهدَف.
هكذا يتصوّر ترامب فترته الرئاسية الثانية: مرحلة من إعادة الهيكلة القاسية للداخل الأمريكي، تهدف إلى تعزيز تفوقه السياسي والثقافي بأي ثمن.
والأخطر، أن المؤشرات التي ظهرت في مشروعه الرئاسي لعام 2025 تكشف أن هذه الأجندة لا تقتصر على الداخل الأمريكي، بل تمتد إلى الخارج – وهو ما يؤكده دعمه العلني لليمين المتطرف في فرنسا.
ويسعى ترامب إلى بناء تحالف مع القوى اليمينية المتطرفة في أوروبا لدعم مساعيه السلطوية، ويجد في إيلون ماسك حليفاً لا غنى عنه. فمفهوم ماسك الخاص لـ»حرية التعبير» يُعدّ أداة أساسية في هذه الحملة.

دوافع سياسية
وبالتوازي، وصف ماسك ملاحقة لوبان قانونياً بأنها ذات دوافع سياسية، وهاجم وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية بسبب مراقبتها لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف. كما دعم اليمين المتطرف في رومانيا، رغم فضائح تتعلق بالتدخل الأجنبي.
بهذا الشكل، يتحول التحالف بين ترامب وماسك إلى مشروع سياسي يرمي إلى الهيمنة الثقافية والسياسية، يستقطب كل انتهازي أوروبي يطمح لاستغلال الدعم الأمريكي لتحقيق مصالحه، ولو على حساب الديمقراطية.
وتنطبق على هذه الظاهرة نظرية الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي عن «الهيمنة الثقافية»، التي لا تُفرض بالقوة بل تُنسج في نسيج المجتمع عبر مؤسسات مؤثرة مثل الإعلام والتعليم.
ترامب جسّد هذه النظرية منذ وصوله إلى البيت الأبيض إذ استهدف الإعلام، وفكّك وزارة التعليم، وألغى برامج التنوع والمساواة، وقيّد بشدة حقوق الإجهاض، وفرض قيوداً صارمة على الانضمام إلى الجيش.
وكل هذا ليس إلا جزءاً من خطة أكبر تتواصل بلا هوادة، وتتمثل آخر تجلياتها في «يوم التحرير» الذي أطلق خلاله عاصفة من الرسوم الجمركية لإخضاع دول العالم. ورغم مشاركة ماسك في فعالية لحزب «الرابطة» الإيطالي اليميني المتطرف للتعبير عن رفضه لهذه الرسوم، فإن ترامب لم يتراجع – بل اعتبرها إعلاناً صريحاً بعزمه كسر الأعراف الثقافية وإسكات المعارضة، حتى لو كلّف ذلك العالم كساداً اقتصادياً جديداً.

مؤشرات مقاومة
ومع ذلك، فليست الصورة قاتمة بالكامل، إذ ثمة إشارتان تدلان على تصاعد المقاومة لهذا المسار:
أولاً، يتنامى الشك في أوساط الدول الأوروبية بشأن جدوى الرهان على «ترامب وحلفائه»، إذ بدأت أوروبا تتجه نحو شراكات جديدة لتقليل اعتمادها على واشنطن، في مؤشر على أن التعاون مع «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً» لم يعد خياراً استراتيجياً. ثانياً، جاءت نتائج انتخابات المحكمة العليا في ولاية ويسكونسن لتوجه صفعة لترامب وماسك. فرغم إنفاق ماسك ملايين الدولارات على الحملة، ومحاولاته لتشويه سمعة الخصوم واتهام النظام الانتخابي بالفساد، خسر مرشحه. بل إن بعض الجمهوريين أنفسهم أعربوا عن رفضهم لماسك. وسط هذه المؤشرات التي تدل على تراجع الزخم الترامبي وتكلفة مشروعه الاقتصادية والسياسية، تبدو أوروبا أكثر استعداداً لمواجهة المد الاستبدادي. ويمكنها، عبر كشف عجز اليمين المتطرف عن تقديم حلول اقتصادية وسياسية واقعية، أن تعيد الأمل إلى الديمقراطية، حتى وإن خيّم الظلام.