سلط خطابه آبي في عام 2007 الضوء على الفراغ الفكري في واشنطن

نظام آسيوي جديد آخذ في التشكل.. شنزو آبي عرابه

نظام آسيوي جديد آخذ في التشكل.. شنزو  آبي عرابه

وضع رئيس الوزراء الياباني الراحل شنزو آبي إطاراً استراتيجياً مؤذناً بالتكامل الاقتصادي الذي يتشكل في آسيا وأجزاء من أفريقيا، وذلك من خلال ترسيخ إطار اقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادي.
ونظراً لاندماج دول الجنوب الآسيوي والشرق الأوسط في غرب آسيا، سيعيد النظام القاري الجديد تشكيل توازنات القوة العالمية، وفق محمد سليمان، مستشار الاستراتيجية العالمية في شركة مكارثي آسوشييتس، ومدير برنامج التقنيات الاستراتيجية والأمن السيبراني في معهد الشرق الأوسط البحثي ومقره واشنطن، في تحليل بموقع The Strategist التابع لمعهد السياسات الاستراتيجية الأسترالي.
أثناء زيارته الأولى للهند كرئيس وزراء، ألقى آبي خطاباً مؤثراً في البرلمان الهندي بعنوان "مجمع البحرين". اشتق آبي عنوان الخطاب من كتاب ألفه الأمير المغولي دارا شكوه عام 1655 مستهدفاً استكشاف أوجه الشبه بين الإسلام والهندوسية بوصفهما ديانتين متجاورتين ومكونات حضارية. وأشار آبي إلى أن المحيطين الهادئ والهندي يتشابهان في عدة أوجه، ومن شأن "الربط الديناميكي" بين "بحار الحرية والرخاء" أن يحول لا إقليم المحيطين الهندي والهادئ فحسب، بل أن يحول "آسيا ككل". لكن آبي الذي اغتيل في شهر يوليو (تموز) الماضي كان يفكر فيما هو أبعد من تلك التعابير المجازية، إذ تمثل أسمى أهدافه في تأسيس أهم علاقة ثنائية في الإقليم، وهي العلاقة بين الهند واليابان.
 
خلق توازن قوى جديد
وبوصفه أول زعيم يؤكد على الأثر الإقليمي والعالمي لصعود الصين، حمل آبي على عاتقه مسؤولية خلق توازن قوى جديد ومستمر. فقد ساعد على تحويل الوضع الاستراتيجي للمنطقة من خلال توسيع الحدود الجيوسياسية لإقليم آسيا والمحيط الهادئ ودفعه نحو الغرب تجاه المحيط الهندي.
وسلط خطاب آبي في عام 2007 الضوء على الفراغ الفكري في واشنطن في ذلك الوقت. فبينما كانت الولايات المتحدة في أوج حربها المشؤومة على الإرهاب، علاوة على تورطها في حربين مكلفتين في العراق وأفغانستان، كان آبي يسعى لإعادة تحديد إقليم آسيا والمحيط الهادي من منظور ياباني، باعتباره منافساً لمجتمع "المصير المشترك" المتمركز حول الصين.
 
تعزيز التعاون في المنطقة الأوراسية -الإفريقية
ويعد تعزيز التعاون عبر المنطقة الأوراسية -الإفريقية من خلال إقامة شبكات دفاع واسعة وروابط تجارية أساسياً للتأكيد على رؤية آسيا الأكثر اتساعاً. وإذ وضع إقليم المحيطين الهندي والهادي في قلب تلك الرؤية، تم استقاء معلومات ترجع للقرن التاسع عشر من الأدميرال الأمريكي ألفريد ماهان والمؤرخ البحري البريطلني جوليان كوربيت.
ويعد ماهان وكوربيت رائدين للاستراتيجية البحرية الحديثة. وأشارا إلى أن القوة البحرية مصدراً ضرورياً لقوة الأمم. وأكد عالم السياسة نيكولاس سبايكمان في القرن العشرين على أهمية المنطقة الأوراسية، بعكس هالفورد ماكيندر الذي بالغ في تقدير المنطقة الأوراسية. وأمدت كتابات ماهان وكوربيت حول القوة البحرية ومنهج سبايكمان الجيوسياسي آبي بالإطار الفكري حول آسيا أكثر اتساعاً.
 
الحوار الأمني الرباعي
ويعد الحوار الأمني الرباعي، وفق الكاتب، أوضح أشكال استراتيجية إقليم المحيطين الهندي والهادئ التي وضعها آبي والتي بدأت كمبادرة إنسانية حين شكلت الولايات المتحدة، وأستراليا، والهند، واليابان عملية إغاثة مشتركة بعد تعرض إندونسيا لتسونامي مدمر عام 2004. وبعد إعادة انتخابه عام 2017، أعاد آبي اقتراح هذا الحوار كوسيلة لدعم رؤيته الجيوسياسية.
ولم يكن هذا الحوار سوى بداية، إذ تبعته سلسلة من الهيئات المكونة من عدد قليل من الدول مثل الاتفاقية الأمنية الثلاثية بين أستراليا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، والحوار الثلاثي الاستراتيجي بين اليابان، والمملكة المتحدة، وأستراليا، والتعاون الثلاثي بين أستراليا، وإندونسيا، والهند، ومشروع المقاتلات المشترك بين إيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة.
 
تعزيز الأمن والاستقرار
وأوضح الكاتب أن كل هذه المبادرات تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار في إقليم المحيطين الهندي والهادئ، وتعكس ما يجري من تحول في المنطقة إلى "جغرافيا استراتيجيات". ودفعت حرب العراق وما يسمى الربيع العربي الدول العربية لتنويع تحالفاتها وشراكاتها وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، فهرعت الدول الآسيوية مثل الصين، واليابان، والهند، وإندونسيا، وكوريا الجنوبية لملء هذا الفراغ.
وبينما سعى آبي لموازنة تنامي قوة الصين بإعادة تحديد إقليم آسيا والمحيط الهادي، راح الخبراء الاستراتيجيون والمفكرون يحاولون تأسيس توازن قوة إقليمي بتوسيع التعريف الجيوسياسي للشرق الأوسط ليشمل الهند وغيرها من دول جنوب آسيا.
ويعد دخول الهند في المجال السياسي والاقتصادي للشرق الأوسط امتداداً للنموذج الجيوستراتيجي الذي ناصره آبي في خطابه المعنون "مجمع البحرين". ولأن الهند تعد رابطة بين إقليم المحيطين الهندي والهادي والدول الهندية الإبراهيمية في غرب آسيا، فإن النظام القاري الآسيوي آخذ في التشكل، وفق الكاتب.