هل تتشدد أوروبا مع إيران بعد تحررها من عقدة ترامب؟

هل تتشدد أوروبا مع إيران بعد تحررها من عقدة ترامب؟


حض الرئيس السابق لفريق مكافحة الإرهاب الدولي في مكتب الحكومة البريطانية العقيد ريتشارد كمب الدول الأوروبية على إدراك، أن استرضاء إيران هو مشكلة كبيرة لمصالحها ولأجيالها المقبلة، لأن هذا ما أثبتته الاعتداءات ومحاولات الاعتداء الإيرانية على أراضي الأوروبيين خلال المفاوضات على الاتفاق النووي، والفترة التي أعقبت توقيعه.
استهل كمب مقاله في “معهد غيتستون” بالمحاكمة التي انطلقت في الشهر الماضي ببلجيكا للمسؤول الأمني الإيراني أسدالله أسدي، وثلاثة إيرانيين آخرين بعد اتهامهم بالتخطيط لتفجير قنبلة بباريس في 2018.
كان أسدي أبرز مسؤول في وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية في أوروبا، وتستر بغطاء العمل الديبلوماسي داخل سفارة طهران في فيينا. وهو أول مسؤول حكومي إيراني يُحاكَم في دولة أوروبية بسبب اعتداءات إرهابية، رغم المحاولات الكثيرة لشن هجمات على الأراضي الأوروبية بأوامر من طهران.
ويوضح كمب أن إرهاب الدولة ليس مجرد فعل في حد ذاته، وأنه أيضاً أداة للقوة والإكراه.

أوامر من روحاني
ذكرت التقارير أن الأوامر بالمخطط الفاشل صدرت عن الرئيس الإيراني حسن روحاني، ووافق عليها المرشد الأعلى علي خامنئي، وكان هدفه تجمعاً للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، حضره حوالي 80 ألف شخص، من بينهم رئيس الوزراء الكندي السابق ستيفن هاربر، ومحامي ترامب رودي جولياني وعدد من النواب البريطانيين، والأوروبيين.
ووفقاً للاتهام، أحضر أسدي القنابل إلى أوروبا عبر طائرة تجارية، وهي قنابل تشبه النوع نفسه الذي استخدمه إرهابيون بمانشستر البريطانية في 2017، في الهجوم الذي خلف 22 ضحية، و800 جريح، وفي الهجمات على لندن في 2005 التي أودت بـ 52 شخصاً وجرحت 700.

تهديدات إيرانية بالانتقام
في مارس (آذار)، هدد أسدي الذي رفض حضور المحاكمة متذرعاً بالحصانة الديبلوماسية بالانتقام، لو أدين. وهددت الحكومة الإيرانية بـ “رد متناسب” على الدول المنخرطة في المحاكمة.
أمنت إسرائيل المعلومات الاستخبارية للسلطات الأمنية الأوروبية التي تمكنت من إحباط الاعتداء. وفي السابق، مرر الموساد الإسرائيلي معلومات استخبارية لجهاز أم آي-5 البريطاني لإحباط تفجير آخر في 2015، أمرت به إيران، ومعلومات عن تخزين وكيل إيران الإرهابي حزب الله 3 أطنان من نيترات الأمونيوم في شمال لندن، المادة التي تسببت في دمار هائل في بيروت، ويُذكر أن الكمية المكتشفة في لندن كانت أعظم من الكمية التي قتلت 168 شخصاً وجرحت 680 آخرين في تفجير أوكلاهوما الأمريكية، في 1995.

سلسلة محاولات اعتداء... لندن تسترت
في السنة نفسها لمحاولة الاعتداء ضد لندن، كشفت محاولة تفجير أخرى لحزب الله في قبرص، وهي أيضاً دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، حجزت فيها هذه المرة 8.2 أطنان من نيترات الأمونيوم، بناءعلى معلومات من الموساد أيضاً للسلطات القبرصية. وكانت هنالك محاولة في تايلاند أيضاً في 2012، وبعد سنتين من كشف مخطط استهداف لندن، برزت مؤشرات على مخطط مشابه في نيويورك. وفي سنة 2012، اغتال حزب الله خمسة سياح إسرائيليين وسائقاً حين فجر باصاً في بلغاريا، وهي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي. تابع كمب أن جميع الهجمات في الدول الأوروبية، تزامنت مع نشاط لندن، وباريس، وبرلين، وبروكسل في المفاوضات على الاتفاق النووي.
لذلك كان من المتوقع أن تكون ردود الفعل الأوروبية محدودة لتفادي الإضرار بالمفاوضات، حتى كشفه في 2019 على صحيفة دايلي تيليغراف، التي أعلنت إبقاء السلطات البريطانية مخطط استهداف لندن في 2015 قيد السرية، بسبب ضغط من إدارة أوباما.

الأوروبيون يفشلون
ويرى كمب، أنه ورغم الاعتداءات الإرهابية عليها، و ربما بسببها، اصطفت الدول الأوروبية إلى جانب إيران، فرفضت الاقتداء بالولايات المتحدة في الانسحاب من الاتفاق النووي.
وعوض الانضمام إلى حملة الضغط الأقصى لترامب لتعديل سلوك إيران، دعم الأوروبيون طهران وسعوا إلى تقويض عقوبات الولايات المتحدة الاقتصادية بتأسيس أداة إنستكس، لمواصلة التجارة مع إيران.
وفشل الأوروبيون في معارضة إنهاء حظر تصدير الأسلحة التقليدية إلى طهران ورفضوا دعم واشنطن في إطلاق آلية الزناد بعد انتهاكات إيران الفاضحة للاتفاق النووي.
في 2019، يضيف كمب، فرض الاتحاد الأوروبي على مضض عقوبات رمزية على قسم من وزارة الاستخبارات الإيرانية، ومسؤولَين آخرَين بعد المخططات الإرهابية في فرنسا، والدنمارك في 2018.
ومع ذلك، شدد الأوروبيون على دعمهم المستمر للاتفاق النووي ومواصلة التجارة مع إيران. كان لبريطانيا، وألمانيا، وخاصةً فرنسا تحفظات قاسية في المفاوضات. ومع ذلك، دُفعت لقبول الاتفاق المعيب بسبب تصميم أوباما على تأمين إرثه، رغم التعنت الإيراني.
نتج فشل الأوروبيين في تتبع خطى ترامب عن ولائهم المضلل لأوباما والازدراء بترامب والرغبة في استرضاء إيران، عوض الحسابات الاستراتيجية الحقيقية.

محاصَرون
أشار كمب إلى أن الأوروبيين يجدون أنفسهم اليوم محاصرين بما يعلمون أنه اتفاق نووي زائف وخطير يؤدي ببساطة إلى مواجهة بين الأجيال المقبلة، وإيران المسلحة نووياً.
بعد تحررهم من ازدرائهم لترامب، الذي تسبب لهم في هزيمة ذاتية، ستبرز أمام الأوروبيين فرصة قريبة للتحرك أخيراً بناء على مصلحتهم ومصلحة أبنائهم، بإقناع بايدن بقبول اتفاق مع طهران يقيّد طموحات آيات الله، وعدوانهم الإقليمي بشكل حقيقي. لكن عليهم مواجهة مخاوفهم من إيران أولاً.
شنت إيران عدداً من المحاولات الإرهابية على الأراضي الأوروبية مستهدفة وجوهاً إيرانية معارضة. هدفت إيران إلى اغتيال المعارضين لردع منشقين آخرين، وتحذير أوروبا من إيوائهم، أو دعمهم.
لم تكن القيادة الإيرانية لتفعل ذلك لو خشيت رداً مدمراً. لقد نظرت القيادة الإيرانية إلى الأوروبيين والأمريكيين بازدراء على أنهم ضعفاء وعاجزون عن الدفاع عن مصالحهم بسبب نقص شجاعتهم.
أعطى ترامب الإيرانيين فرصة لمراجعة تفكيرهم خاصةً بعدما أمر باغتيال قاسم سليماني.
واليوم، بات على الحكومات الأوروبية إظهار قوتها وإلا فإنها ستواجه الإكراه الإيراني. وحتى مع وضع هذه الضرورة الاستراتيجية، يؤكد كمب في الختام أن الأوروبيين لا يستطيعون تحمل امتلاك نظام عدواني ومتلاعب مثل النظام الإيراني، أسلحة نووية.