في ندوة الثقافة والعلوم وصالون المنتدى

هل خرجت الرواية العربية من معطف نجيب محفوظ؟

هل خرجت الرواية العربية من معطف نجيب محفوظ؟


نظمت اللجنة الثقافة في ندوة الثقافة والعلوم بالتعاون مع صالون المنتدى ندوة فكرية بعنوان “هل خرجت الرواية العربية من معطف نجيب محفوظ؟” بمشاركة نخبة من الكتاب والناقد علي أبو الريش، وإيهاب الملاح، ود. خيري دومة، ومحمد شعير، وريم الكمالي، ولطفي الشابي وزينة الشامي وحضور مشهود من المثقفين والمهتمين.
أدارت الندوة الكاتبة عائشة سلطان منوهة إلى أن غالبية الوسط الثقافي العربي يحيي ذكرى وفاة الأديب نجيب محفوظ في هذه الفترة، والذي ترك أرثاً أدبياً سيبقى قابلا للقراءة والدراسة والنقد والكثير من الأسئلة والطروحات، باعتباره مدرسة للرواية العربية.

وألقت زينة الشامي الضوء على سيرة نجيب محفوظ الروائي العربي وهو أشهر روائي عربي ولد في ديسمبر عام 1911، وتوفي في 30 أغسطس 2006، درس الفلسفة وتخلى عنها لصالح الأدب وكرس حياته للرواية والقصة، وهو الأديب العربي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل.
وأكدت أنه من ملامح العبقرية عند نجيب محفوظ أنّ رواياته تقرأ من قبل الجميع وكل يجد فيها ما ينشد فالإنسان البسيط يرى فيها حارته وذاته والفيلسوف يرى فيها أفكارا حية.

وذكر د. خيري دومة الناقد المصري أن نجيب محفوظ يعتبر أكبر كاتب عربي كتبت عنه أشكال مختلفة من النقد، وقد ذكر د. جابر عصفور أن هناك عدد كبير من الكتب والمقالات عن نجيب محفوظ، وكذلك هناك ببليوجرافيا للدكتور محمد فتحي عبدالهادي عن نجيب محفوظ وما كتب عنه.
وأكد دومة أن هناك من كتب احتجاجاً على نجيب محفوظ، إلا أنه يمثل علامة مهمة تغطي مساحة كبيرة من الفكر العربي الحديث، فقد أنجز محفوظ إنجاز واضحاً في الرواية السردية العربية، وظل العلامة الأهم رغم ما سبقه من علامات وقامات كبيرة وما قد يسبقه. فنجيب محفوظ ظاهرة له بصمتها والاهتمام النقدي بأعماله مسألة طبيعية، ولتميز تجربته بالدأب والاستمرارية.

وأضاف أن الذي ميز مشروع نجيب محفوظ كله، عن غيره أنه انطلق من فكرة فلسفية أساسية لم يكن من الممكن التقاطها ولا التعبير عنها إلا ببناء فن الرواية. كان محفوظ يريد أن يكتب تاريخ بلده، تاريخ الإنسان، وتاريخ الكون، وهي فكرة لا يمكن أن تتحقق إلا بالمنطق الذي جاء به فن الرواية.

وأكد الناقد إيهاب الملاح أننا بإزاء ثلاث موجات تقريبًا من الأجيال (من حيث السن) أحدثها لم يرَ محفوظ ولم يشاهده لكن الغريب أن يكون محفوظ؛ أدبه وسيرته وقيمة ما قدمه للوطن والإنسانية أحد اهتمامات هذا الجيل وتطلعاته الأدبية والمعرفية، وثمة جيلان آخران يضمان شرائح لا بأس بها يعتبرون محفوظ قامة أدبية ومعرفية وإنسانية لا تقل في أثرها ولا رسوخها عما يمثله «جوته» للألمان مثلا، أو «دانتي» للإيطاليين، أو «شكسبير» أيقونة الإنجليز الكبرى..

وأضاف الملاح رغم الغياب والإهمال المتعمد، ورغم حملات التشويه والكذب، والقصور الفادح الرسمي في الاعتناء برمزها الأدبي الأكبر في التاريخ الحديث والمعاصر، ما زال محفوظ «حيًا»، «باقيًا»، «حاضرًا»، يقبل على قراءة إبداعاته أجيال جديدة ويعيد اكتشافه في مصر والعالم العربي عشرات الآلاف.

وأكد الملاح أنه حينما ظهر محفوظ على الساحة الأدبية في أربعينيات القرن الماضي كان كمن يمسك بعصا موسى التي أكلت ما قبلها. لا بمنطق الإقصاء ولا التدمير ولا الإخفاء. أبدا. لكن كانت قراءة أعماله تعني حدوث تغير جذري في الذائقة الأدبية والجمالية لدى قراء هذا الأدب. ثمة إجماع بين شرائح وقطاعات وأفراد يتفاوتون في درجة التعليم والثقافة والوعي والعمر بأن قراءة نجيب محفوظ قد غيرت كل شيء، وأحدثت ما يسميه البعض تحولا في تراتب الوعي الجمالي لديهم.       يقول الناقد محمد بدوي، وهو من أكثر النقاد اقترابًا ومعايشة وإنصاتًا لعالم نجيب محفوظ، إن صاحب الثلاثية بالنسبة إليه هو «صائغ الهوية من منظور ديموقراطي تعددي، صنع روزنامة خاصة به، ولم يكتب أحد مثله».

وأكد الكاتب المصري أحمد عبدالمجيد أن نجيب محفوظ يمثل له ولكثير من أبناء جيله ظاهرة ونموذج يقتدى به، وخاصة وأنه كان محل جدال ونقد ومعظم ما كتب عنه لم يغوص في أعماق ما كتبه نجيب محفوظ، فنجيب لم يتناول الحارة المصرية كما يظن البعض ولكنه كان يشرح المجتمع ويتناول مراحل اجتماعية ويلقي الضوء على مشكلات وقضايا مجتمعية حقيقية، وخاصة أنه جاء بعد محاولات كثيرة لكتابة الرواية من العقاد وتوفيق الحكيم والرافعي والمازني وطه حسين وغيرهم، وعندما جاء نجيب محفوظ كانت الرواية فن بكر ومعه نخبة من الكتاب كعبدالحميد جودة السحار ويوسف السباعي وعلي أحمد باكثير، إلا أن نجيب محفوظ صنع من الرواية العربية بناءً هائلاً حتى اليوم، فلو انتزعنا نجيب محفوظ من سياق الرواية العربية لما وصلما لما نحن عليه الآن وخاصة أنه كتب الرواية التاريخية والسياسية والاجتماعية والرومانسية.وذكر الكاتب علي أبوالريش أن مصر ولادة فيها العقاد وتوفيق الحكيم ويحيى حقي وطه حسين وغيرهم، إلا أن نجيب محفوظ وصل إلى قمة الهرم الإبداعي في الرواية العربية استطاع أن يخرج من جلباب الحارة المصرية ويدخل في تفاصيل الإنسان البسيط وعرفه الناس سواء بالقراءة أو عبر الدراما والسينما، فالرواية جاءت من صلب الخرافة، والخرافة وليدة الفلسفة.

وأضاف أنه إذا كانت الرواية قد خرجت من صلب الخرافة، فإن الغرض من الخرافة ليس تقديم صورة موضوعية عن العالم كما هو بل هي التعبير عن فهم الإنسان لنفسه في العالم الذي نعيش فيه، والخيال البشري هو القاعدة الأولى التي تنطلق منها صناعة الخرافة التي تتحول إلى قصة أو رواية. ولأن حاجة الإنسان البسيط أكثر من سواه إلى القصة فقد استطاع نجيب محفوظ عن وعي حاد الاقتراب من هذا الإنسان وتحقيق انتشاره في الوجدان المصري والعربي ومن ثم الإنساني الذي حقق له نيل جائزة نوبل.

فنجيب محفوظ تفرد في سردياته لأنه كاهن في معبد الرواية، فنجيب هو التلاوة والتراتيل التي نذكرها كل يوم وكل ساعة.
وقال الإعلامي والكاتب محمد شعير إن نجيب محفوظ في بداياته لم يكن حسم موقفه في الفلسفة أو الرواية وظل مشتتا بينهما، حتى عام 1934 أنه لا يصلح إلا للكتابة الأدبية وأخلص لها، وكانت دراسته للفلسفة معيناً له في الكتابة الرواية.
وذكر الكاتب التونسي لطفي الشابي أن نجيب محفوظ قامة عربية مهمة وأن أدب نجيب محفوظ لا زال يدرس ضمن المناهج الدراسية التونسية رغم تغير المناهج عدة مرات فهناك عشق لنجيب محفوظ لأنه يلامس في كتاباته أبعاداً مختلفة للإنسان.

وذكرت الكاتبة والإعلامية ريم الكمالي أن غالبية القراء والكتاب مروا في مسيرتهم على تجربة نجيب محفوظ الإبداعية، وقد تأثر بها الكثيرون، وأنها تأثرت بطريقته السردية وصناعته للواقع والشخصية بشكل بسيط وسلسل ولكن خلفه رؤية فلسفية عميقة، وسحر في السرد.
وأكدت د. مريم الهاشمي أن واقعية أعمال نجيب محفوظ والتي نجد فيها التشابك والاختلاط والانتماء وطرق تعبير مختلفة، ورمزية تستجيب للواقع المتأثر بتأثيرات المجتمعات الحديثة الحادة.
وتناقش الحضور حول أهمية شمول المناهج المدرسية العربية لبعض الأعمال الأدبية العربية وخاصة للقامات منهم كنجيب ومحفوظ وغيرهم من الكتاب والذين تعتبر تجاربهم وسردياتهم مناراً فكرياً للأجيال الشابة وتساعدهم على إعمال الفكر والتطور والقدرة على البحث.