أُضعِفت وعود الحلف بشأن مستقبل كييف بسبب تحفظات
«أسلحة وكلمات دافئة».. ماذا يقدّم الناتو لأوكرانيا؟
اجتمع قادة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في واشنطن هذا الأسبوع للتغلب على فجوة كبيرة في استراتيجيتهم تجاه أوكرانيا.
تكمن تلك الفجوة، بحسب تقرير لمجلة «إيكونوميست»، بين المبدأ القائل إن أوكرانيا حرة في الانضمام إلى الحلف دون «حق النقض» من جانب روسيا، وواقع أن قلة فقط على استعداد للسماح لها بالانضمام، بينما هي في حالة حرب مع روسيا. وقد ثبت أن التغلب على تلك الفجوة مستحيل، لذلك تدبر الناتو أمره بالكثير من الالتزامات الأصغر حجماً كالأسلحة والمال والتدريب، والعديد من الكلمات الدافئة لأوكرانيا.
برزت استعارة ملتوية: الحلفاء بنوا «جسراً» لعضوية الناتو. أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن الجسر كان «قوياً ومتيناً ومضاء بشكل جيد»، مضيفاً أنه كان «قصيراً» أيضاً. علاوة على ذلك، أعلن الحلفاء في بيانهم أن تقدم أوكرانيا نحو الناتو «لا رجعة فيه».
لا يمكن للعبارات الدبلوماسية وقف وحشية حرب في عامها الثالث الآن. عند وصولهم إلى واشنطن للاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الناتو، استُقبل الزعماء بأنباء عن هجوم صاروخي روسي على مستشفى للأطفال في كييف في الثامن من يوليو (تموز). من الأمور المريحة قليلاً على المدى القصير وجود أسلحة للدفاعات الجوية.
أعلن الحلفاء أنهم سيقدمون 5 أنظمة أخرى متوسطة المدى، وهي أربع بطاريات صواريخ باتريوت أمريكية الصنع ونظام سامب/تي الفرنسي-الإيطالي الصنع. كما قامت أمريكا والدنمارك وهولندا بتسليم طائرات مقاتلة من طراز أف-16 ستحلق قريباً فوق أوكرانيا. مع ذلك، لم يكن هناك ما يشير إلى أن أمريكا كانت مستعدة بعد للسماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ «أتاكمس» لضرب مطارات في عمق روسيا.
ووعد حلف شمال الأطلسي بتقديم ما لا يقل عن 43 مليار دولار من المساعدات العسكرية في العام المقبل، وهو أقل من الدعم المتعدد الأعوام الذي ناصره العديد من الحلفاء. وقعت نحو 20 دولة على اتفاقيات مساعدة أمنية ثنائية طويلة الأجل مع أوكرانيا.
وقررت القمة أيضاً نقل جزء من مهمة تنسيق إمدادات الأسلحة والتدريب لأوكرانيا من البنتاغون إلى مقر جديد لحلف شمال الأطلسي. احتفل القادة بطول عمر الحلف. لقد ولد هذا الاتفاق في الحرب الباردة، وأصبح الاتفاق العسكري الأكثر ديمومة في العالم، حيث استمر حتى أكثر من الرابطة الديلية لدول المدن اليونانية القديمة، كما أشار الأمين العام المنتهية ولايته ينس ستولتنبرغ. وفي صدى للحرب الباردة، أعلنت أمريكا وألمانيا أنه اعتباراً من 2026، ستبدأ أمريكا «عمليات نشر عرضية» لصواريخ جديدة بعيدة المدى لإجراء تدريبات في ألمانيا.
وهي تشمل أس.أم-6 وتوماهوك وأسلحة «تطويرية» تفوق سرعتها سرعة الصوت والتي أمكن حظرها بموجب معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، والتي انتهت صلاحيتها الآن. يسلط كل هذا الضوء على واقع مفاده أن عضوية الناتو تظل قضية ثنائية. بعض الدول حليفة، وتتمتع بحماية المادة الخامسة التي تنص على أن الهجوم على دولة ما هو هجوم على الجميع، بدعم من القوة التقليدية والنووية الأمريكية. والدول الأخرى ليست حليفة.
وبذل زعماء الناتو قصارى جهدهم للقول إن كل المساعدة التي يقدمونها لأوكرانيا لا «تجعل من حلف شمال الأطلسي طرفاً في الصراع». بالنسبة إلى ستولتنبرغ، إن العضوية مخصصة لليوم التالي للحرب، لإتمام أي سلام.
أُضعِفت وعود الناتو بشأن مستقبل أوكرانيا بسبب تحفظات، على سبيل المثال، المطالبة بإجراء المزيد من «الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية والأمنية». علاوة على ذلك، لن تتم دعوة أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي إلا «عندما يوافق الحلفاء ويتم استيفاء الشروط». الحليف الأكبر، الرئيس جو بايدن، مشكك على أي حال. في وقت سابق من هذا العام، قال إنه يعارض «أطلسة أوكرانيا». وفي كلمته الافتتاحية لم يذكر عضوية أوكرانيا على الإطلاق.
وبالنظر إلى ضعف بايدن السياسي في الداخل، يعلم الجميع أن طريق أوكرانيا إلى العضوية سيكون قابلاً للرجوع عنه إذا عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وانتقد مرشح الجمهوريين المساعدات المقدمة إلى أوكرانيا. علاوة على ذلك، إذا كان ترامب جاداً حيال تهديده بعدم حماية الحلفاء الذين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع، فقد لا يتبقى الكثير من الحلف الذي يمكن لأوكرانيا الانضمام إليه.
كان طيف ترامب يطارد القمة. استحضر بايدن روح رونالد ريغان، وهو أيقونة جمهورية سابقة، للتأكيد على أهمية الحلف. وعزا ستولتنبرغ إلى ترامب زيادة عدد الحلفاء الذين سيصلون أو يتجاوزون هدف إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع هذا العام (23 من أصل 32). وقال: «لقد كان للرسالة الواضحة تأثير». وكان الهدف من نقل المهام اللوجستية والتدريبية إلى حلف شمال الأطلسي، بشكل جزئي، حماية العملية من أهواء إدارة ترامب الثانية.
تهدف فكرة تقديم مساعدة طويلة الأجل لأوكرانيا إلى إخبار الكرملين بأنه لا يملك نفَساً أطول من حلف شمال الأطلسي، على سبيل المثال، من خلال انتظار ترامب كي يفرض تسوية دبلوماسية لصالح روسيا. أما الرسالة الأوسع نطاقاً للجمهوريين حسب إيكونوميست فهي أن الناتو يشكل أهمية مركزية بالنسبة إلى قوة أمريكا العالمية وجهودها في مواجهة الصين. وأعربت قمة الناتو التي كان من المقرر أن ينضم إليها زعماء اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا عن «قلق عميق» من الصين وأصدرت تحذيراً شديد اللهجة بشأن دعمها للصناعة العسكرية الروسية. وقالوا إن الصين لا تستطيع «تمكين أكبر حرب في أوروبا في التاريخ الحديث بدون أن يؤثر ذلك سلباً على مصالحها وسمعتها».