ثمة حاجة إضافية إلى عمليات فعلية ضد طهران
«النوافذ المكسورة».. هكذا يمكن منع إيران من بناء قنبلة
شدد الأستاذ الفخري في كلية جونز هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة مايكل ماندلباوم على أن منع إيران من حيازة الأسلحة النووية كان أهم موضوع على أجندة الرئيس جو بايدن خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط.
يوضح ماندلباوم في مجلة “أمريكان بربوز” أن إيران ذات ترسانة نووية ستفرض تأثيراً أعظم بكثير على المنطقة والمصالح الأمريكية والعالم كله بالمقارنة مع المسائل الأخرى التي ناقشها بايدن مع القادة الذين التقى بهم. وهذا التأثير سيكون سلبياً بشكل عميق وخطير.
أوسع فجوة
علاوة على ذلك، ومن بين جميع القضايا المطروحة على أجندته، إن التهديد النووي الإيراني هو الذي يظهر أوسع فجوة بين ما تفعله الولايات المتحدة وما يجب أن تفعله للدفاع عن المصالح الأمريكية. وثمة حاجة ماسة إلى سياسة جديدة أكثر حيوية. إيران نشطة في محاولة تحقيق الهيمنة في الشرق الأوسط عبر محاولة إطاحة الأنظمة الصديقة للولايات المتحدة في الخليج العربي وعبر السعي إلى تدمير دولة إسرائيل. إذا تسلحت طهران بالأسلحة النووية فستصبح أكثر عدوانية جاعلة الشرق الأوسط أكثر اضطراباً وعنفاً ومحفوفاً بالمخاطر.
من المرجح أن تطلق القنبلة الإيرانية ما يسمى أحياناً بـ”سلسلة الانتشار” حيث تتدافع دول شرق أوسطية أخرى للحصول على أسلحة نووي لموازنة تلك الموجودة في إيران. يمكن أن تنتشر السلسلة إلى أبعد من الشرق الأوسط، إلى الدول الأوروبية والآسيوية التي تشعر بالتهديد من روسيا والصين.
خطورة التباطؤ الأمريكي
بالرغم من المخاطر الاستثنائية التي ستفرضها قنبلة إيرانية، وبالرغم من تاريخ ردود الفعل الأمريكية القوية على أحداث مماثلة، من المحتمل جداً ألا ترد الولايات المتحدة بقوة على حيازة إيران قنبلة نووية. قد تحصل طهران على أسلحة نووية بطريقة خفية، كي يمتلك الملالي مخزوناً كبيراً ومتزايداً من الأسلحة النووية كما تفعل كوريا الشمالية اليوم، من أجل وضع العالم أمام الأمر الواقع حين يكتشف ذلك. وعبر امتلاك تلك الأسلحة، قد تبدو إيران خطيرة جداً بالنسبة إلى صناع القرار الأمريكيين كي يواجهوها. يمكن أن تمنح الأسلحة النووية إيران الحصانة من الهجوم وهذا بالتأكيد أحد الأسباب التي تدفع النظام الإيراني للسعي وراءها بهذا الحجم من الإصرار والكلفة.
نقص خطير.. ومميت
لهذه الأسباب، تابع الكاتب، ستخدم واشنطن المصالح الأمريكية والعالمية عبر منع إيران من الحصول على القنبلة بشكل أفضل بكثير من خدمتها عبر مجرد محاولة التكيف مع إيران نووية. أن تردع الولايات المتحدة حيازة إيران الأسلحة النووية هي أولوية ملحة. الردع مفهوم مألوف في العلاقات الدولية وهو يعني المنع من خلال التهديد. حين يعتقد طرف أنه سيعاني من ضرر غير مقبول إذا اتخذ خطوة معينة، فمن غير المرجح أن يخطوها. التوقع الأكيد بحصول ذلك، أي صدقية التهديد، أمر جوهري. لدى الولايات المتحدة القوة الجوية والبحرية اللازمة لشل برنامج الأسلحة النووية الإيرانية ومن دون وضع أي جندي أمريكي على أراضي تلك الدولة. ما ينقص بشكل خطير وربما مميت هو الصدقية الأمريكية حسب ماندلباوم.
ما فعله كارتر وبوش الأب
تفتقد الولايات المتحدة للصدقية في مقاومة مسار إيران نحو الأسلحة النووية بالرغم من أن رؤساء أمريكيين متعاقبين، من ضمنهم بايدن خلال زيارته الشرق الأوسط، كرروا إعلانهم بأنه لن يسمح لإيران بالحصول على القنبلة. ينقص أمريكا الصدقية بالرغم من أن الرئيس جيمي كارتر أطلق عقيدة تحمل اسمه ومن أن جورج بوش الأب شن حرباً في الخليج سنة 1991، وكلاهما من أجل منع ما ستحققه إمكانية نووية إيرانية: هيمنة دولة عداونية تجاه الولايات المتحدة وحلفائها على الشرق الأوسط ونفطه. لكن آخر ثلاثة رؤساء أمريكيين وجهوا رسالة إلى حكام طهران والعالم بأنهم لن ينفذوا وعدهم بإبقاء إيران غير نووية.
حتى ترامب أخطأ
أشار ماندلباوم إلى أن باراك أوباما تخلى من دون نقاش عام عن موقف أمريكا الطويل المدى تجاه حرمان إيران من الوسائل اللازمة لتخصيب اليورانيوم، وهي أصعب خطوة في مسار تصنيع القنبلة. بعدها، وقع على الاتفاق النووي المصمم ظاهرياً لمنعها من التحول إلى دولة ذات أسلحة نووية لكنه في الواقع مليء بالثغرات، وأكبرها تواريخ انتهاء صلاحية العديد من بنودها، بما يمكن إيران من المضي قدماً بطريقة مشروعة نحو القنبلة.
وانسحبت إدارة ترامب من الاتفاق النووي سنة 2018 وعززت الصدقية الأمريكية عبر قتل قائد قوة القدس قاسم سليماني سنة 2020 وهو المسؤول عن هجمات فتاكة ضد الأمريكيين. لكن الإدارة قوضت سابقاً صدقيتها حن تخلت عن أي موجب بالرد على الهجمات التي رعتها إيران على منشأة نفطية سعودية في أبقيق سنة 2019. وشددت إدارة بايدن على نيتها الخاصة بعدم تنفيذ تعهدها بالحد من الانتشار المرتبط بإيران عبر ما بدا يأساً متزايداً لإعادة إحياء الاتفاق النووي.
برنامج ثلاثي
يرى ماندلباوم أن هنالك حاجة لبرنامج من ثلاثة أجزاء لتعزيز الردع. الجزء الأول خطابي ويتضمن تكرار التشديد على أنه لن يتم السماح لإيران بالحصول على قنبلة لأن الولايات المتحدة ستفعل ما هو ضروري، بما فيه استخدام القوة، لوقفها عن ذلك. لكن الكلمات وحدها لن تكون كافية. لتعزيز وقعها، يجب على القوات الأمريكية قيادة تدريبات عسكرية يفهم منها بشكل واضح أنها بروفة لهجمات على منشآت إيرانية للأسلحة النووية. السبيل الآخر المكمل لزيادة احتمالات ردع اختراق نووي إيراني هو تسليم إسرائيل القنابل الخارقة للتحصينات والقادرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية المدفونة في أعماق الأرض. حتى هذه الخطوات لن تكون كافية على الأرجح لإقناع الملالي.
النوافذ المكسورة
ثمة حاجة إضافية إلى عمليات عسكرية فعلية ضد إيران رداً على استفزازاتها في شن هجمات على الجنود الأمريكيين في العراق أو على أصدقاء الولايات المتحدة، والسعودية هي مثل بديهي. إذا نفذت الولايات المتحدة هجمات مدروسة على أهداف إيرانية رداً على أعمال عدوانية أقل من ذلك فسيعزز ذلك تهديدها بشن هجمات كبيرة لوقف أكثر استفزاز خطورة وعدوانية على الإطلاق وهو برنامجها للأسلحة النووية.
يتبع هذا المنطق نظرية “النوافذ المكسورة” (1982) لعالمي السياسة جيمس ويلسون وجورج كيلينغ كما لفت إلى ذلك المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى روبرت ستالوف. وقالا إنه من خلال الرد بقوة على الجنح والجرائم الأقل خطورة في الحي، بإمكان الشرطة منع الانزلاق نحو موجة من الجرائم الأكثر خطورة. والنوافذ المكسورة هي نوع من أنواع التخريب الذي يتوجب الحد منه. إن تطبيق هذا المبدأ تمتع ببعض النجاح في مدن أمريكية. بطريقة مماثلة في السياسة الخارجية، على الأقل في هذه القضية، إن الرد بسرعة وقوة على استفزازات صغيرة هو أفضل طريقة لردع الاستفزازات الكبيرة كما أوضح ماندلباوم.
اعتراض.. هل يصمد؟
رأى الكاتب أن البعض قد يعترض على هذه الوصفة لأنها قد تغرق الولايات المتحدة في حرب مع إيران. لكن الاعتراض غير صحيح: الولايات المتحدة هي أساساً في حالة حرب مع إيران من خلال خيار النظام وسياساته العداونية. ما تتطلبه المصالح الأمريكية حالياً هو رد الولايات المتحدة بطريقة يمكن أن تمنع نزاعات أكثر تدميراً في المستقبل القريب.