«تريندز» يؤكد في دراسة حديثة أن اعتماد «السياسة الخارجية العراقية» مبدأ التوازن أفقدها البوصلة والاستقلالية

«تريندز» يؤكد في دراسة حديثة أن اعتماد «السياسة الخارجية العراقية» مبدأ التوازن أفقدها البوصلة والاستقلالية


أكدت دراسة بحثية حديثة، أصدرها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، أن السياسة الخارجية للعراق ما بعد 2003، تمثل إحدى الإشكاليات في النظام السياسي الديمقراطي الجديد، إذ تعرضت هذه السياسة لمحددات تختلف عما هو متعارف عليه في بقية الدول لرسم السياسة الخارجية، فاعتمدت في كثير من علاقات العراق الخارجية، فضلاً عن الأحداث التي مر بها العراق، على رؤية المسؤول عن تنفيذ السياسة العامة التي قد تخضع لاعتبارات عقائدية أو قومية أو حتى شخصية؛ ما جعل السياسة الخارجية للعراق فاقدة البوصلة والاستقلالية.
وركزت الدراسة، التي صدرت تحت عنوان: “السياسة الخارجية العراقية .. التوازن الهش”، وأعدها الدكتور إحسان الشمري كاتب وخبير ومحلل سياسي في الشؤون العراقية، على مبدأ التوازن الذي اعتمدته الحكومات العراقية في علاقاتها الخارجية ما بعد إقرار الدستور العراقي في العام 2005، وقدرة هذا المبدأ على نقل العراق إلى مرحلة الاستقرار الخارجي وتحقيق مصالحه مع الدول الأخرى وبيان عوامل النجاح والإخفاق في اعتماد هذا المبدأ.

توازن هش
وأشارت إلى أن مبدأ التوازن في السياسة الخارجية العراقية الذي اعتمدته الحكومات العراقية بعد عام 2003، كان هشاً ولم يحقق نجاحاً أو فارقاً كبيراً في تعزيز مكانة العراق في محيطيه العربي والدولي، فلطالما تم النظر إلى ذلك المبدأ على أنه محاولة لعدم إغضاب المتخاصمين والفاعلين من الدول في الداخل العراقي، كما أنه كان يعبر عن عدم القدرة على اتخاذ المواقف التي تتناسب مع انتمائه وثوابته، أو حتى ما يمكن أن يحقق مصالحه وفق ما جاء في الدستور.
وأوضحت الدراسة أن دبلوماسية التوازن في العراق قد تكون مبررة في السنوات الأولى لبناء النظام السياسي الجديد، لكن الاستمرار عليها واعتمادها منهجاً ثابتاً لسبع حكومات عراقية متعاقبة، تحت مبرر حساسية الوضع الجيوسياسي للعراق، وأن المنطقة تعيش تصادم مصالح الدول الفاعلة فيها - فهذا يعبر عن مستوى الجمود لدى صانع السياسة الخارجية وعدم قدرته على إنتاج مسارات يمكن من خلالها أن تحفظ سيادة العراق، فقد تعرض نتيجة هذا المبدأ إلى انتهاك كامل من الدول الإقليمية، كإيران وتركيا، دون أن يكون هناك رد فعل دبلوماسي رادع للعراق تجاه هذه الدول، حتى وصل الأمر إلى أن يعاقَب العراق أو أي طرف داخله يتخذ موقفاً خارجياً ضد أي منهما، مثلما حدث مع حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق.

مؤثرات خارجية
وذكرت الدراسة أن العراق، وبعد كل هذه السنوات من اعتماده مبدأ التوازن، مازال خاضعاً للمؤثرات الخارجية بشكل أكبر بكثير من بقية الدول التي تمتلك مقومات الحصانة الخارجية ضد تلك المؤثرات، وحتى المواقف الخارجية على مستوى المؤتمرات التي يشترك فيها العراق والمنظمات التي هو جزء منها، فإن هامش الاستقلالية الذي تتمتع به السياسة الخارجية العراقية مازال محدوداً، فمجمل المشاريع العربية والإقليمية والتفاعلات الدولية، التي قامت بها حكومتا حيدر العبادي ومصطفى الكاظمي، كانت مبنية بالأساس على ردود الأفعال إلى حد ما، وحتى في حالة ممارسة الفعل واجهت الحكومتان ضغوطاً داخلية حادة من الزعامات والكتل السياسية الشيعية والسنية والكردية الحليفة لإيران أو سوريا أو تركيا، وهو مؤشر مهم لفهم الطبيعة التي تُدار بها السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2003.

دبلوماسية ضامنة
 وأوضحت الدراسة أن البناء لما فوق مبدأ التوازن الذي اعتمدته حكومة مصطفى الكاظمي في عام 2021، يمكن أن يكون قاعدة صلبة للعمل الخارجي، لتحقيق تحولات مهمة على الصعيد الدبلوماسي، والانطلاق لاعتماد مبدأ جديد في السياسة الخارجية بعيداً عن سياسة التوازن الهش التي لم تحقق للعراق ذلك التقدم، واستمر حبيس القلق من أي موقف يتخذه، مبينة أن العراق يمتلك فرصة كبيرة في أن يعتمد سياسة خارجية ومنهجاً جديداً يدير فيه علاقاته من خلال عدة مسارات؛ منها: نظرية “الدبلوماسية الضامنة” والتي يمكن أن تُبنَى وفق ثوابت احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية من الدول الأخرى كركن أساسي في إقامة أي علاقة ثنائية، كما أن اعتماد سياسة خارجية أساسها “التحالف” مع دول الارتكاز العربي سيحقق للعراق مساحة قوة خارجية وتفاعلاً أكبر على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية كافة.