استنجد بها ماكرون من الأرشيف
«مجموعة سياسية أوروبية»: فكرة ميتران عام 1989
-- كان الرئيس الفرنسي ميتران يريد أن تكون موسكو جزءًا من المجموعة، وليس واشنطن
-- ساند أول رئيس لأوكرانيا، ليونيد كرافتشوك، فكرة فرنسوا ميتران
-- عارضت الولايات المتحدة المشروع، ودول أوروبا الشرقية اجهضتها
اقتراح مجموعة سياسية أوروبية، لتشمل أوكرانيا على وجه الخصوص، يتبنى فكرة فرنسية عمرها أكثر من 30 عامًا.
كيف يمكن الرد بسرعة ودون خيبة أمل على رغبة أوكرانيا ودول أخرى تطرق أبواب الاتحاد الأوروبي؟ في ستراسبورغ، التاسع من مايو، اقترح إيمانويل ماكرون إنشاء “مجتمع سياسي أوروبي”.
وهكذا، فإن غرفة انتظار الاتحاد الأوروبي هذه ستسمح “للدول الأوروبية الملتزمة بقاعدة قيم الاتحاد بإيجاد مساحة جديدة للتعاون السياسي والأمني”، حدد الرئيس الفرنسي، في فجر ولايته الثانية.
هذا “الفضاء لتقاسم الخيارات السياسية الرئيسية مع حضور رمزي كبير”، تم اقتراحه أيضًا، على أعمدة لاكسبريس، من قبل إنريكو ليتا، الرئيس الاسبق للحكومة الإيطالية.
وذكّر السكرتير الحالي للحزب الديمقراطي الإيطالي في عرضه، أنها “فكرة جميلة لفرانسوا ميتران”. يعود تاريخها إلى 31 ديسمبر 1989، عندما هبت رياح جديدة على القارة العجوز: سقط جدار برلين، وبدأت ألمانيا إعادة توحيدها، بينما قلبت الدول الشرقية الصفحة الشيوعية بطرق مختلفة: سلمية في بولندا، دامية في رومانيا.
فاجأ الرئيس الاشتراكي حينها الجميع بإعلانه، خلال التهاني بالعام الجديد، أنه يريد إنشاء “كونفدرالية أوروبية”. وإليكم المقطع الذي يشير فيه الى هذا الطموح لأول مرة: “أنا مقتنع بأن المجموعة الاقتصادية الأوروبية ، بحكم وجودها فقط، ساهمت بقوة في صحوة شعوب الشرق من خلال تحوّلها الى مرجع وقطب جذب لتلك الدول. المرحلة الثانية لا يزال يتعين اختراعها: انطلاقا من اتفاقيات هلسنكي، أتوقع أن أرى ولادة كونفدرالية أوروبية في التسعينات بالمعنى الحقيقي للكلمة، والتي ستربط جميع دول قارتنا في تنظيم واحد ودائم للتبادل التجاري والاقتصادي والسلام والأمن. ومن الواضح أن هذا لن يكون ممكناً إلا بعد تأسيس التعددية الحزبية في البلدان الشرقية، وتنظيم انتخابات حرة، وإقامة نظام تمثيلي، وحرية الاعلام... وبالسرعة التي تسير بها الأمور، قد لا نكون بعيدين جدا عن هذا الهدف».
تمسّك ميتران بهذا المشروع الى درجة أنه شغل الدبلوماسية الفرنسية طيلة عام ونصف. الا ان عقبة لا يمكن التغلب عليها ستقلل من فرصه: فالرئيس الفرنسي يريد أن تكون موسكو جزءً منه، وليس واشنطن. ولكن، وكما أشارت كاثرين لالوميير، الأمينة العامة لمجلس أوروبا آنذاك، في مقابلة، “بالنسبة لبلدان أوروبا الوسطى، التي تحررت لتوها من الوصاية السوفياتية، أن تجد نفسها جنبًا إلى جنب مع الاتحاد السوفياتي (تمّ حلّه عام 1991) وبدون الولايات المتحدة”، يكاد يكون مستحيلا. خاصة أن أولوية تلك الدول هي الانضمام إلى حلف الناتو، وهو أفضل ضمان أمني للمستقبل.
واشنطن تعارض المشروع
وكان فرانسوا ميتران يشير إلى البلدان، مثل بولندا، التي تسعى للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية في أسرع وقت ممكن (خلفها الاتحاد الأوروبي عام 1993)، أن الطلب سيستغرق عقدًا من الزمن ليتحقق، وكان اغلبهم يرفض حينها ما اعتبروه مجموعة اقتصادية بالتقسيط.
من جهتها، نظرت واشنطن بحذر وريبة إلى هذا الاقتراح الفرنسي الذي يستبعدها. كان يوجد وقتها مجلس أوروبا ومؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا (الذي أصبح منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 1994)، وهو منتدى للحوار بين الغرب والشرق، والولايات المتحدة من أعضائه، مع كندا.
«منذ بداية عام 1991، أطلقت الدبلوماسية الأمريكية حملة دبلوماسية وأيضًا مالية -ما الذي يمكن أن تفعله فكرة الكونفدرالية الجميلة في مواجهة الواقع الملموس للغاية للقوة الاقتصادية الأمريكية؟ - تستهدف بلدان أوروبا الشرقية، ذكر وزير الخارجية في ذلك الوقت، رولان دوماس، عام 2001، في مجلة السياسة الخارجية. وهي حملة تم فيها تشويه الفكرة الفرنسية بشكل منهجي ... أرادوا بهذه الطريقة منع دول وسط وشرق أوروبا من دخول المجموعة الاقتصادية الأوروبية «.
وبدل ان يأخذ في الاعتبار الإشارات السلبية التي تتراكم، حافظ فرانسوا ميتران على مشروعه. وحصل على تنظيم مؤتمر الكونفدرالية الاوروبية، في الفترة من 12 إلى 14 يونيو 1991، في براغ، جمع شخصيات من جميع أنحاء القارة. ولكن، في تلك المناسبة، تم دفن الفكرة، التي تم إطلاقها قبل عام ونصف، من قبل الرئيس التشيكوسلوفاكي، فاتسلاف هافيل، الذي أعلن، أن “هذا المؤتمر (...) لا يفوّض أي شيء”، قبل إضافة، في مؤتمر صحفي: “لا أستطيع أن أتخيل هذا المشروع “الكونفدرالية” بدون مساعدة من الولايات المتحدة وكندا».
ومع ذلك، حتى نهاية ولايته الثانية، استمر فرانسوا ميتران في الدفاع عن فكرة الكونفدرالية الأوروبية. وخلال زيارته إلى باريس في أكتوبر 1991، كان أول رئيس لأوكرانيا، ليونيد كرافتشوك (الذي توفي يوم الثلاثاء)، مؤيدًا أيضًا لفكرة ميتران.
وبعد أكثر من ثلاثة عقود، يمكن لهذه الفكرة، وفي شكل جديد، أن تسمح لبلده الارتباط بالنادي الأوروبي.
-- ساند أول رئيس لأوكرانيا، ليونيد كرافتشوك، فكرة فرنسوا ميتران
-- عارضت الولايات المتحدة المشروع، ودول أوروبا الشرقية اجهضتها
اقتراح مجموعة سياسية أوروبية، لتشمل أوكرانيا على وجه الخصوص، يتبنى فكرة فرنسية عمرها أكثر من 30 عامًا.
كيف يمكن الرد بسرعة ودون خيبة أمل على رغبة أوكرانيا ودول أخرى تطرق أبواب الاتحاد الأوروبي؟ في ستراسبورغ، التاسع من مايو، اقترح إيمانويل ماكرون إنشاء “مجتمع سياسي أوروبي”.
وهكذا، فإن غرفة انتظار الاتحاد الأوروبي هذه ستسمح “للدول الأوروبية الملتزمة بقاعدة قيم الاتحاد بإيجاد مساحة جديدة للتعاون السياسي والأمني”، حدد الرئيس الفرنسي، في فجر ولايته الثانية.
هذا “الفضاء لتقاسم الخيارات السياسية الرئيسية مع حضور رمزي كبير”، تم اقتراحه أيضًا، على أعمدة لاكسبريس، من قبل إنريكو ليتا، الرئيس الاسبق للحكومة الإيطالية.
وذكّر السكرتير الحالي للحزب الديمقراطي الإيطالي في عرضه، أنها “فكرة جميلة لفرانسوا ميتران”. يعود تاريخها إلى 31 ديسمبر 1989، عندما هبت رياح جديدة على القارة العجوز: سقط جدار برلين، وبدأت ألمانيا إعادة توحيدها، بينما قلبت الدول الشرقية الصفحة الشيوعية بطرق مختلفة: سلمية في بولندا، دامية في رومانيا.
فاجأ الرئيس الاشتراكي حينها الجميع بإعلانه، خلال التهاني بالعام الجديد، أنه يريد إنشاء “كونفدرالية أوروبية”. وإليكم المقطع الذي يشير فيه الى هذا الطموح لأول مرة: “أنا مقتنع بأن المجموعة الاقتصادية الأوروبية ، بحكم وجودها فقط، ساهمت بقوة في صحوة شعوب الشرق من خلال تحوّلها الى مرجع وقطب جذب لتلك الدول. المرحلة الثانية لا يزال يتعين اختراعها: انطلاقا من اتفاقيات هلسنكي، أتوقع أن أرى ولادة كونفدرالية أوروبية في التسعينات بالمعنى الحقيقي للكلمة، والتي ستربط جميع دول قارتنا في تنظيم واحد ودائم للتبادل التجاري والاقتصادي والسلام والأمن. ومن الواضح أن هذا لن يكون ممكناً إلا بعد تأسيس التعددية الحزبية في البلدان الشرقية، وتنظيم انتخابات حرة، وإقامة نظام تمثيلي، وحرية الاعلام... وبالسرعة التي تسير بها الأمور، قد لا نكون بعيدين جدا عن هذا الهدف».
تمسّك ميتران بهذا المشروع الى درجة أنه شغل الدبلوماسية الفرنسية طيلة عام ونصف. الا ان عقبة لا يمكن التغلب عليها ستقلل من فرصه: فالرئيس الفرنسي يريد أن تكون موسكو جزءً منه، وليس واشنطن. ولكن، وكما أشارت كاثرين لالوميير، الأمينة العامة لمجلس أوروبا آنذاك، في مقابلة، “بالنسبة لبلدان أوروبا الوسطى، التي تحررت لتوها من الوصاية السوفياتية، أن تجد نفسها جنبًا إلى جنب مع الاتحاد السوفياتي (تمّ حلّه عام 1991) وبدون الولايات المتحدة”، يكاد يكون مستحيلا. خاصة أن أولوية تلك الدول هي الانضمام إلى حلف الناتو، وهو أفضل ضمان أمني للمستقبل.
واشنطن تعارض المشروع
وكان فرانسوا ميتران يشير إلى البلدان، مثل بولندا، التي تسعى للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية في أسرع وقت ممكن (خلفها الاتحاد الأوروبي عام 1993)، أن الطلب سيستغرق عقدًا من الزمن ليتحقق، وكان اغلبهم يرفض حينها ما اعتبروه مجموعة اقتصادية بالتقسيط.
من جهتها، نظرت واشنطن بحذر وريبة إلى هذا الاقتراح الفرنسي الذي يستبعدها. كان يوجد وقتها مجلس أوروبا ومؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا (الذي أصبح منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 1994)، وهو منتدى للحوار بين الغرب والشرق، والولايات المتحدة من أعضائه، مع كندا.
«منذ بداية عام 1991، أطلقت الدبلوماسية الأمريكية حملة دبلوماسية وأيضًا مالية -ما الذي يمكن أن تفعله فكرة الكونفدرالية الجميلة في مواجهة الواقع الملموس للغاية للقوة الاقتصادية الأمريكية؟ - تستهدف بلدان أوروبا الشرقية، ذكر وزير الخارجية في ذلك الوقت، رولان دوماس، عام 2001، في مجلة السياسة الخارجية. وهي حملة تم فيها تشويه الفكرة الفرنسية بشكل منهجي ... أرادوا بهذه الطريقة منع دول وسط وشرق أوروبا من دخول المجموعة الاقتصادية الأوروبية «.
وبدل ان يأخذ في الاعتبار الإشارات السلبية التي تتراكم، حافظ فرانسوا ميتران على مشروعه. وحصل على تنظيم مؤتمر الكونفدرالية الاوروبية، في الفترة من 12 إلى 14 يونيو 1991، في براغ، جمع شخصيات من جميع أنحاء القارة. ولكن، في تلك المناسبة، تم دفن الفكرة، التي تم إطلاقها قبل عام ونصف، من قبل الرئيس التشيكوسلوفاكي، فاتسلاف هافيل، الذي أعلن، أن “هذا المؤتمر (...) لا يفوّض أي شيء”، قبل إضافة، في مؤتمر صحفي: “لا أستطيع أن أتخيل هذا المشروع “الكونفدرالية” بدون مساعدة من الولايات المتحدة وكندا».
ومع ذلك، حتى نهاية ولايته الثانية، استمر فرانسوا ميتران في الدفاع عن فكرة الكونفدرالية الأوروبية. وخلال زيارته إلى باريس في أكتوبر 1991، كان أول رئيس لأوكرانيا، ليونيد كرافتشوك (الذي توفي يوم الثلاثاء)، مؤيدًا أيضًا لفكرة ميتران.
وبعد أكثر من ثلاثة عقود، يمكن لهذه الفكرة، وفي شكل جديد، أن تسمح لبلده الارتباط بالنادي الأوروبي.