محللون: صدمة من الأداء السيء للقوات الروسية

«وول ستريت جورنال»: 5 عوامل ستحدد مجرى الحرب على أوكرانيا

«وول ستريت جورنال»: 5 عوامل ستحدد مجرى الحرب على أوكرانيا


رغم أن توقع مخرجات الحرب على أوكرانيا لا يزال “أقرب إلى المستحيل”، إلا أن صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تؤكد أن خمسة عوامل أساسية من شأنها أن تغير مجريات الأحداث جذرياً.
ونقلت الصحيفة عن محللين وخبراء في الاستخبارات العسكرية أن وعود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالانخراط في عملية عسكرية “سريعة” لن تتحقق في أي وقت قريب، ولا تسير وفقاً لمخططات موسكو، حيث تواجه روسيا مقاومة مسلحة أكثر صرامة مما كان متوقعاً، وعقوبات غربية قاسية.
وقال مايكل كلارك، المدير السابق لمعهد “الخدمات الملكية” البريطاني RUSI في لندن: “في كل يوم لا يخسر فيه الأوكرانيون، يفوزون سياسياً”، مضيفًا أن بوتين يواجه “كلفة سياسية تزيد يوماً بعد يوم».

التنسيق الروسي
وأعرب محللون عسكريون غربيون عن صدمتهم من الأداء السيئ للقوات الروسية في الأيام الأولى للغزو، إذ كانوا يتوقعون تطور الجيش الروسي في أكثر من عقد، ويمكنه أن يُخمد المقاومة الأوكرانية في المرحلة الأولى من الاجتياح.
وقال كلارك: “اندهشنا من أوجه الشبه بين الجيش الروسي الحديث والجيش الأحمر القديم، حيث لا يوجد تدريب كاف، ولا قيادة جيدة، ولوجستيات ضعيفة، والذي قد يرجح إما فشلًا ذريعاً في التخطيط أو سوء تقدير  وأضاف كلارك للصحيفة أن “روسيا حدثت قواتها الجوية والبحرية والنووية بشكل جزئي أو كلي، لكن الجيش يبدو وكأنه غير قادر على تخطي نقاط ضعفه السابقة».

من جهته، قال ريتشارد شيريف، النائب السابق لقائد قوات حلف شمال الأطلسي: “سيدرك الروس بالطريقة الصعبة، بتعرضهم للقتل، أن عليهم التنسيق فيما بينهم بطريقة أكثر احترافية مما فعلوا حتى الآن”، في إشارة إلى تنظيم العمليات المختلفة.
ورجحت الصحيفة أن موسكو عمدت إلى خفض عدد قواتها في بداية الحرب، وأنها توقعت مقاومة أقلّ مما شهدته، وأنها ستستخدم التكتيك ذاته لإرهاق المقاومة. ورجح بعض الخبراء العسكريين أن تستخدم روسيا قوة أكبر لتتوغل في أوكرانيا، ويمكن أن تُحاصر مدنًا أو توظف الأسلحة الثقيلة ضدها.
وقال شيريف: “هذا السيناريو سيستدعي إطلاق هجوم عدواني بشكل كبير، بالقصف العشوائي، والمدفعي، للمناطق السكنية وتسطيح المدن الأوكرانية، ما سيترتب عليه خسائر بشرية فادحة».

الصمود الأوكراني
واستفادت القوات الأوكرانية إلى الآن، وبأقصى حد، من أصولها العسكرية في مواجهة خصم أكبر وأكثر تقدماً.
ويقول شيريف إن التقدم البطيء لروسيا “أولًا وقبل كل شيء شهادة على شجاعة ومثابرة الجيش الأوكراني والمتطوعين الذين يُقاتلون بشكل رائع وبطريقة لا تُصدق”، مضيفًا أن الروح المعنوية تعد عاملًا كبيراً في الحروب.
ورأى المحللون العسكريون أنه كلما طال الصمود العسكري الرسمي الأوكراني، كلما زادت متاعب بوتين.
وقال معظم المحللين إن الجيش الأوكراني سينهار عاجلًا أم آجلًا، فهو يقاتل بكل ما لديه من قوة بلا راحة، بينما يمكن لروسيا أن تعزز خطوطها الأمامية بقوات جديدة.
ويسود الافتراض أن موسكو ستسعى إلى تنصيب حكومة موالية في كييف، ضمّ جزء كبير من البلاد شرق نهر دنيبرو.
وطرحت الصحيفة أحد الاحتمالات الذي يشير إلى أن الجيش الأوكراني الرسمي سيتلاشى لتبدأ حركات تمرّد بالظهور.
وقال محلّلون إنهم توقّعوا أن تدعم الدول الغربية مثل هذا التمرد، مثلما دعمت الولايات المتحدة مقاومة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان في الثمانينيات.
وأكد محللون أنه إذا ظهر تمرد قوي، فقد تحتاج روسيا إلى تكريس مزيد من القوات لمحاربته.
وترجح تقديرات الخبراء أن يصل عدد القوات التي ستحتاجها موسكو للسيطرة على أوكرانيا المتمردة إلى 500 ألف.
وقال شيريف: “بوتين ليس لديه ذلك”، مرجحاً أن يعود سيناريو الوضع السوفييتي الأفغاني إلى الواجهة.

الرد الغربي
ورغم أن الغرب يُحاول تجنب مواجهة مباشرة مع روسيا، ويوفر بدل ذلك الدعم العسكري لأوكرانيا للدفاع عن نفسها، إلا أن محللين قالوا للصحيفة إن موسكو قد تقترب من حدود بولندا، العضو في الناتو، لمنع تدفق الأسلحة من الغرب، وهنا قد تشهد الحرب تصعيدًا ملحوظًا.
وحتى الآن فرضت جهات، على رأسها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، عقوبات شديدة على القطاع المصرفي الروسي وسط مخاوف من أن تمتد لتشمل قطاع الطاقة وأن ترد موسكو بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا.
ولا يتوقع جيمس شير، من معهد السياسة الخارجية الإستوني، أن تُغير العقوبات رأي بوتين. وقال: “بوتين ومن حوله، على الأقل السياسيون والأمنيون، لم يذعنوا لمنطق العقوبات».
في الوقت الحالي، يبدو أن هناك دعماً شعبياً واسعاً في الغرب لأوكرانيا، التي يُنظر إلى شعبها على أنه ضحية حرب غير مبررة.
لكن بمرور الوقت، يمكن أن تتآكل هذه الوحدة في مواجهة الصعوبات الاقتصادية.
واستبعد المحللون تغير الموقف الغربي، حتى لو تولت حكومة قد تعينها روسيا السلطة في أوكرانيا، حيث قد ترفع بعض العقوبات بشكل تدريجي، باستثناء التي تعنى بارتكاب جرائم حرب
ردود الفعل في روسيا
وأكدت الصحيفة أن الشعب الروسي بدأ ملاحظة التأثير الاقتصادي للعقوبات على بلادهم، لكن يصعب التكهّن إذا كان ذلك سيغّير رأيه في بوتين.
وأضافت “حتى لو عارض الحرب، فمن المستبعد أن يأخذ المسؤولون في موسكو برأيه، حيث بدأت روسيا حملات لإسكات المعارضين للحرب على أوكرانيا».
وقالت: “حتى لو عارض الشعب الروسي الوضع الاقتصادي، فإنه سيلقي باللوم على الغرب، وليس بالضرورة على رئيسه».
وأشارت إلى أن التحديات الاقتصادية ستقلص ركائز بوتين لتولي الرئاسة، خاصةً مع ادعاءاته أنه أعاد الاستقرار لدولة عانت من الفوضى في التسعينيات في ظل بوريس يلتسين.
وقالت الصحيفة إن الانخراط في حرب طويلة سيكلّف روسيا العديد من أرواح جنودها، وهو أمر أثار حفيظة بعض الجماعات المحافظة في الأوساط الروسية، حتى تلك التي يحظى بوتين عادة، بتأييدها.
وقال لورنس فريدمان، بروفيسور الدراسات الحربية في جامعة كينغز كوليدج بلندن، إن “بوتين ليس أمامه وقت بلا نهاية لحل هذا الوضع”..
 مضيفًا “مع الصعوبات الاقتصادية التي بدأت تظهر آثارها، لا يمكنه أن يسمح باستمرار الوضع لأسابيع أو أشهر، لذا فإن الوقت يعد مشكلة كبرى له».

محادثات السلام
رغم أن كييف وموسكو بدأتا محادثات للسلام، إلا أن العديد من المراقبين غير متفائلين بأي نتائج سريعة. فأي حل سلمي يعني أن على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن يخسر أمام بوتين، ذلك لأن الأخير وصف نظام حكمه بـ «النازية الجديدة».
لكن الصحيفة تشير إلى أن أي حكومة تعينها روسيا، لن تحظى بالشرعية، لا في أوكرانيا ولا خارجها. وقال المحللون للصحيفة إن المحادثات الأوكرانية الروسية تدور حول هدفين تسعى موسكو إلى تحقيقهما، الحياد الأوكراني، والأراضي الأوكرانية.
وأشاروا إلى أن روسيا قد تعمد إلى الحصول على موافقة أوكرانيا على وضعٍ يشبه ما فعلته في 2014 بضم إقليم القرم، وقد تسعى إلى الاستيلاء على مناطق شرقي نهر دنيبرو.
وقالت أنجيلا ستينت، المتخصصة في الأبحاث الروسية بجامعة جورج تاون لـ “وول ستريت جورنال”، إن من الممكن أن تُحاول روسيا “تقسيم أوكرانيا لأجزاء، وقد تترك أوكرانيا الغربية وشأنها”، لكنها تستبعد ذلك لأنه يبقي على الحكومة القائمة في كييف والتي “أعلن بوتين سابقاً أنها غير شرعية».
ورجح المراقبون للصحيفة أن تعتمد روسيا دستوراً لأوكرانيا يمنح استقلالًا واسعاً لشرق البلاد، وفيتو روسي على قرارات الحكومة الأوكرانية.
وضرب كلارك مثالًا على أحد نماذج الحياد الاوكراني الذي قد تقبله روسيا، كما حصل عندما انسحب السوفييت من النمسا في 1955، مقابل ضمان دستوري بالحياد، وهو أمر لا يزال قائمًا إلى اليوم. ولكن آخرين يستبعدون ذلك، خاصة وأن ترضى المقاومة بسهولة بالرضوخ لموسكو بعد استخدامها الحل العسكري.
وقال فريدمان: “لا أتوقع من أوكرانيا، وبعد كل ما حصل، أن تقبل أن تصبح بلا حيلة” مضيفاً “يمكنهم أن يمنحوا ضمانات عن القوات الأجنبية والصواريخ، لكن، لو كنتُ أوكرانيًا لا أتوقع أن أقبل بذلك خياراً لمنعي من الانضمام لناتو».