محللون: تجنب صدام مدمر يمكن أن يكون مستحيلاً

أصداء حرب 1982 تتردد بين لبنان وإسرائيل

أصداء حرب 1982 تتردد بين لبنان وإسرائيل


فيما تستمر تداعيات هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) ورد الفعل الإسرائيلي والغزو الذي تحول إلى حرب دموية، يبحث المحللون عن دروس من الاجتياح الإسرائيلي للبنان، منذ 42 عاماً. تفق معظم المحللين على أن الجانبين لا يريدان حرباً، لكن تجنب صدام مدمر يمكن أن يكون مستحيلاً. بدأ الأمر بهجوم إرهابي، أدى إلى انتقام عسكري واسع النطاق، وحصار مدينة، ومقتل آلاف المدنيين، ودمار وغضب عالمي. وإذا كانت العملية العسكرية ناجحة تكتيكياً، فإنها أدت إلى إخفاقات استراتيجية أثرت على الدولة والمنطقة لعقود. وتساءل مراسل صحيفة «غارديان» البريطانية جايسون بوركي في القدس، هل يبدو الأمر مألوفاً؟ بعد 42 عاماً، وبينما يلوح نزاع جديد على الحدود الشمالية لإسرائيل، ينظر مؤرخون ومحللون ومتقاعدون للغزو الإسرائيلي للبنان في 1982، ويتطلعون إلى استخلاص الدروس من الحرب، وإطلاق التحذيرات.
حتماً، كان الأمر مختلفاً تماماً في أحد أيام الصيف، عندما فشل مسلح أرسل إلى لندن من فصيل فلسطيني منشق يعمل بتمويل من الرئيس العراقي صدام حسين، في قتل السفير الإسرائيلي لدى المملكة المتحدة، شلومو أرغوف، عند مغادرته عشاء في فندق دورتشستر.

التاريخ يترك ترددات
ورغم وجود الكثير من الفوارق، فإن ثمة أموراً مشابهة أيضاً، ربما تؤكد القول إن التاريخ إذا كان لا يعيد نفسه، فإنه يترك ترددات.في 1982، كان يتزعم إسرائيل مناحيم بيغن المتشدد الشعبوي الذي أنهى فوزه في الانتخابات قبل خمسة أعوام عقوداً من حكم اليسار، وأطلق جنوح البلاد إلى اليمين. وكان وزير دفاع بيغن في 1982، هو آرييل شارون الجنرال المثير للجدل الذي تحول إلى السياسة. وهو أحد القادة العسكريين الناجحين والأكثر بطشاً، وبعضهم يقول إنه كان من الموهوبين، وأن لديه خططاً طموحة.
كانت الفصائل المختلفة لمنظمة التحرير الفلسطينية مسؤولة عن العديد من الهجمات ضد أهداف إسرائيلية وأهداف أخرى في أنحاء العالم خلال العقد الماضي. وكان بعضها معروفاً ، مثل الهجوم الدموي على الفريق الإسرائيلي في دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ 1972، أو الهجوم الذي أدى إلى عملية إنقاذ نفذتها القوات الخاصة الإسرائيلية في عنتيبي بأوغندا في 1976. ولكن بحلول 1982، كانت مثل هذه الهجمات في طريقها إلى الانحسار، إلى ما دون المد العالي الذي شهدته في منتصف السبعنيات. وهذا أحد الفوارق الرئيسية مع الوضع الحالي. بين 1980 و1981، بلغ إجمالي الإصابات عن هجمات الفصائل الفلسطينية على إسرائيل في الضفة الغربية وغزة فقط 16 قتيلاً، و136 جريحاً. وهذا بالكاد كان يعتبر خطراً وجودياً. وبالمقارنة، أسفر الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي، والذي أثار النزاع الحالي في غزة، إلى مقتل 1200 إسرائيلي وخطف 250 رهينة.

ذريعة
ويتفق المؤرخون الآن إلى حد كبير، على أن إطلاق النار على أرغوف في يونيو (حزيران) 1982، كان ذريعة انتظرها بيغن وشارون، وعندما أخبرهما مسؤولو الاستخبارات أن مهاجم السفير المحتمل  أرسلته مجموعة قتلت العديد من أقرب مساعدي عرفات وحلفائه، لم يتأثر بيغن وكبار المسؤولين العسكريين. وقال رئيس الأركان رافائيل إيتان: «أبو نضال، أبو شميدال، كلهم من منظمة التحرير الفلسطينية».
وفي غضون عشرة أيام من غزو لبنان، وصل الجيش الإسرائيلي إلى ضواحي بيروت، ليحاصر عرفات ومقاتليه من منظمة التحرير الفلسطينية. وتعرضت الأحياء الغربية للمدينة، معقل منظمة التحرير الفلسطينية، لقصف عنيف.
وبعد أسبوعين تقريباً، غادر الآلاف من مقاتلي المنظمة  لبنان إلى وجهات في أنحاء الشرق الأوسط، حيث ذهب عرفات إلى تونس، على بعد نحو 2000 ميل.
وفي مقال افتتاحي في صحيفة «نيويورك تايمز، نُشر حتى قبل مغادرة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بيروت، تفاخر شارون بـ «الهزيمة الساحقة» التي لحقت بمنظمة التحرير، وقال للقراء:  «دُمرت مملكة الإرهاب التي أقامتها منظمة التحرير الفلسطينية على الأراضي اللبنانية»، و»تلقى الإرهاب الدولي ضربة قاتلة»، و»تحطمت البنية التحتية للعنف والثورة برمتها». لقد اختيرت اللغة بعناية لتأطير الحملة الإسرائيلية باعتبارها معركة حرب باردة، وهي معركة نادرة أمكن الفوز بها بشكل لا لبس فيه. وكتب شارون أن جهود إسرائيل كانت بمثابة «انتصار للسلام والحرية في كل مكان».
في غضون عام واحد، غرق الجيش الإسرائيلي في حرب جديدة وحشية ضد قوة متمردة. وكانت الخسائر قليلة نسبياً في الهجوم الأولي على لبنان. لكنها راحت ترتفع باستمرار عندما حاول جنود مجهزون تجهيزاً سيئاً إخماد تمرد متنام. ودمرت سيارتان انتحاريتان من التي كانت تستخدم للمرة الأولى، قواعد في مدينة صيدا بجنوب لبنان.
وأدت هجمات الكر والفر من عدو غير ظاهر إلى مقتل مزيد من الجنود. وبات احتلال دام 18 عاماً للبنان بمثابة نزيف لشبان إسرائيل ومواردها، إلى أن كان الانسحاب المخزي في 2000. ومات أيضاً مدنيون كثيرون.
وقال حاييم هار زهاف، الذي خدم في لبنان في آواخر التسعينات وألف كتاباً عن الحرب: «الدرس هو نفسه الذي نتعلمه اليوم، إذا لم تتمكن من رؤية شكل النصر، فلن يكون هناك نصر».
إن العدو الذي قاتل إسرائيل مدة طويلة، كان حزب الله، حركة الميليشيا الإسلامية التي تشكلت عقب غزو 1982. 
في 2006، قاتل حزب الله الجيش الإسرائيلي وأوصله إلى مأزق.  والآن، ومنذ صباح اليوم التالي لهجوم حماس في أكتوبر(تشرين الأول)، ينخرط حزب الله في حرب استنزاف متصاعدة ضد إسرائيل، وربما يكون هدفاً لهجوم إسرائيلي جديد في غضون أسابيع.
ويتفق معظم المحللين على أن الجانبين لا يريدان حرباً، لكن تجنب صدام مدمر يمكن أن يكون مستحيلاً.
حرب لبنان الأولى غيّرت إسرائيل والمنطقة. اليوم، تواجه إسرائيل التي تغيرت بشكل دراماتيكي بفعل هجوم أكتوبر(تشرين الأول)، نزاعاً جديداً في ميدان معركة قديم.