بمناسبة اليوم العالمي للعربية
أمسية أدبية في النادي الثقافي العربي احتفاء بـ«أم اللغات»
بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة مساء الخميس ندوة أدبية أحياها الشعراء جابر الخلصان وأكرم قنبس وأميرة توحيد، وشارك فيها الدكتور أحمد عقيلي بمداخلة حول جماليات وعبقرية اللغة العربية، وأدار الأمسية الشاعر محمد إدريس الذي قال إن اللغة العربية هي لغة الجمال والإبداع والإيقاع التي وسعت كل شيء، وحوت كتاب الله المعجز، واستمرت لغة حية قوية لما يتجاوز الآن ستة عشر قرنا، ولا تزال حية قادرة على العطاء، وأشاد محمد إدريس بالمبادرة العالمية والمحلية التي تستهدف تعزيز حضور هذه اللغة العالمي، وخص بالذكر مبادرات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الذي هيأ للغة العربية كل أسباب الحماية، وآخرها إنشاء مجمع الشارقة للغة العربية ودعم المجامع العربية الأخرى، والمباشرة في إصدار المعجم التاريخي للغة العربية الذي شهدنا في السنتين الماضية صدور أجزاء منه، وهو إنجاز عظيم في خدمة هذا اللسان الكريم.
الدكتور أحمد عقيلي الدكتور أحمد عقيلي وهو أستاذ للأدب الحديث والنقد الأدبي، خصص مداخلته لمحورين: الأول: ديمومة اللغة العربية واستمراريتها منذ الجاهلية وحتى يومنا هذا، وقد استشهد بنماذج من شعر المعلقات، وأوضح كيف يفهم القارئ العربي اليوم هذه القصائد ويتذوقها، وهنا سر قوة العربية وبقائها، وأشار إلى معرفة العرب أسس النقد الأدبي وجذوره منذ القديم وأن ذائقتهم الفطرية أهدتهم إلى تحسس جماليات أدب هذا اللغة،
واستحضر نماذج لذلك من تحكيم النابغة الذبياني لقصائد الشعراء مثل الخنساء وحسان بن ثابت، وجهود عبد القاهر الجرجاني في نظرية النظم في كتابه دلائل الإعجاز.
المحور الثاني تحدث فيه الدكتور عقيلي عن جماليات اللغة العربية من ترادف وتضاد وتجانس وصور بيانية وبلاغية وقدم أمثلة إيضاحية ومن ثم تناول دلالة الحرف والصوت في اللغة العربية مستشهدا بكتاب الخصائص لابن جني، والتي توضح أن للحرف العربي بذاته دلالة عميقة وواضحة فالعين مثلا تفيد الوضوح والغين للغموض وتكرار الحرف يفيد تكرار الحدث وهكذا.
الشاعر الإماراتي جابر الخلصان، كان المنشدين في هذه المناسبة، فقد ألقى ثلاث قصائد “هي نسج الحروف، وموسيقاي تعزف لحني، ولغتي فؤادي، وتمحورت قرآته حول لغة الضاد، وما تغري به الشاعر جمالياتها وأسرارها الخفية التي تترآى له من بعيد قبسا من نور يتبعه ليتصيده، ويعود به إبداعا ناصعا، وينحو الخلصان في قراءاته إلى الرمزية التي يسعى إلى يجعلها شفافة،
ويتكئ في رمزية على معاني ومفردات تتعلق بالنور والضياء والتجلي والسمو، مما يتردد في كثيرا قصائده، يقول الخلصان:
لغتي المجاز وراية الإفصاحِ
لغتي سنام المجد في الإصداح
لغتي وحرف الفكر فيض بحورها
لمرافئ الإعجاز نُزْلَ براح
لغتي كتاب الله يزهر ضوعها
وهو النسيم وبسمة الأرواح
وبها رسول الله يصدع بالحجا
فالشرع والأحكام لفظ صراح
تاج الحديث إذا تناغم لفظها
مستودع التمكين والإنجاح
الشاعرة أميرة توحيد قرأت هي الأخرى ثلاث قصائد في حب العربية وتمجيدها (شمسُ اللغات، ظِلٌّ على مَطلعِ التاريخ، لو تشعرون) وهي شاعرة متمكنة من أدواتها، حاذقة في صناعة الصورة البديعة، تقول أميرة توحيد:
درٌ تلألأتْ العيونُ بريقُهُ
وتوهٌجت أنفاسُنا لسَنائهِ
شمسٌ على عرشِ اللغات تربَّعتْ
نسجتْ ذُرى الأمجادِ في عليائهِ
حازتْ صنوفَ الحسنِ ملءَ حروفِها
آيٌ من الرحمنِ من آلائِهِ
ألفٌ ينصِّبُهُ الزمانُ منارةً
ويخلِّدُ التاريخُ سرَّ إبائِهِ
والباءُ بحرٌ بالحضارةِ زاخرٌ
يسبي العقولَ بسحرِهِ وسخائِهِ
والضادُ ملحمةٌ يردِّدُ صوتَها
كلُّ الذين تفرَّدوا بغنائِهِ
والياءُ فوقَ حدودِ الصمتِ أسئلةٌ
يَجني ثمارَ البوحِ عند ندائِهِ
هي أولُ التاريخِ مهدُ بيانِهِ
وفصاحةُ المعنى، جمانُ ردائِهِ.
الشاعر أكرم قنبس قرأ قصيدة مطولة في مدح اللغة العربية والتغني بأمجادها وعبقريتها، وهو شاعر في لغته قوة وجزالة، يرتكز على ثقافة أصيلة، ويتكئ على الأحداث والإشارات التاريخية في كتابته،
مما يعجل قصائدة محملة بالدلالات التاريخية والثقافية، وقد تأرجح قراءته بين الإشادة بتاريخ اللغة العربية وتراثها العظيم، والاحتفاء بجمالها وقدرتها على صناعة الإبداع، وبين الأسى لواقعها اليوم، وما يكيده لها أعداؤها، وانصراف أهلها عنها إلى لغات أخرى، يقول قنبس:
فيا نخلة الضاد التي ذاب قلبها
حنينا لعهدٍ مطلقِ السعفات
يتيمان عشنا في ميادين أمة
نُذاد برمل الأعين الشزرات
يتيه بنا موج من الوجد تارة
ويصفعنا غزو بغير غزاة
له من دخيل العرب ألف مدجج
بفكر شريك الشرك في الغزوات
يغير على أم اللغات كأنها
خصيم تلقى أعنف الطعنات
يجز بها الميراث حتى كأنها
سبية قوم في مهب فلاة
فيا قلبها المفطور كيف نعيده
سليما بنبض الشوق والبسمات
فإن لها روحا تمد مدادها
بسبع مثاني العلم في الصلوات.