أوروبا تعود إلى سياسة الحديد والدم

أوروبا تعود إلى سياسة الحديد والدم


حذر النائب الأسبق لقائد قوات الحلفاء في أوروبا الجنرال البريطاني المتقاعد ريتشارد شيرّيف الغرب من خداع نفسه واعتبار أن ما يجري في أوكرانيا هو مجرد هجوم لقضم جزء من أوكرانيا. وكتب في صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أنه بضربة واحدة، أعلن اجتياح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا عن افتتاح حقبة جديدة لأوروبا. إن هجوم روسيا غير المبرر على جارتها الديموقراطية ليس أقل من العودة إلى ما سماه أوتو فان بيسمارك “سياسة الحديد والدم” إلى أوروبا. إن العالم الذي عرفه المراقبون قبل 24 فبراير، حيث للدول السيدة حق العيش بسلام يضمنه احترام القانون الدولي، ذهب إلى غير رجعة. إنه عودة إلى حرب على نطاق لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

ويهدف الاعتداء الشامل والمتعدد المحاور من الشمال والشرق والجنوب إلى تدمير القوات المسلحة الأوكرانية والقبض على الدولة الأوكرانية وتنصيب حكومة دمية، قبل دمج البلاد في الاتحاد الروسي. توقع الكاتب حدوث معاناة إنسانية لا توصف: خسائر مروعة في صفوف المدنيين والعسكريين؛ دمار هائل في المدن والبلدات؛ عدد لا يحصى من اللاجئين وكارثة إنسانية. لا يمكن أن تكون التداعيات أبعد مدى – وليس فقط بالنسبة إلى الشعب الأوكراني.

يرى الجنرال المتقاعد أن ما يجري تهديد حالي وحقيقي لحلف الناتو. للحرب ديناميتها الخاصة التي لا يمكن السيطرة عليها. يجب على الحلف الاستعداد للأسوأ: وقوع هجوم روسي من أوكرانيا محتلة أو من دولة بيلاروسيا الدمية بيد بوتين ضد دولة أطلسية. فبوتين دعا في نهاية المطاف إلى اتفاق يالطا جديد لكونه “أنسب تسوية أمنية لأوروبا” – وهو رمز لإعادة تأسيس السيطرة الروسية على دول حلف وارسو السابق شرقي أوروبا، وهي جميعها باتت أطلسية. إذا اجتاز جندي روسي الحدود ببوصة واحدة نحو أرض أطلسية، فهذا يعني أن الدول الثلاثين المنضوية في الحلف الأطلسي ستكون بحالة حرب مع روسيا.
وقد يعني هذا الأمر أيضاً حرباً نووية لأن روسيا تدمج التفكير النووي في جميع جوانب عقيدتها العسكرية. يذكّر شيريف بتحذير بوتين المروع من أن أي أحد “يحاول الوقوف في وجهنا” سيواجه “تداعيات لم تواجهوها قط في تاريخكم”. إن السبيل الوحيد للحفاظ على السلام المتبقي في أوروبا هو الردع الفعال، التقليدي والنووي.

تحت قيادة الولايات المتحدة القوية والثابتة، يجب على الناتو نشر ما يكفي من القوات عند جناحه الشرقي. وعلى التحالف إظهار أنه مستعد وقادر بشكل لا لبس فيه على الدفاع عن حدوده البرية ومجاله الجوي وخطوط اتصالاته البحرية بواسطة قوات مقتدرة وموثوق بها ويجب عليه نقل هذه الرسالة إلى بوتين. إن حشد ونشر مختلف مستويات القوة هو تحد كبير للناتو. بفعل نزع السلاح التراكمي في أوروبا خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، لا وجود لأي دولة أطلسية، باستثناء الولايات المتحدة، قادرة على وضع الحد الأدنى من المتطلبات لفرقة قتالية مؤلفة من ثلاثة ألوية إضافة إلى كل الدعم القتالي واللوجستيات (قرابة 25 ألف رجل وامرأة) بالسرعة المطلوبة لردع بوتين. مع ذلك، يجب تخطي هذا التحدي مهما كانت الكلفة بحسب شيريف. يجب أن تكون الخطوة التالية دعم أوكرانيا.

لا يمكن نشر قوات أطلسية على الأرض أو في أجواء تلك البلاد. سيضمن ذلك إطلاق حرب عالمية ثالثة. لكن يمكن تأمين التجهيزات والدعم غير المباشر طالما أن القوات الأوكرانية المسلحة قادرة على إدامة القتال. بعدها، ومع افتراض أن روسيا ستنتصر في نهاية المطاف، يجب دعم وتجهيز وتمويل حركة مقاومة لإشعال أوكرانيا وتقييد الروس في صراع طويل الأجل ضد تمرد لا يمكنهم أبداً الفوز عليه، مما يؤدي إلى سقوط بوتين في نهاية المطاف.

ما قاله أحد الجنرالات الرومان
في الوقت نفسه، تابع الكاتب، ينبغي إبقاء الضغط على الجبهة الديبلوماسية في الأمم المتحدة، والجبهتين الاقتصادية والمالية عبر العقوبات. وإذا كانت هذه العقوبات قاسية بما يكفي لأذية الغرب أيضاً فعندها سيكون هذا الأمر جزءاً من الكلفة التي يجب دفعها لتقويض نظام بوتين. يرى الكاتب أن الغرب يواجه صراعاً وجودياً وبالتالي يجب عليه الاستعداد لتقديم تضحيات. في أفضل الأحوال، ينبغي توقع حرب باردة جديدة لما لا يقل عن جيل كامل على الجناح الشرقي للناتو. وفي أسوأ الأحوال، يجب الاستعداد لحرب مباشرة مع روسيا. ويذكّر شيريف في الختام بما قاله الجنرال الروماني فيجيتيوس: إذا كنتم تريدون السلام، فاستعدوا للحرب.