أوروبا ستكون أقوى مع بايدن لمواجهة تركيا
بعد انتخاب المرشح الديموقراطي جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، من المرجح أن يستفيد الأوروبيون من العلاقات مع واشنطن في ملفات عدة، ومن بينها الملف التركي. أضاء الباحثان في “صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة” قدري تاشتان، وإيلكه تويغور على هذا الجانب، مع نصيحة أساسية وجهاها إلى بروكسل في هذا المضمار.
وحسب تاشتان وتويغور، يدرك الأوروبيون أنه حتى مع فوز بايدن، أنهم لن يعودوا إلى السنوات الذهبية التي جمعت بروكسل بواشنطن. ورغم ذلك، سيتمكن الاتحاد الأوروبي من التعاون مع الرئيس الجديد أكثر مما استطاع أن يفعل مع ترامب.
ستتذكر بروكسل الأعوام الأربعة الماضية، أعوام وِحدة في عالم متعدد الأقطاب ومتزايد الاضطراب، والفراغ الذي تركته واشنطن في الجوار المباشر لتركيا سمح للأخيرة باتباع سياسة خارجية متشددة ومتعسكرة هناك.
وعززت تحركات تركيا في سوريا، وليبيا، وشرق المتوسط، وناغورنو قره باخ الشقاق مع الاتحاد الأوروبي.
وقال منسق الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن العلاقات الأوروبية التركية تمر بنقطة تحول.
يحتفل الاتحاد الأوروبي برئيس أمريكي يرغب في العمل معه في الشؤون الدولية، وسيحفز العمل عبر المؤسسات التعاون المنظم بين الطرفين في جبهات عدة. ويتوقع الباحثان أن يتعزز موقف الاتحاد في علاقته مع تركيا على ثلاثة مستويات. وستقوي رئاسة بايدن التحالف الغربي فوراً. كان نقص التنسيق بين واشنطن وبروكسل واحداً من العناصر الأساسية خلف الانطباع لدى تركيا وغيرها، بوجود فراغ في السلطة، ما حدا بها إلى محاولة ملئه.
سيتبنى بايدن العلاقات العابرة للأطلسي ما يعني نهاية استفادة تركيا من الاحتكاك بين واشنطن وبروكسل. وستنعكس الوحدة الغربية على توطيد المؤسسات التعددية بدءاً بحلف شمال الأطلسي ناتو.
يوصَف بايدن بأممي كلاسيكي ولديه تعاطف عام مع المؤسسات الدولية المتعددة. ولهذا السبب، من المتوقع أن يستثمر في ناتو أكثر قوة وتسييساً.
واليوم، ثمة العديد من التوترات بين تركيا وحلفائها الأطلسيين، مع الولايات المتحدة بسبب شراء أس-400 الروسية، ومع اليونان وفرنسا بسبب سلوك أنقرة شرقي المتوسط وأماكن أخرى، إضافة إلى تقاربها مع روسيا.
لن يحل انتخاب بايدن أياً من هذه المسائل بشكل آلي، ولذلك، من المتوقع أن تظل التوترات سائدة في البداية. ولكن تعزيز المؤسسة قد يحفز تركيا على تسوية القضايا مع حلفائها. حتى عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ يمكن أن تدفع تركيا إلى توقيعها ما يخلق منصة لتركيا لتعمل مع الاتحاد الأوروبي على مواجهة هذا التحدي العالمي. وتحظى الاستدارة نحو آسيا بدعم الحزبين في الكونغرس. لكن يُستبعد أن يؤدي ذلك إلى تراجع التركيز التقليدي على الأمن، ومحاربة الإرهاب.
يمكن أن تتوقع أوروبا انخراطاً أمريكياً أكثر في الجوار الأوروبي، حيث تركيا متورطة، مثل سوريا وليبيا، وناغورنو قره باخ. ومن المتوقع أن تعود إدارة بايدن إلى فرض التوازن أمام روسيا التي لعبت دوراً جوهرياً في هذه المناطق.
وعلاوة على ذلك، يتابع الباحثان، سيتعزز موقف أوروبا حين يرتبط الأمر بتوترات شرقيّ المتوسط.
من المرجح أن تفرض واشنطن ضغطاً قوياً على تركيا في علاقاتها مع قبرص واليونان. تقليدياً، كانت للولايات المتحدة مقاربة أكثر توازناً في هذه الجبهة، لكن يبدو اليوم أنها تتخذ موقفاً أكثر تفضيلاً لليونان. تصبح العلاقة مع أثينا أكثر أهمية عند واشنطن لأن الأخيرة ترى في اليونان خياراً بديلاً عن تركيا لإقامة قواعد عسكرية فيها إذا ساءت العلاقات أكثر مع الأتراك.
ولبايدن أيضاً مصلحة طويلة الأمد في المسألة القبرصية، ذلك أن محاولة أنقرة تغيير “الستاتيكو” هناك بتشجيع فتح منتجعات فاروشا، وحل الدولتين، أمرا لا يحظى بالترحيب.
وتعهّد بايدن بدعوة جميع الدول التي تشبه الولايات المتحدة إلى قمة ديموقراطية لمحاربة الفساد والتسلط وتعزيز حقوق الإنسان. أعطت الإدارات الأمريكية العلاقات الأمنية مع تركيا الأولوية دوماً. وهذا يعني أن بايدن سيكون أكثر صراحة في ما يتعلق بتراجع الديموقراطية وتقويض سيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
هذا التغير المتوقع تحت إدارة بايدن سيقوي موقف أوروبا ضد تركيا بوضوح. سيصبح الاتحاد الأوروبي أكثر علانية إذا دعمت الولايات المتحدة هذه الأجندة. تبنت بروكسل أخيراً النظام الدولي للعقوبات على منتهكي حقوق الإنسان، قانون “ماغنيتسكي” للاتحاد الأوروبي، القانون الذي يمكنه أن يشكل منصة خاصة لدعم الأجندة الأوروبية. خلص الباحثان إلى أنه لم يبق لتركيا سوى القليل من الأصدقاء في واشنطن، وفي العواصم الأوروبية. إن نقص التعاون بين واشنطن وبروكسل حول تركيا خفف فاعلية سياستيهما تجاه أنقرة.
وتبحث العاصمتان حالياً عن لحظة لتلاقي السياستين تجاه تركيا. لكن مستقبل علاقات أنقرة مع الغرب لن يقرره رجب طيب أردوغان فقط بل أيضاً مقاربتا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
سيراقب العالم إذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا ستتكيفان مع طموحات تركيا المتزايدة أو إذا اختارتا مواجهة سياستها الخارجية، وتعاملها مع قضايا حقوق الإنسان. لكن أياً تكن سياستاهما من الأفضل أن تكون متناسقة لتكون أكثر فاعلية. وفي الختام، دعا الباحثان أوروبا إلى صياغة استراتيجية تجاه تركيا بدل تفويض الولايات المتحدة للتعامل معها. فهذا التفويض ليس استراتيجية صحيحة، على عكس تنسيق السياسات بالتوازي مع الاستثمار في تعددية جديدة وشاملة، وفق الباحثين.