أوكرانيا.. أكبر كارثة لكوريا الشمالية منذ المجاعة
في أوائل نوفمبر -تشرين الثاني 2024، انتشرت إشاعات بين سكان مدينة هيسان الكورية الشمالية، حول نشر قوات روسية في المنطقة، وخشيت العائلات من أن يُجبر أبناؤهم على القتال في أوكرانيا، ولكن في غياب أي أنباء رسمية من بيونغ يانغ، لم يتمكنوا من التحقق من صحة تلك المزاعم. في غضون أيام قليلة، انتشرت الإشاعات من هيسان إلى مناطق أخرى عبر شبكات التجارة المحلية ومسؤولي الحدود، ليتبين لاحقاً أن تلك الإشاعات صحيحة.
وقال الدبلوماسي السابق كارل أنتوني بورغ، عبر مجلة «ذا ديبلومات»، إن كوريا الشمالية أرسلت بناء على اتفاق مع روسيا أُنجز في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نحو 11 ألف جندي إلى الخطوط الأمامية في أوكرانيا، مزودين بالإمدادات وبراتب سخي من روسيا.
ورغم تركيز الاهتمام على إمكانية حصول النظام الكوري الشمالي على تقنيات عسكرية ونووية جديدة، إلا أن الآثار المحلية لهذا الانتشار ما تزال غير مستكشفة إلى حد كبير.
خسائر فادحة
تعاني القوات الكورية الشمالية من خسائر فادحة في أوكرانيا، وخاصة في منطقة كورسك حيث تم نشر معظمهم على الخطوط الأمامية.
وقدرت أوكرانيا وكوريا الجنوبية أن ما يصل إلى 3000 جندي من أصل 11000 قد سقطوا بين قتيل وجريح. هذا المستوى المرتفع من الخسائر هو نتيجة لتحديات عديدة تواجه القوات الكورية الشمالية، بما في ذلك قلة التدريب، خاصة في حرب الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى معاملة القوات الكورية الشمالية باعتبارها «قابلة للتضحية» من قبل القوات الروسية. كما وردت تقارير عن حالات انتحار بين الجنود الكوريين الشماليين، غالباً لتجنب الأسر على يد الجنود الأوكرانيين، في ثقافة تساوي الاستسلام بالخيانة.
هذه الخسائر غير المسبوقة تثير تساؤلات حول ما إذا كان النظام في كوريا الشمالية قادراً على تحمل هذه الخسائر مع الحفاظ على الاستقرار الداخلي.
منذ نهاية الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي، قدمت بيونغ يانغ دعماً لحلفائها الأيديولوجيين في صراعات خارجية مثل فيتنام وإثيوبيا واليمن وأوغندا وأنغولا، وقد تم إخفاء تفاصيل هذا الدعم عن العامة لاعتبارات تتعلق بالتداعيات المحلية. وكان أكبر التزام عسكري لكوريا الشمالية بعد الحرب الكورية هو مساعدتها لفيتنام الشمالية، حيث أرسل كيم إيل سونغ نحو 384 جندياً، من بينهم طيارون وخبراء في الهندسة.
التورط في أوكرانيا: تحديات جديدة
لكن بحسب الكاتب، فإن التورط العسكري في أوكرانيا يفرض تحديات غير مسبوقة على سيطرة النظام على المعلومات في كوريا الشمالية، فبخلاف فيتنام وأوغندا، حيث كانت الخسائر محدودة وممتدة على سنوات، الخسائر في أوكرانيا ضخمة ومركزة في وقت ومكان محددين.
وفي السابق، كان بإمكان النظام التحكم في المعلومات بشكل أفضل من خلال نقل العائلات المتضررة إلى بيونغ يانغ. وفي حالة أوكرانيا، سيكون نقل آلاف العائلات تحدياً كبيراً، وقد يغير التركيبة الاجتماعية والعسكرية في كوريا الشمالية.
الورطة العسكرية لكوريا الشمالية تثير مخاوف من تراجع الولاء العسكري.
وفي التسعينيات، حاول الفيلق السادس من الجيش الشعبي الكوري الانقلاب على النظام، وتم إخماد المحاولة سريعاً، مما يوضح أن الولاء العسكري لا يمكن أخذه كأمر مسلم به، حتى في نظام ككوريا الشمالية.
مع تزايد خسائر الجنود الكوريين الشماليين في أوكرانيا، تسعى بيونغ يانغ للسيطرة على تداعيات هذا الوضع. وفي محاولة للتغطية على الخسائر، كثف النظام من مراقبته للهواتف المحمولة المنتشرة على الحدود الصينية، حيث تشكل هذه الوسائل تهديداً كبيراً لقدرته على السيطرة على المعلومات.
كما زعم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن الجنود الكوريين الشماليين الذين يعبرون عن رغبتهم في إيقاف الحرب ونشر الحقيقة حولها في كوريا سيتم منحهم فرصة للإقامة في أوكرانيا. إذا استمر تورط كوريا الشمالية في أوكرانيا بهذا الشكل الكارثي، فقد يُقوض تحالفها مع روسيا. الجمع بين الخسائر العسكرية والمشاركة في حرب خارجية قد يؤدي إلى خلق حالة من عدم الاستقرار الداخلي، حيث سيؤدي هذا إلى خيبة أمل متزايدة بين أفراد الجيش والمجتمع بشكل عام. وختم الكاتب أن السباق نحو انتصار في أوكرانيا قد يمثل أكبر اختبار لنظام كوريا الشمالية منذ المجاعة في التسعينيات، ومع استمرار هذه الخسائر، قد يشهد المجتمع الكوري الشمالي تحولات جذرية تؤثر على توازن النظام الداخلي.