قانونيا خارج الصراع:

أي مدى للدعم العسكري الأمريكي والأطلسي لأوكرانيا...؟

أي مدى للدعم العسكري الأمريكي والأطلسي لأوكرانيا...؟

-- طوّر الأمريكان أدوات قانونية تجعل من الممكن التأثير على الخصم دون حشد القوات على أراضيه
-- تساعد واشنطن في تعزيز القدرات الدفاعية لحلف الناتو على جانبه الشرقي
-- المساعدة دون المشاركة هي سياسة الحكومة الأمريكية الحالية
-- إذا كانت موسكو تريد شن هجوم قانوني على واشنطن، فإن تسليم الأسلحة لا يكفي
-- العنصر العسكري من الدعم لا يشمل إرسال القوات الأمريكية إلى الأراضي الأوكرانية


    المساعدة دون المشاركة هي سياسة الحكومة الأمريكية الحالية. يقدم جو بايدن مساعدة كبيرة للأوكرانيين مع البقاء بشكل قانوني خارج الصراع.
   قدمت الدول الغربية لأوكرانيا دعمًا كبيرًا إلى حد ما في العديد من المجالات منذ بداية الأعمال العدائية، ولكن في نظـــــر السلطات في كييف، فإن هذا الدعم غير كافٍ. كيف يمكن تفســير هذا الامتناع الذاتي للــــدول الغربيـــــة، ولا ســـيما الولايات المتحدة، العضو القوي في منظمـــة حلف شمال الأطلســـي والخصـــم التاريخـي لروســـيا؟

الولايات المتحدة ترسل مساعدات لأوكرانيا ...
   لننظر أولاً إلى مدى تورط واشنطن في هذا الصراع إلى جانب كييف.
   أولاً، هناك المكون الاقتصادي والمالي للعقوبات، والذي يعود أوله إلى 6 مارس 2014. واعتبارًا من 21 فبراير 2022، نفذت الحكومة الأمريكية عناصر جديدة، ضد شخصيات مهمة في النظام الروسي، ضد شركات الدولة الاساسية، أو استهداف الصادرات الأمريكية لتقنيات معينة مفيدة لروسيا.

 كما تم استبعاد هذه الاخيرة أيضًا من منصة الاتصالات المصرفية الدولية سويفت.
   ثم هناك العنصر العسكري. اعتبارًا من 7 مارس، تم نشر ما يقرب من 100 ألف جندي أمريكي في أوروبا، استكمالًا لتحويل أكثر من ملياري دولار من المساعدات. في 16 مارس، لجأ وزير الخارجية أنطوني بلينكين للمرة الخامسة في أقل من ستة أشهر إلى ترخيص استثنائي لمساعدة أوكرانيا، بلغ مبالغ كبيرة. وتشمل هذه المساعدات تسليم معدات عسكرية والتدريب.
  في نفس الوقت، تساعد واشنطن في تعزيز القدرات الدفاعية لحلف الناتو على جانبه الشرقي، على سبيل المثال عن طريق إرسال طائرات مقاتلة إلى هناك. كما تم تفعيل قوة الرد التابعة لحلف الناتو لأول مرة منذ تأسيسها من قبل الجنرال تود دي وولترز، القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا، لأغراض الردع والدفاع. في 24 مارس، وافق رؤساء دول الناتو على الحاجة إلى نشر أربع مجموعات قتالية جديدة متعددة الجنسيات في بلغاريا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا.
    ومع ذلك، فإن العنصر العسكري لا يشمل إرسال القوات الأمريكية إلى الأراضي الأوكرانية، وكان الرئيس بايدن، قائد القوات المسلحة، واضحًا بشأن ذلك.

...لكن بلا قوات
   لفّة من خلال القانون تبدو ضرورية لمعرفة الإطار القانوني الذي يحكم التدخلات الخارجية للولايات المتحدة.
   يحظر القانون الدولي أي استخدام للقوة (المادة 2، 4 من ميثاق الأمم المتحدة). وبالتالي فإن التدخلات المسلحة الخارجية من قبل أي دولة عضو في الأمم المتحدة تعتبر غير قانونية، إلا في حالة الدفاع عن النفس (المادة 51) أو إذا أجاز مجلس الأمن ذلك (الفصل السابع).
   وانطلاقاً من روح الدفاع الجماعي عن النفس، تمت صياغة المادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي، والتي تنص على أن أي هجوم على أحد أعضاء الحلف سيعتبر هجومًا على الجميع. لكن بالنظر إلى أن أوكرانيا ليست جزءً من الناتو، فإن مثل هذه الحجة القانونية غير مقبولة لتبرير دخول الناتو الحرب إلى جانب الأوكرانيين.
   لذلك نلاحظ أن الإطار مقيد تمامًا؛ وهذا هو سبب تفضيل أشكال أخرى من التدخل. وبهذا المعنى، طورت الولايات المتحدة أدوات في قانونها الوطني تجعل من الممكن التأثير على الخصم دون حشد القوات على أراضيه، مثل العقوبات.
   يتم فرض هذه الاخيرة من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية. انه يستجيب لأهداف السياسة الخارجية والأمن القومي على أساس تشريعات مختلفة، مثل قانون سلطات الطوارئ الدولية أو قانون الطوارئ الوطنية. وهذا الأخير، على سبيل المثال، يُلزم الرئيس بإبلاغ الكونغرس كل عام بتجديد حالة الطوارئ المعلنة لتبرير اتخاذ العقوبات تحت طائلة إنهاء حالة الطوارئ. هذا ما تم فعله للوضع في أوكرانيا، مع إعلان التجديد السنوي لحالة الطوارئ في 6 مارس 2014.
   ويخضع تزويد المعدات العسكرية لقانون المساعدة الأجنبية وقانون مراقبة الصادرات المسلحة. وهما يخولان للرئيس تسليم المعدات العسكرية في حالة الطوارئ الاستثنائية، بمبلغ أقصاه 100 مليون دولار على مدى السنة المالية.

تسليم الأسلحة
 ودخول الحرب
   كيف يمكننا توصيف هذه المساعدة العسكرية قانونًا؟ هل يُنظر إليها على أنها مجرد دعم أم أنها تعني ضمناً أن واشنطن طرف في الصراع وبالتالي يمكن مهاجمتها؟
   إذا كانت موسكو تريد شن هجوم قانوني على واشنطن، فإن تسليم الأسلحة لا يكفي. لقد تمكن الفقه القانوني من إثبات أنه لكي تُعتبر دولة ما متورطة في نزاع، يجب أن “تلعب دورًا في تنظيم أو تنسيق أو تخطيط أعمال عسكرية للجماعة العسكرية”، وهو ما يزيد بدرجة أعلى عن توفير السلاح. وإذا قررت موسكو مع ذلك استهداف قوافل تسليم الأسلحة، كما ذكر نائب وزير الخارجية الروسي في 12 مارس، فلا يمكن اعتبار مثل هذا الهجوم عمل دفاع عن النفس ردًا على هجوم مسلح، على النحو المنصوص عليه في المادة 51 من الميثاق. ورغم المظاهر، فإن السعي وراء الشرعية، حتى كواجهة، يظل مهمًا بالنسبة لموسكو.
   هذا هو الخط الذي لا ترغب الولايات المتحدة في تجاوزه، وهو ما قد تخاطر بفعله إذا نفذت منطقة حظر طيران، كما طالب الرئيس الأوكراني زيلينسكي. في الواقع، لفرض مثل هذه المنطقة، لا بد أن تكون قادرًا على إسقاط طائرة مقاتلة معادية، والذي يمكن اعتباره عملاً حربياً، وبالتالي دخولًا في الصراع.
   ماذا عن التدخلات الخارجية الأمريكية السابقة؟ إذا أخذنا مثال التدخل في أفغانستان عام 2001، والذي تم شنه ردًا على هجمات 11 سبتمبر 2001، فقد تم إضفاء الشرعية عليه في القانون الدولي بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وداخليًا، اعتمدت على “تفويض استخدام القوة العسكرية”، وهو قانون تشريعي سمح الكونغرس بموجبه للرئيس، بعد أيام قليلة فقط من الهجمات، باستخدام القوة ضد المسؤولين عن الهجمات.
   ورغم أن مثل هذا التفويض الخاص لم يتم سنه للحرب في أوكرانيا لأن إرسال القوات على الأراضي الأوكرانية غير متصور، إلا أن الكونجرس والرئيس كانا قادرين على استخدام السلاح القانوني للسماح بزيادة الدعم لأوكرانيا. وفعلا، مع التوقيع على قانون الاعتمادات التكميلية لأوكرانيا في 15 مارس، تم تخصيص 13.6 مليون دولار من المساعدات الطارئة -الإنسانية والعسكرية -لأوكرانيا للتعامل مع العدوان الروسي، وتم تحرير بعض القيود في قانون المساعدة الخارجية، ولا سيما سقف قيمة المساعدة، والالتزام بإخطار الكونجرس في غضون 30 يومًا.
   ويمكن مقارنة سنّ هذا القانون بسنّ قانون تفويض استخدام القوة العسكرية، بما ان القانونين يعتبران تعديلات على النظام القانوني الداخلي لتلبية حاجة عملياتية.

الحرب القانونية أو تعبئة الأداة القانونية في النزاع
   يشير مفهوم القانون كأداة للحرب اليوم إلى الفكرة المثيرة للجدل حول الحرب القانونية. كلمة فضفاضة واسعة المدلول تتكون من مصطلحين إنجليزيين، القانون والحرب، وانتشر هذا القانون بعد مداخلة لجنرال أمريكي متقاعد، تشارلز جيه دنلاب جونيور، القاها في السياق الخاص لما بعد هجوم 11 سبتمبر 2001.
   ووفق دنلاب، فإن الالتزام الصارم المفرط بالقانون الدولي يقيّد أيدي الولايات المتحدة اذ يمكن اعتباره من قبل الخصوم نقطة ضعف. عندئذٍ سيكون هؤلاء قادرين على “استغلال” القانون، وبالتالي اللجوء إلى الحرب القانونية، من أجل وضع الولايات المتحدة في موقف دقيق حيث تُجبر على التخلي عن أهداف عسكرية معينة لصالح الامتثال للمعايير القانونية، أو لانتهاك أوامر القانون الدولي لصالح مكاسب عملياتية.
   اعتُبرت في الأصل علامة سلبية، تم تبني هذه الاستراتيجية وتولى الدفاع عنها لاحقا بعض المؤلفين، لا سيما في الولايات المتحدة. فهل يمكن لواشنطن أن تضع موسكو في نفس المأزق في حالة الحرب الأوكرانية؟
   هذا الصراع خاص، لأنه لا توجد مواجهات مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا. لذلك يبدو القانون كأداة مفضلة للوصول إلى الخصم من مسافة بعيدة. ويأتي حلف شمال الأطلسي لحماية واشنطن من خلال إبعادها عن المواجهات المباشرة، بينما يتم استخدام التشريعات الداخلية وتعديلاتها كأسلحة ضد موسكو، في غياب القدرة على استخدام الأسلحة الحقيقية.
   في 15 مارس، أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع، قرارًا يعلن فلاديمير بوتين “مجرم حرب”، وأشار فيه إلى المحكمة الجنائية الدولية. هذه الإشارة منطقية، ولكنها قد تكون مثيرة للفضول والاهتمام لأن الولايات المتحدة ليست طرفًا في نظام روما الأساسي وقد فعلت كل شيء لتقويض مصداقية المحكمة. ومع ذلك، فإن هذا القرار يكرر الإجراء الذي سبق ان اتخذته المحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم التي يُزعم أنها ارتكبت على الأراضي الأوكرانية منذ نهاية عام 2013. وبعد استنتاجات الفحص الأولي الذي بدأ في 25 أبريل 2014، طلب المدعي العام الإذن بفتح تحقيق، وقد بدأ فعليّا في 2 مارس 2022.
   وبالإضافة إلى المعاهدات، يمكن اعتماد “القانون غير الملزم” للإضرار بصورة الخصم، مثل قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان هذا هو الحال في 1 مارس مع تبني قرار “العدوان على أوكرانيا” بأغلبية كبيرة.
   في المقابل، فإن تبني قرار ملزم من مجلس الأمن أمر لا يمكن تصوره، نظرا لوجود روسيا بين الأعضاء الخمسة الدائمين. وقد تم تأكيد ذلك قبل أيام قليلة، في 25 فبراير، عندما لم يتم اعتماد مشروع قرار اقترحته الولايات المتحدة وألبانيا بسبب الفيتو الروسي.
   لذلك يمكن حشد القانون في النزاع، لكنه يظل مجرد أداة إضافية في لوحة الأدوات المتاحة للدول. ولا ينبغي المبالغة في تقدير تأثيره، خاصة في حالة الحرب في أوكرانيا حيث يكون للعامل النووي وزن كبير.

طالبة دكتوراة في العلوم السياسية -معهد مونتسكيو للأبحاث، جامعة بوردو