إنتاج السلاح يتزايد في أوكرانيا.. هل تستطيع مواجهة روسيا وحدها؟

إنتاج السلاح يتزايد في أوكرانيا.. هل تستطيع مواجهة روسيا وحدها؟


في السنوات الأولى من الهجوم الروسي، اعتمدت أوكرانيا بشكل كبير على مجموعة من الأسلحة الغربية لتجهيز قواتها. أما اليوم ومن قلب أتون الحرب، باتت الصناعة الدفاعية الأوكرانية تنتج أسلحة أكثر من أي وقت مضى. عندما هاجمت روسيا أوكرانيا، لم يكن لدى كييف سوى نموذج أولي واحد من مدفع «بودانا» الذي تنتجه محلياً. وفي العام الماضي، أعلنت كييف أنها أنتجت مدافع ميدان أكثر مما أنتجته جميع دول حلف شمال الأطلسي «الناتو» مجتمعة،  وفق تقرير في صحيفة «وول ستريت جورنال».

عنصر محوري لكييف
وبينما تأخرت الدول الغربية في زيادة إنتاجها من الأسلحة، قفزت قيمة ما يمكن أن تنتجه الصناعة الدفاعية الأوكرانية من مليار دولار في عام 2022 إلى 35 مليار دولار خلال ثلاث سنوات من الحرب، رغم أن روسيا ما زالت تطلق صواريخها على المصانع الأوكرانية.
ومع تراجع الدعم الأمريكي، أصبحت الصناعة الدفاعية الأوكرانية عنصراً محورياً في قدرة البلاد على مواصلة القتال ضد روسيا أو لضمان سيادتها في حال تم التوصل إلى اتفاق سلام. فكلما زاد عدد الأسلحة التي تنتجها أوكرانيا بنفسها، قلّ اعتمادها على تقلبات السياسة الدولية أو اضطرابات سلاسل الإمداد عبر الحدود.
كما ترى أوكرانيا في صناعتها الدفاعية مورداً اقتصادياً محتملاً في مرحلة ما بعد الحرب، وطريقة للاندماج بشكل أعمق في الغرب من خلال أن تصبح أحد مزوّديه بالأسلحة.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: «ستحتاج أوكرانيا دوماً إلى أسلحتها القوية الخاصة، لكي نحظى بدولة أوكرانية قوية».
وأضاف زيلينسكي أن أكثر من  40 % من الأسلحة المستخدمة حالياً على الخطوط الأمامية ضد روسيا تُنتج الآن داخل أوكرانيا. وفي بعض المجالات، مثل الطائرات المسيّرة، والأنظمة البرية غير المأهولة، والحرب الإلكترونية، تصل النسبة إلى نحو 100%.

تنافس دفاعي
كما ينتج المصنعون الأوكرانيون كميات متزايدة من الأسلحة التقليدية مثل أنظمة المدفعية، والعربات المدرعة، والألغام، والذخائر بمختلف العيارات.
وفي هذا السياق، قال روب لي، الزميل البارز في معهد أبحاث السياسات الخارجية، وهو مركز أبحاث متخصص في الشؤون الدولية: «في الدول الغربية هناك تنافس كبير على أفضل خريجي علوم الحاسوب أو المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات. أما في أوكرانيا، فقد توجه الكثير من أفضل الكفاءات نحو المجال الدفاعي». لكن حتى مع هذا التحوّل الجذري في ترسانة البلاد المحلية، فإنه لا يكفي لتمكين أوكرانيا من صدّ قوات موسكو بمفردها.
فأوكرانيا ما زالت بحاجة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لمواجهة آلة الحرب الروسية. إذ بحسب الصحيفة، هي لا تستطيع إنتاج ما يكفي من الذخائر لإبقاء مدافعها تعمل، كما أنها لا تنتج أي من أنظمة الدفاع الجوي الضرورية لصدّ الصواريخ الروسية. ورغم ازدهار الإنتاج العسكري، فإن ميزانية كييف تعاني من ضغوط شديدة. وقال أولكسندر كاميشن، مستشار الرئيس زيلينسكي ووزير الصناعات الإستراتيجية السابق، إن الحكومة هذا العام لن تتمكن إلا من شراء أقل من نصف ما يمكن للمصنّعين إنتاجه.
وقال كاميشن: «من المؤلم أن لا تتمكن من الإنتاج وليس لديك ما تقاتل به. ولكن الأمر يكون أكثر إيلاماً عندما تتمكن من الإنتاج، لكنك لا تملك التمويل لشراء ما تنتجه».

طاقة إنتاجية فائضة
وللاستفادة من الطاقة الإنتاجية الفائضة، بدأت بعض الحكومات الغربية بتمويل مشتريات الأسلحة من الشركات الأوكرانية، وفقاً لما يُعرف باسم «النموذج الدنماركي»، حيث لا يتم تزويد كييف بأسلحة غربية مباشرة، بل يُقدَّم التمويل لشراء الأسلحة من المصانع الأوكرانية. وقال روب لي: «الاستثمار المباشر في هذه الشركات قد يكون أفضل وسيلة لاستخدام الأموال المتاحة، إذا ما أردنا تحقيق تأثير ملموس على أرض المعركة». وقد شكّلت الحرب ميدان اختبار لمجموعة من الأسلحة التي لم تُستخدم سابقاً في القتال، ما وفر لدول الناتو دروساً قيّمة حول أدائها في المعارك. وعندما نالت أوكرانيا استقلالها، ورثت قطاعاً كبيراً من الصناعة الدفاعية السوفييتية، لكن هذه القدرات التصنيعية تراجعت سريعاً. وقد طورت إحدى الشركات الخاصة مدفع «بودانا» في عام 2016، لكنها لم تتلقَّ أي طلبات شراء قبل الغزو الروسي، وفقاً لما قاله فيتالي زاكوداييف، المدير العام لمصنع كراماتورسك لبناء أدوات الآلات الثقيلة. بعد هجوم روسيا عام 2022، كانت المخاوف من وقوع النظام بيد الروس كبيرة إلى درجة أن زاكوداييف تلقى تعليمات بتفكيك النموذج الأولي الوحيد. وحتى ذلك الحين، لم يُستخدم المدفع سوى في عرض عسكري بيوم الاستقلال.
لكن سرعان ما تلقى زاكوداييف تعليمات بإعادة تجميع المدفع لاستخدامه على الجبهة. وقد نُشر إلى جانب مدفع «قيصر» الفرنسي الصنع، ووجّه ضربات إلى المواقع الروسية في جزيرة الأفعى بالبحر الأسود، ما أجبر موسكو على التخلي عن هذه الصخرة في صيف الحرب الأول.
طلبات «بودانا»
وبدأت الطلبات تتدفق على مدفع «بودانا»، لكن المصنع الواقع في شرق أوكرانيا كان هدفاً مباشراً للضربات الروسية. ومع تصاعد القصف، بدأ العمال بنقل الإنتاج إلى مرافق جديدة في غرب البلاد، لكن ذلك لم يتم قبل أن يُدمَّر أكثر من نصف المعدات. ولأن الفترات الزمنية المطلوبة للحصول على بدائل كانت طويلة جداً، اضطرت الشركة إلى تصنيع معداتها الخاصة.
وقد تم توزيع الإنتاج بين عدة مواقع لتقليل أثر أي هجوم روسي. فإذا أصابت صواريخ العدو منشأة معينة، فإن بقية المنشآت ستواصل العمل. ومع العمل على مدار الساعة، تجاوز إنتاج المدفع عدد الشاسيهات ذات العجلات التي يُركّب عليها «بودانا».
تنتج الشركة حالياً أكثر من 20 مدفع «بودانا» شهرياً، وفقاً لزاكوداييف. وتستطيع روسيا، وفقاً لدراسة أجراها معهد كيل، إنتاج نحو 40 مدفعاً في الفترة ذاتها. ولا يتم تجميع المدفع النهائي إلا في اللحظة الأخيرة لتقليل فرص استهدافه قبل الوصول إلى الجبهة.
وقال روب لي: «أحد دروس هذه الحرب هو أن الطلب على الكمية مرتفع جداً. فالأمر لا يقتصر على امتلاك أنظمة متقدمة، بل يتعلق بما إذا كان لديك عدد كافٍ لمواصلة حرب عالية الكثافة لعام أو أكثر دون أن تتآكل قدراتك العسكرية بشكل كبير».
ورغم أن مدافع «آرتشر» السويدية و»بانزر 2000» الألمانية تتمتع بأنظمة إلكترونية أكثر تطوراً، إلا أن تصنيعها يستغرق وقتاً أطول وتكلفتها أكبر بكثير. فمدفع «بودانا» ذاتي الحركة يبلغ سعره 2.8 مليون يورو، أي نحو 3.1 مليون دولار، مقارنة بـ 8.76 مليون يورو لـ»آرتشر»، ونحو 4 ملايين يورو لـ»قيصر».

إنتاجات محلية
وإضافة إلى ذلك، فإن «بودانا» أسهل في الصيانة والإصلاح. قال زاكوداييف: «أي قطعة غيار يمكن توفيرها خلال 24 ساعة. لدينا فرق متنقلة تعمل على طول الجبهة»، بحسب التقرير.
وتُنتج أوكرانيا محلياً الآن نحو 85% من مكونات «بودانا»، بما في ذلك السبطانة، التي تبلى مع مرور الوقت.
وتعمل الشركة حالياً على تطوير شاسيه خاص بها لتقليل الاعتماد على الواردات، وفقاً لزاكوداييف. كما بدأت العام الماضي في إنتاج مدفع يجرّ يدوياً، وهو أرخص ثمناً من النسخة ذاتية الحركة ومفيد في الدفاع. ويتم تحديث التصميم باستمرار بناءً على ملاحظات المشغّلين في الجبهة.
ولكل نظام كهربائي أو هيدروليكي في «بودانا»، يوجد نظام ميكانيكي بديل. وهذا يجعل المدفع أثقل، لكنه يعني أنه قادر على مواصلة العمل في حال تعطل الأنظمة الكهربائية أو الهيدروليكية، حسبما قال زاكوداييف.
تموّل الحكومة الدنماركية شراء 18 مدفع «بودانا» لصالح القوات المسلحة الأوكرانية.
ويُعدّ «بودانا» مثالاً واضحاً على التقدم الذي أحرزته الصناعة الدفاعية الأوكرانية. غير أن الجهود الرامية إلى إنتاج ذخيرة من عيار 155 ملم وفقاً لمعايير الناتو، وهي ذخيرة محورية في جهود الحرب، تُظهر التحديات الكبيرة التي لا تزال قائمة.
وقد أنشأت شركة خاصة تُدعى «الدروع الأوكرانية» منشأة لإنتاج ذخيرة 155 ملم، باستخدام ترخيص ورسومات فنية من مجموعة تشيكوسلوفاكيا، التي توفر أيضاً المادة الدافعة والصمامات والمشاعل التي لا يمكن إنتاجها محلياً.
وكانت الشركة، التي تنتج أيضاً مركبات مدرعة، تخطط لإنتاج 100,000 قذيفة من هذا العيار هذا العام، و300,000 العام المقبل، وهو جزء ضئيل من إجمالي يُقدّر أن أوكرانيا تستهلكه سنوياً، والذي يتــــــراوح بين 3 إلى 4 ملايين قذيفة.
لكن المشروع حالياً متوقف، لأن الشركة لم تتلقَ أي تمويل من الحكومة، وفقاً لما قاله الرئيس التنفيذي فلاديسلاف بيلباس. وأضاف: «يجب أن نتحرك بسرعة أكبر. هذا ليس مجرد عمل تجاري بالنسبة لنا».