مع السعي لتنويع شُركائهم التجاريين و لتَجنُب الأسوأ :
الأوروبيون يُعِدون ردهم على الحرب الاقتصادية التي شنها ترامب على العالم
كانت المفوضية الأوروبية، المسؤولة عن شؤون التجارة، تستعد لتقديم ردها منذ أسابيع. لكن يتعين علينا الانتظار لفترة أطول لنرى كيف تنوي الرد على قرار دونالد ترامب بفرض ضريبة بنسبة 20% على الواردات الأوروبية، والذي أعلن عنه يوم الأربعاء.
ومن المفترض أن تًعوض هذه الرسوم الجمركية الحواجزَ الجمركية وغير الجمركية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على الشركات الأميركية التي تبيع سلعها وخدماتها في القارة العجوز. قالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، يوم الخميس 3 أبريل-نيسان: «لم يفت الأوان لمعالجة المخاوف من خلال المفاوضات».
وأكدت أن مفوض التجارة الأوروبي، ماروس سيفكوفيتش، «على اتصال دائم» بنظرائه الأمريكيين: «سنسعى جاهدين لتقليص الحواجز، لا زيادتها». وأضافت: «لا يزال الأوروبيون يعولون على اتفاق مع واشنطن، من شأنه أن يسمح لهم بتجنب الأسوأ». ويعتقدون أن هناك مجالا للتفاوض، لأن لعبة البيت الأبيض تشكل خطرا على النمو على جانبي الأطلسي.
بين إشارات الانفتاح والتهديدات بالانتقام، تأمل المفوضية في دفع دونالد ترامب إلى التحرك. وبما أن الولايات المتحدة فرضت بالفعل رسوماً جمركية على الصلب والألومنيوم منذ 12 مارس-آذار، مما أثر على 26 مليار يورو من الصادرات الأوروبية، فيجب على المفوضية الأوروبية، في غضون أسبوع، أن ترسل إلى مجموعة السبع والعشرين، للتحقق منها قبل منتصف أبريل/نيسان، قائمة المنتجات الأميركية التي تنوي فرض ضرائب إضافية عليها. وعلى عكس ما كان متوقعا، لا يتوقع أن يتم إدراج بوربون كنتاكي ضمن القائمة، إذ إن فرنسا وإيطاليا وأيرلندا، التي تشعر بالقلق إزاء تهديدات دونالد ترامب بفرض ضريبة على الكحوليات الأوروبية «بنسبة 200%»، نجحت في سحبها. بالنسبة للرسوم الجمركية - تلك التي دخلت حيز التنفيذ في 3 أبريل-نيسان، بعد الإعلانات التي صدرت في 26 مارس-آذار على السيارات، وتلك التي تبلغ 20% والتي أُعلن عنها في 2 أبريل-نيسان - تقوم المفوضية الأوروبية بإعداد وثيقتين. وتتضمن القائمة الأولى إجراءات انتقامية يمكن أن تدخل حيز التنفيذ في نهاية أبريل-نيسان أو بداية مايو-أيار، بينما تتضمن القائمة الثانية القضايا التي ستكون الدول السبع والعشرون مستعدة للتفاوض بشأنها مع واشنطن إذا تم تعليق الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة في نهاية المطاف. وسيتم إبلاغ الدول الأعضاء والبيت الأبيض بهذه التوصيات في منتصف أبريل-نيسان. وفي الأيام المقبلة، ستجري أورسولا فون دير لاين مشاورات مع رؤساء الدول والحكومات الأوروبية بشأن مدى التنازلات المحتملة والانتقام المحتمل. وسوف يحتاج إلى تأمين دعمهم، ولكن العديد منهم يدعون إلى الحذر، سواء لأسباب اقتصادية أو تاريخية أو حتى أيديولوجية. بدءًا برئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني.
تنازلات واسعة
إلى أي مدى ستصل تهديدات الانتقام؟ لدى أوروبا أوراقٌ كثيرةٌ في متناولها، من التجارة إلى المجال الرقمي، بما في ذلك حجم السوق الاوروبي. لكن هذه القوة تعتمد أيضًا على استعدادنا لاتخاذ تدابير مضادة حازمة. حذرت أورسولا فون دير لاين من أن «كل الخيارات مطروحة على الطاولة». الرسالة واضحة: فبالإضافة إلى السلع المُصنعة، يستطيع الاتحاد الأوروبي أيضاً استهداف الخدمات الأميركية، من خلال اتخاذ قرار بفرض ضرائب جديدة، أو زيادة القيود التنظيمية، أو استخدام أداة مكافحة الإكراه. وهنا، لدى الولايات المتحدة الكثير لتخسره. ومن إجمالي التجارة عبر الأطلسي البالغة 1.5 تريليون يورو، يتمتع الاتحاد الأوروبي بفائض تجاري قدره 150 مليار يورو مع الولايات المتحدة في السلع وحدها وعجز قدره 100 مليار يورو في الخدمات. وذكّر وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في الأول من أبريل/نيسان بأن شركات التكنولوجيا العملاقة «تكسب 25% من عائداتها في أوروبا، أي مئات المليارات من اليورو كل عام»، وأن «دول منطقة اليورو تمول الاقتصاد الأميركي وعجزه العام بنحو 3000 مليار يورو سنويا». وأضاف الوزير أنه إذا أبقت الولايات المتحدة على رسومها الجمركية، فسوف تضطر المفوضية الأوروبية إلى «الرد» وتعبئة «أدوات الردع» لديها، في إشارة إلى «أداة مكافحة الإكراه القوية التي تسمح لها بفرض الضرائب ليس فقط على الواردات والصادرات، ولكن أيضا تقييد الوصول إلى أسواق المشتريات العامة الأوروبية». وإذا أظهر الاتحاد الأوروبي قوته، فإنه سيكون مستعدا أيضاً لتقديم تنازلات كبيرة. وقد بزيد من مشترياته من الغاز الطبيعي المُسال أو حتى المعدات العسكرية. ولكن أيضا، لتسهيل الحياة على الشركات الأميركية، التي، وفقا لدونالد ترامب، تخضع لعقوبات من خلال الحواجز غير الجمركية - مثل المعايير الصحية ومعايير الصحة النباتية - والتنظيم الرقمي، وضريبة القيمة المضافة، أو حتى التزامات الإبلاغ البيئي والاجتماعي. وبغض النظر عن نتائج هذه المفاوضات المستقبلية بين بروكسل وواشنطن، فإن الولايات المتحدة غداً سوف تكون أكثر حمائية. وفي هذا السياق، يبحث الأوروبيون عن مصادر النمو في أماكن أخرى، في مناطق أخرى من العالم حيث تضعف الرسوم الجمركية الجديدة أو في بلدان «الجنوب العالمي» التي تشهد نمواً سريعاً.
بمجرد انتخاب دونالد ترامب، بدأت أورسولا فون دير لاين البحث عن شركاء جدد، متنقلةً في جميع أنحاء العالم. وقد تسارعت وتيرة بعض المفاوضات، التي كانت متعثرة في بعض الأحيان لسنوات عديدة. وفي يناير/كانون الثاني، توصلت المفوضية الأوروبية إلى اتفاق مع المكسيك لتحديث اتفاقية تجارية قديمة، وأعلنت عن استئناف المناقشات مع ماليزيا. في الثاني عشر من فبراير-شباط، انعقدت قمة بين الاتحاد الأوروبي وكندا في بروكسل، وتمت مناقشة إمكانية تعميق اتفاقية التجارة الحرة الشاملة بين الاتحاد الأوروبي وكندا ، اتفاقية التجارة الحرة الثنائية بين الدول السبع والعشرين وأوتاوا ــ على الرغم من أنها كانت موضع استنكار لفترة طويلة في بعض الدول الأوروبية، بما في ذلك فرنسا. أما بالنسبة للاتفاقية مع أربع دول من الميركوسور (الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا ) وبعد الاتفاق الذي توصلت إليه المفوضية الأوروبية في 5 ديسمبر-كانون الأول 2024 مع باراغواي وأوروغواي ، فإن الوضع الجديد في واشنطن قد يعطيه دفعة قوية. وعلى أية حال، فإن هذا يجعل من الصعب الحفاظ على موقف فرنسا، التي تعارضه بشدة، والتي سوف تضطر بلا شك إلى تغيير موقفها. ثم تبقى بكين، التي ينبغي للاتحاد الأوروبي أن «يعمق علاقاته» معها، كما أعلنت أورسولا فون دير لاين في 21 يناير/كانون الثاني. ويقول دبلوماسي أوروبي: «هناك حملة ترويجية من الجانبين، ولكن لا شيء ملموس حتى الآن». لا تريد رئيس المفوضية إثارة غضب دونالد ترامب أكثر، الذي يخوض معركة لا هوادة فيها ضد القوة الاقتصادية الصينية. وبإمكان الأوروبيين أيضاً أن يسعوا إلى تحقيق النمو في الداخل، حيث تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الحواجز أمام السوق المحلية تعادل رسوماً جمركية بنسبة 45% على التصنيع و110% على الخدمات. ورغم هذا التشخيص، الذي ليس جديدا، لم يتمكن السبعة والعشرون أبدا من التغلب على خلافاتهم. وربما يدفعهم هجوم دونالد ترامب إلى التحرك.